عناصر الخطبة
1/أشراط الساعة الكبرى 2/التحذير من فتنة الدجال 3/صفات الدجال وأحواله 4/ خروج الدجال وأتباعه 5/التعوذ من فتنة الدجال.اقتباس
وخروج الدجال من الأشراط العظيمة المؤذنة بقيام الساعة، وفتنته من أعظم الفتن والمحن التي تمر على الناس، ويسمى أيضًا مسيحًا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يومًا، فهو مسيح الضلالة الذي يفتن الناس بما يجري على يديه من الآيات، كإنزال المطر وإحياء الأرض، وبما يظهر على يديه من عجائب وخوارق للعادات.
الخطبة الأولى:
ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أشراطًا كثيرة للساعة، منها ما مضى، ومنها ما هو حاضر، ومنها ما هو مستقبل، وأنه سيظهر دجالون وكذابون كثيرون، وأن عدد هؤلاء قريب من ثلاثين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا، آخرهم الأعور الكذاب".
وأبلغ ما يكون من أشراطها وأعظمه فتنة هي فتنة المسيح الدجال، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة ويستعيذ بالله من الدجال في صلاته: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال"(رواه مسلم).
والدجال من الدجل وهو التغطية، وأصل الدجل معناه: الخلط وسمي الدجال دجالاً؛ لأنه يغطي الحق بباطله، أو لأنه يغطّي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم.
والمراد بالدجال هنا: الدجال الأكبر الذي يخرج قبيل قيام الساعة في زمن المهدي وعيسى -عليه السلام-.
وخروج الدجال من الأشراط العظيمة المؤذنة بقيام الساعة، وفتنته من أعظم الفتن والمحن التي تمر على الناس، ويسمى أيضًا مسيحًا؛ لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يومًا، فهو مسيح الضلالة الذي يفتن الناس بما يجري على يديه من الآيات، كإنزال المطر وإحياء الأرض، وبما يظهر على يديه من عجائب وخوارق للعادات.
وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكر خروج الدجال في آخر الزمان والتحذير منه، حيث وصَفه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته وصفًا دقيقًا لا يخفى على ذي بصيرة، كما حذر منه الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قبله أممهم ووصفوه لهم أوصافًا ظاهرة.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال، ما حدث به نبي قومه؛ إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه"(رواه البخاري)
ومن فتنته قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الدجال: "إن معه ماء ونارًا؛ فناره ماء بارد، وماؤه نار"(رواه البخاري).
وفتنته عظيمة وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال"(رواه مسلم)، والمعنى ليس فيما بينهما فتنة أكبر أي أعظم من الدجال لعظم فتنته وبليته ولشدة تلبيسه ومحنته، بل ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- عظم فتنته بقوله: "وإنه قد أوحي إليَّ أنكم تُفتنون في القبور مثل أو قريب من فتنة المسيح الدجال"(البخاري).
فالدجال: رجل من بني آدم له صفات كثيرة، منها أنه رجل شاب أحمر، قصير، أفحج، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى، وليست بارزة ولا غائرة، كأنها عنبة طافية، وعينه اليسرى عليها ظفرة غليظة، أي لحمة نابتة فوق مقدمة العين عند المآقي، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤها كل مسلم كاتب أو غير كاتب، ومن صفاته أنه عقيم لا يولد له.
وفي حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج، جعد، أعور، مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء؛ فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور"(رواه أبو داود).
ومن حديث أنس وحذيفة: "وإن بين عينيه مكتوب كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب"(البخاري ومسلم).
وأما عن مكان خروج الدجال؛ فمن جهة المشرق من خراسان من يهودية أصبهان، ويخرج معه، ويتبعه سبعون ألفًا من يهود أصبهان؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفًا من اليهود"(رواه أحمد).
وأما أتباعه فهم اليهود والعجم والترك وأخلاط من الناس غالبهم من الأعراب والنساء. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة"(مسلم). وفي رواية للإمام أحمد "سبعون ألفًا عليهم التيجان".
وورد في حديث أبي أمامة الطويل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإن من فتنته -أي الدجال- أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بَعَثْتُ لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك"(رواه ابن ماجه).
وأما أتباعه من النساء فيكنّ أكثر من الأعراب وغيرهم؛ لسرعة تأثرهن وغلبة الجهل عليهن ونقصان عقولهن ودينهن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناةٍ -وادٍ بالمدينة-؛ فيكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطًا؛ مخافة أن تخرج إليه"(أحمد).
والدجال لا يدخل مكة ولا المدينة، كما جاء في الحديث الصحيح أن الدجال قال: "فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة؛ فهما محرمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتًا يصدني عنها، وإن على كل ثقب ملائكة يحرسونها"(رواه مسلم)، وعند البخاري: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان".
ففتنة الدجال فتنة عظيمة فالتعوذ منه أمر مطلوب في آخر الصلاة بعد التشهد كما ورد في الأحاديث الصحيحة، ويستطيع من يدركه زمانه أن يحفظ عشر آيات من سورة الكهف ويقرأها عليه فتعصمه من شره وفتنته بإذن الله -عز وجل-. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال"(رواه البخاري).
وفي حديث النواس بن سمعان الطويل، وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف"(رواه مسلم).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن حفِظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من الدجال"(مسلم).
الخطبة الثانية:
المؤمنون لا يفتنهم الدجال ولا غيره، بل يزدادون إيمانًا مع إيمانهم، فالدجال رجل من بني آدم لا يرد عن نفسه قدرًا، ولا يجلب لها نفعًا، ولا يدفع عنها ضرًّا، حتى إن خلقته التي منها عور عينه والطفرة التي على الأخرى لا يستطيع تغييرها، وكذلك عقمه، وغير ذلك من الصفات، وإنما جعل الله تلك الآيات التي معه فتنة للناس ليضل مَن ضل عن بينة ويزداد المؤمنون إيمانًا.
قال الخطابي -رحمه الله-: "هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله -تعالى-، من إحياء الميت الذي يقتله، ومن ظهور زهرة الدنيا، والخصب معه، وجنته وناره ونهريه، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله -تعالى- ومشيئته، ثم يعجزه الله -تعالى- بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويبطل أمره ويقتله عيسى -صلى الله عليه وسلم- ويثبت الله الذين آمنوا".
أما عن مقتل الدجال فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "يأتي الدجال -وهو محرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة- بعض السباخ التي بالمدينة؛ فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه؛ فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم، فيقول الدجال أقتله؟ فلا يُسلط عليه".
ومن الذين خصهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمسكهم بالحق ومقاتلة الدجال بنو تميم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هم أشد أمتي على الدجال"(متفق عليه).
قال القرطبي -رحمه الله- في قوله -عليه الصلاة والسلام- في بني تميم: "هم أشد أمتي على الدجال"؛ تصريح بأن بني تميم لا ينقطع نسلهم إلى يوم القيامة، وبأنهم يتمسكون في ذلك الوقت بالحق، ويقاتلون عليه، وفي الرواية الأخرى: "هم أشد الناس قتالاً في الملاحم"، يعني: الملاحم التي تكون بين يدي الدجال، أو مع الدجال، والله -تعالى- أعلم.
فاللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن فتنة الدجال.
التعليقات