عناصر الخطبة
1/ الخوف من المرض أمر جبلي 2/ خطر التفريط في طاعة الله وعبادته 3/ الموت حقيقة وسببه مجهول 4/ أسباب النجاة من عذاب اللهاهداف الخطبة
اقتباس
لا شك أن الخوف من الأشياء المضرة بالنفس والمتلفة للجسد، أو من الأشياء الغريبة المريبة أمر جبلي عند البشر .. ولكن الذي يتأمل في حال الناس الذين يتحدثون عن هذه الأمراض، ويخافون منها، ويصيبهم ذكرها بالقلق والهم تجد أنهم قد فرطوا في جانب عظيم من حياتهم وأهملوه، ألا وهو ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله كاشف البلاء، ومسدي النعماء، أحمده سبحانه، قدر الأقدار، وحدد الآجال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ما للعباد من دونه من وال، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله قام بأمر الله -عز وجل- وصال فيه وجال.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل، وعلى من اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم المآل.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واستغفروه، وتوبوا إليه، وأنيبوا إليه.
عباد الله: يدور الحديث في بعض مجالس الناس، أو في محادثة أحدهم الآخر، وخاصة بين الشباب بعضهم مع بعض، والشابات بعضهن مع بعض، عن كثرة الأمراض المستعصية والخطيرة، وانتشارها في المجتمعات، وأثرها المخيف.
وتجد أن الخوف من هذه الأمراض قد دخل إلى القلوب، حتى صارت الهاجس الوحيد عند بعضهم، وجرت إليه الهم والكآبة والقلق، ولا سيما إذا كان المرض لا يوجد له علاج يقطعه، أو دواء يقضي عليه، وتكون نهاية المصاب به -في تقدير الناس عطفاً على نتائجه وآثاره- هو الموت، مع أن الموت وأجله علمه عند الله العليم الحكيم، كما قال -سبحانه وتعالى-: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 42].
وإنني -عباد الله- لن أتكلم عن هذه الأمراض وأسبابها، وعن كونها كفارة للمبتلى بها، وأنها ابتلاء وامتحان، فهذا له وقفة أخرى -إن شاء الله تعالى-، ولكنني بصدد الكلام عن هذا الخوف من هذه الأمراض المستعصية المهلكة الذي قد دخل إلى القلوب، وأقلق المضاجع.
فأقول -عباد الله-: لا شك أن الخوف من الأشياء المضرة بالنفس والمتلفة للجسد، أو من الأشياء الغريبة المريبة أمر جبلي عند البشر؛ فهذا موسى -عليه السلام- لما أخبره الذي جاء يسعى بأن الملأ يأتمرون به ليقتلوه ذكر الله -سبحانه- أنه خرج من المدينة خائفاً يترقب، وهذا محمد -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه جبريل في الغار أول مرة جاء إلى خديجة -رضي الله عنها- يرجف فؤاده من الخوف وجنس الإنسان يخاف من الموت ويكرهه ويكره أسبابه، ويخاف منها، لما قال -عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح-: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره لقاءه". قالت عائشة -أو بعض أزواجه-: إنا لنكره الموت، فقال عليه الصلاة والسلام: "ليس كذلك".
ولا يلام المرء على فعل الأسباب التي تقيه -بإذن الله- هذه الأمراض المهلكة، ولا يعاب عليه هذا، فحب الحياة الدنيا، وطول البقاء فيها، من أخلاق النفس البشرية: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ) [القيامة: 20- 21].
ولكن الذي يتأمل في حال الناس الذين يتحدثون عن هذه الأمراض، ويخافون منها، ويصيبهم ذكرها بالقلق والهم تجد أنهم قد فرطوا في جانب عظيم من حياتهم وأهملوه، ألا وهو جانب العبادة والطاعة لرب العالمين، والقيام بحقوقه، وحقوق عباده التي عليهم، والوقوف عند حدوده، وتزكية النفس وتطهيرها من درن الذنوب والآثام، وتجدهم قد وقعوا في السوء والفحشاء؛ فاجتمع عندهم الخوف من هذه الأمراض، والحب المفرط لهذه الحياة، والتفريط الواضح في جنب الله، وشبح الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها، وضعف اليقين بما عند الله من الوعد والوعيد.
ولو سألت أحدهم: هل تؤمن بالموت وأنه حق وواقع لا محالة؟ لأجابك فوراً وبدون تردد: نعم أؤمن بالموت ولا أشك في وقوعه، وأنا بشر ممن خلق الله، وسأموت كما يموت ومات غيري.
ولو سألته: هل تؤمن بالبعث بعد الموت؟ والوقوف بين يدي الله لفصل القضاء بين العباد؟ ونؤمن بالحساب والجزاء والجنة والنار؟ لأجابك: بأنه يؤمن بذلك كله؛ لأنه مسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث والقدر خيره وشره حلوه ومره.
إذًا -أيها الخائف من هذه الأمراض- ما دمت تؤمن بذلك كله، فاعلم أن الموت واقع بك إذا حان أجله في حقك، فقد تموت بدون سبب:
فكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من عليل عاش حينا من الدهر
وقد تموت بسبب مرض من هذه الأمراض، أو بمرض أقل منها ضرراً، وأخف وطئا.
الخطبة الثانية:
عبد الله: إذا تحقق ذلك لديك، وعلمت أن الموت آت لا محالة بسبب أو غير سبب، فالذي يجدر بك أن تفكر فيه حقاً، وتشغل به ذهنك دوما مع عمل الأسباب المشروعة للوقاية من العطب هو ماذا قدمت للوقوف بين يدي الله ربك وإلهك وخالقك؟ هل قدمت ما يكون سببا بعد رحمة الله وفضله، في سعادتك ونجاتك من عذاب يوم القيامة، وفوزك بجنات الخلود، ومقاعد الصدق عند الملك الودود؛ فحققت معنى: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فأقمت الصلوات الخمس كما أمرت بذلك، وأديت زكاة مالك، وصمت شهر رمضان، وحججت بيت الله الحرام، ووصلت الأرحام، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر والآثام، وجاهدت نفسك وشيطانك، وعدوك من الأنام، واجتنبت الفواحش والمعاصي والآثام؟ أم أنت سادر في غيك، لاه في دنياك، مستمر على طغيانك وعصيانك، سائر في طريق الضلال والهلاك؛ لا تعتبر بموت قريب، ولا تتعظ بذهاب حبيب، التفريط في كثير من الواجبات والحقوق سمة من سماتك، والتساهل والكسل والتسويف صفة من صفاتكم، والاستهزاء بالخلق واحتقارهم وإيذاؤهم بالقول والفعل خلق من أخلاقك، لا ترعوي ولا تندم إلا حيث لا ينفع الندم والبكاء على اللمم، إن أنت -يا أخي- مت على هذه الحال ولا سيما إذا كنت قد ارتكبت ما يخرجك من دين الإسلام -والعياذ بالله-؛ كترك الصلاة المفروضة أو الاستهزاء بالدين أو بالرسول أو بعبادة علم وجوبها أو مشروعيتها من الدين بالضرورة؛ فالويل ثم الويل يوم تقف بين يدي علام الغيوب، ماذا ستقول لربك؟ وبأي عذر غير مقبول، والحيلة لا تنفع، والكذب لا يجدي؛ لأنك ستقف بين يدي علام الغيوب، مالك الملك الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، الذي لا يظلم مثال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها وهو سريع الحساب.
اقرأ كتاب ربك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، لتعلم ذلك، ولا تقرأ كتب أهل الضلال والانحراف والزيغ والفساد والباطل والإلحاد، ولا رسائلهم ومقالاتهم، التي تزيد في ضلالك وغيك وفسادك، وتبعدك عن التفكير في ما ينفعك في دينك ودنياك وآخرتك.
هذا -يا أخي الكرم، ويا أخي الحبيب- الذي يجب أن تفكر فيه بجدية، ما دمت في زمن الإمهال قبل زمن السؤال، فأنت الحكم لنفسك والخصم لها، وأنت أعلم بنفسك من غيرك سوى الله.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم وفقنا للأعمال الصالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل فيها لأحد شيئاً، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
التعليقات