عناصر الخطبة
1/الاهتمام بالأسرة وتعزيز العلاقات بين أفرادها 2/خطورة اضطراب الحياة الزوجية والأسرية 3/وجوب مراعاة الحقوق والواجبات بين الزوجين 4/حقوق الزوج على زوجته.اقتباس
ويوم أن كانت أُمتنا المسلمة تقود ركب الإنسانية إلى الخير، وتحمل مشعل الهداية إلى الشعوب؛ كانت في داخل بيوتها تنعم بما لا يَعرف له التاريخ مثيلاً من استقرار السعادة الزوجية، وشمول الطمأنينة والحب والتعاون لجميع أفرادها...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فإن مَن قُدِّر له أن يُحيط بوضع الأسرة في مجتمعنا، وما تُعانيه بعض الأُسَر من مشكلات نفسية واجتماعية وخُلقية، ويقف على ما يُقدّم إلى المحاكم من دعاوى الخصومة الزوجية؛ أيقن أننا في أشد الحاجة إلى الاهتمام بوضع العائلة والأسرة والعلاقات بين أفرادها.
إن اضطراب الحياة الزوجية عامل كبير من عوامل اضطراب الأوضاع في الأمة، وهذه المشكلات إنما تنشأ عن التساهل في أحكام الشرع، وعندما تخف رقابة الإنسان لربه -تبارك وتعالى-، وعندها تحكم الفوضى والغموض: الحقوق والواجبات بين الزوجين.
فلو استقام الأمر بينهما على حب روحي كريم، وعلى حق واضح صريح يعرفه كل منهما ويُطبّقه على نفسه، ويطالب به نفسه قبل أن يطالب به الآخر، لو حصل ذلك كله لارتفع المستوى الاجتماعي في البيت؛ حيث تنعم الأسرة كلها بالأمن والسعادة والاستقرار.
ويوم أن كانت أُمتنا المسلمة تقود ركب الإنسانية إلى الخير، وتحمل مشعل الهداية إلى الشعوب؛ كانت في داخل بيوتها تنعم بما لا يَعرف له التاريخ مثيلاً من استقرار السعادة الزوجية، وشمول الطمأنينة والحب والتعاون لجميع أفرادها؛ ذلك لأن الإسلام وضع لكل من الزوجين والآباء والأبناء حدودًا واضحة يتميز فيها حقّ كل فئة عن حق الفئة الأخرى، وهي حقوق متكافئة منسجمة تؤدي إلى ملء القلوب بالحب، وملء الحياة بالنعيم، وملء المجتمع بالنسل الصالح الذي يبني ولا يهدم، ويسمو ويرتفع ولا ينحدر.
وهذه الحقوق أقامها الإسلام على دعامتين من العدل والحب، لا ينبع من الحياة إلا منهما، ولا يستقيم شأن إلا بها، ويتضح هذا من الغاية التي بيَّنها الله -تعالى- من الزواج فقال: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
أيها الأزواج: ينبغي أن تقوموا بواجبكم نحو زوجاتكم؛ فقد أمركم الله بالقيام بحقوق الزوجات كما سبق معنا في خطب سابقة. ويحق لكم اليوم أن تعرفوا حقوقكم أنتم، وأن تعرف كل زوجة واجبها تجاه زوجها.
فأول هذا الحقوق: طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف حسب ما يقرره الشارع الحكيم، وهي طاعة تُحتّمها المصلحة المعنوية المشتركة بين كل شريكين متحابين متصافيين، وإنها ليست طاعة العبد لسيده، ولا الذليل لمن يستعبده، وإنما هي طاعة الأخ الصغير للأخ الكبير، والزوجة غالبًا ما تكون أصغر من الرجل سنًّا، وهي القوامة التي يطلبها الإسلام من الزوجة لزوجها، كما أشار الله -تعالى- إلى ذلك بقوله: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: 34].
وهذه الطاعة لها أثرها الكبير في استقامة الحياة وسعادة الأسرة، بل هي سبب في دخول المرأة إلى جنة ربها -تبارك وتعالى-؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها: ادخلي الجنة من أيّ الأبواب شئت".
وينبغي التنبيه على أن الطاعة في المعروف وفي غير معصية، فلو أرادها على شرب حرام أو طعام حرام أو لباس لا يجوز أو اختلاط، فلا تطعه؛ فـ"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
ومن حق الزوج على زوجته: أن تراعي شعوره؛ فتبتعد عما يؤذيه من قول أو فعل أو قلق، وأن تراعي ظروفه المالية، ومكانته الاجتماعية، وأن تُقدّر مسؤولياته في العمل خارج البيت؛ فلا تضيق من ذلك، ولا تكلفه من النفقات ما لا يطيقه، وأن لا تستكثر من الطلب لئلا يلجئ إلى الكسب الحرام.
لقد كانت المرأة تقول لزوجها: "إنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار"، وعندما اجتمعت أمهات المؤمنين لطلب النفقة، اغتم لذلك واعتزلهن شهرًا، حتى نزل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 28- 29].
ومن حقوق الزوج أن تُوفّر له زوجته: سكن النفس والطمأنينة في البيت بنظافة قلبها وحبّها ونظافة بيتها، وأن تتزين له حين يقدم بما يقربها إليه ويزيد حبّه لها وشوقه إليها، وكانت المرأة توصي ابنتها بذلك عند الزواج كما أوصت امرأة ابنتها، "أي بُنَيَّة: إنك خرجت من العش الذي فيه درجت، فصرت إلى فراش لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أرضًا يكن لك سماء، وكوني له مهادًا يكن لك عمادًا، وكوني له أَمَة يكن لك عبدًا، ولا تُلحفي عليه فيقلاك، ولا تباعدي عنه فينساك، إن دنا منك فاقربي إليه، وإن نأى عنك فأبعدي عنه، واحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشمنَّ منك إلا طيبًا، ولا يسمع إلا حسنًا ولا ينظر إلا جميلاً".
ومن حق الزوج على زوجته: أن لا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وألا تُبدي زينتها خارج بيتها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة ألا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، فإن فعلت لعنتها الملائكة حتى تعود.
وأمر الله المرأة بغض البصر؛ فقال: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النساء: 31].
الخطبة الثانية:
ومن حقوق الزوج على زوجته: أن تترك له وقتًا يفرغ فيه لنفسه ولفكره، فإن كان عابدًا تركت له وقتًا للعبادة، وإن كان عالمًا تركت له وقتًا لطلب العلم، وإن كان تاجرًا أو عاملاً تركت له وقته ليعمل، وهكذا ما لم يصل الأمر إلى حد النفرة والجفاء.
ومن حق الزوج أن تحافظ المرأة على سُمعته وكرامته وعِرْضه، وأن تكون أمينة على ماله، لا تأخذ منه إلا بالمعروف، هذه بعض الحقوق التي للزوج على زوجته، وهو نداء للزوجات ليسمعن له هنا، أو ينقله الرجال إليهن.
أيها الزوجات: احرصن على سعادة أزواجكن، واجعلن من بيوتكن جنات يأوي إليها الأزواج؛ حتى يجدوا من قلوبكن وبِشْركن ونظافتكن وتعاونكن، ومن قبل ومن بعد من فوقكن الله ومن تقواه التمسك بدينه، ما يجعل من هذا كله ما يُحبِّب أزواجكن فيكن وفي بيوتكن، وحذار حذار من الغفلة والتفريط والتساهل في الحقوق التي شرعها الله -تعالى-.
التعليقات