عناصر الخطبة
1/عظمة الله في خلقه وتسخير الكون له 2/قصص الأنبياء مع الحجر واستخدامهم لها 3/معاقبة الله للكافرين والظالمين بالحجر 4/محاربة أطفال فلسطين لليهود بالحجارة 5/فضل الحجر الأسود 6/مسائل متفرقة متعلقة بالحجراهداف الخطبة
اقتباس
إن الحجر الذي كان في يوم من الأيام سلاحاً مع اليهود عندما، فجّر لهم الماء مع نبيهم موسى -عليه السلام-، وذلك حين كان فيهم بقية من خير، هذا الحجر يصبح اليوم لعنة تطاردهم، وشبحاً يخيفهم، وأخطبوطاً يرعبهم.
وهل ينتهي دور الحجر في مطاردة اليهود عند هذا الحد؟
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله …
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ...)[آل عمران: 102].
أما بعد:
قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[الفتح: 7].
ويقول سبحانه: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[المدثر: 31].
أيها المسلمون: إن الله جلت قدرته بيده ملكوت كل شيء، وبيده مقاليد كل شيء، كل ما في هذا الكون مسخر لله -جل وعلا-، بل أن الكون كله جند من جنود الله -تعالى-، يسخره كيف يشاء.
فالريح مثلاً جند من جنود الله يهلك الله به من أراد من الأقوام والمجتمعات التي طغت عن أمر ربها، وكذبت رسله، قال الله -تعالى-: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)[الحاقة: 5-8].
والماء كذلك جند من جنود الله، أهلك الله -جل وعلا- بهذا الماء الذي نراه سهلاً يسيراً، عذباً زلالاً، أغرق الله -جل وعلا- بهذا الماء أقواماً تمردوا على شرع الله، وفسقوا وظلموا فكان عاقبتهم أن سلط الله عليهم هذا الجندي من جنوده فأغرق القوم، قال الله -تعالى-: (وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[هود: 41-44].
هذا الماء كان هنا وبالاً على الظالمين الكافرين، وكان أيضاً جنداً من جنود الله ووقف في صف الجيوش المسلمة في غزوة بدر: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)[الأنفال: 11].
ومن جنود الله أيضاً -أيها الإخوة- والذي يكون عوناً من الله -تبارك وتعالى- للفئة المؤمنة: "الحجر".
نعم الحجر يسخره الله -سبحانه وتعالى- لمن شاء من عباده، نصراً وتأييداً لهم.
وللحجر قصة طويلة عبر التاريخ مع المسلمين والمؤمنين، من قبل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فلنمضِ معكم -أيها الأحبة- لنتعرف على قصة هذا الحجر.
نبدأ بإبراهيم خليل الرحمن -عليه وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام- حين يلاحقه إبليس محاولاً إقناعه بالتمرد على أمر ربه حين أمره بذبح ولده إسماعيل، محركاً في نفسه عاطفة الأبوة، ماذا فعل إبراهيم -عليه السلام-؟
التقط حجراً، أخذها من بطحاء مكة، وقذفها في وجه الشيطان، ويعاود إبليس المحاولة مرة ثانية وثالثة، في ثلاثة أماكن مختلفة، طمعاً في النجاح في إقناع الخليل، لكن إبراهيم -عليه السلام- يعاود رجمه في كل مرة حتى يئس.
ثم تصبح هذه سنة خالدة واجباً يؤديه الحاج في ذلك المكان إلى يوم الدين، اقتداءً بسنة إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وتعبيراً عن العداء الأبدي بين المسلم وبين الشيطان.
ثم مع موسى -عليه الصلاة والسلام- طلب موسى -صلى الله عليه وسلم- من ربه السقيا لقومه، وهم في الصحراء، فئة مؤمنة أصابهم العطش، وهم في وسط صحراء قاحلة، مع نبيهم، فتوجه موسى لله رب العالمين، فيستجيب الله له، ويأمره أن يضرب بعصاه حجراً، فينفجر من ذلك الحجر بأمر الله -جل وعلا- اثنتا عشرة عيناً، بعدد أسباط بني إسرائيل.
فالحجر الذي لا يتوقع عاقل أن يخرج منه الماء، يستجيب لأمر خالقه، ويتفجر منه ذلك الماء العذب الغزير؛ كما قال تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[البقرة: 60].
فهل استطاعت عصا موسى اختراق الحجر والنفاذ إلى أعماق الأرض وتفجير الماء؟
كلا، فليس ذلك من خواص العصا، أم أن الحجر تأثر بضربة عصا موسى؟
كلا، فليس من صفات الحجر أن يتأثر بضربة عصا، ولكنها قدرة الله ومعجزته سبحانه يجريها على يد نبيه؛ فيأمر جل وعلا بكلمة: كن، فتتغير خواص الأشياء، ويتفجر ذلك الماء الزلال في تلك الصحراء الجرداء القاحلة من ذلك الحجر الأصم الصلب، بفعل ضربة عصا.
وهي العصا نفسها التي ضرب بها موسى: (الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[الشعراء: 63].
ومع كل هذا تقسوا قلوب بني إسرائيل، حتى تصبح كالحجارة أو أشد قسوة، مع ما رأوا من الآيات البينات، بسبب لجاجتهم، والتواء طبعهم، ومغالطاتهم، ومما حكاتهم المتكررة.
ثم مع قوم لوط -عليه السلام-، عندما ارتكب قوم لوط تلك الجريمة البشعة التي تنافي الدين والخلق والكرامة والمروءة، تلك الجريمة الشنعاء التي تتعارض مع الفطرة السليمة، ويقال: بأن أولئك القوم هم أول من أحدث هذه الفعلة، ولم يكن لها سابق في هذا الأمر، فبعدما دعاهم نبيهم لوط -عليه السلام-، وحذرهم، بل وعرض عليهم بناته لينكحوهم عن طريق الزواج الشرعي، رفضوا الزواج وأصروا على مقارفة الجريمة، أرسل الله ملائكته وأمرهم أن يمطروهم بحجارة من طين: (مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) [الذاريات: 34].
فكانت الحجارة سلاحاً إلهياً، فتاكاً ومدمراً في يد الملائكة، قال الله -تعالى-: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)[الأعراف: 80-84].
وقال تعالى: (قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)[هود: 81-83].
ويدور الزمان دورته، ويغزو أبرهة مكة بجيش جرار تتقدمه الفيلة، وهو يريد هدم بيت الله العتيق، ويعجز العرب عن التصدي لهذا الزحف الهائل، أو التحرش به لضآلة مكانتهم، وتفرقهم إلى قبائل متناحرة لا يجمعها دين، ولا توحدها عصبية الجنس، ويقفون موقف المترقب العاجز الذي لا يحرك ساكناً، والذي لا يدري ما يفعل، وما يُفعل به ولا ما يراد له، كحالهم هذه الأيام، لا يدرون ما يفعلون وما يُفعل بهم، وما يراد لهم، كالريشة في مهب الريح، يقلبها الريح كيف يشاء، فلا يجد حيلة زعيم قريش في ذلك الوقت عبد المطلب، إلا التعلق بأستار الكعبة وهو يردد أرجوزته المشهورة:
لا هُمّ إن العبد يمنع *** رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم *** ومحالهم أبداً محالك
إن كنت تاركهم وقبلتنا *** فأمر ما بدا لك
وبعد أن يصل الأمر بقريش مبلغاً عظيماً، حيث بلغت القلوب الحناجر، وشخصت الأبصار، وتركوا الديار وخرجوا من مكة لا حول لهم ولا قوة ولا حيلة، عندها يرسل الله -جل وعلا- بعضاً من جنوده، طيور تنـزل من السماء تحمل حجارة من طين، فترسل هذه الطيور تلك الحجارة الصغيرة، فتنـزل على ذلك الجيش كالقنابل فتحرقهم وتتركهم كأوراق الشجر الجافة المحترقة، ويحفظ الله بيته، ويسجل القرآن الكريم وقائع هذه الحادثة في سورة كريمة، يذكّر الناس بأن الكون وما فيه يأتمر بأمر خالقه ويتحرك بمشيئته: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)[الفيل: 1- 5].
تأملوا -رحمكم الله- هذه القصة العجيبة، لو لم يخبرنا الله بها في كتابه، ثم جاء أحد وقص علينا هذه القصة بأن أحجاراً صغيرة يمكن أن يدمر جيش جرار كامل بخيله ورجله ما صدقه أحد؛ لأننا نعلم ضعف الأحجار الصغيرة أمام قوة الجيوش، وعتاد الدول، لكن عندما نعلم بأن هذا الحجر هو الآن جندي من جنود الله يؤثر بأمر الله -جل وعلا-، ندرك بأنه يمكن بهذه الحجارة فعل الشيء الكثير.
وأظن أنكم تذكرون قبل سنوات، وفي الأرض التي بارك الله فيها، أرض فلسطين التي بيعت بثمن بخس دراهم معدودة، لا شك أنكم سمعتم بأحداث أطفال الحجارة، أطفال لم يبلغوا سن الرشد، يقذفون اليهود بالحجارة بعد أن لم يجدوا حيلة، انتظروا طويلاً نجدة الأهل والعشيرة، ونخوة العروبة والقبيلة، فلم يصلهم منهم سوى عبارات الاستنكار والتنديد، والوعود الجوفاء، وانتظروا المنظمات الدولية، وهيئات حقوق الإنسان، فلم يصلهم مهم أيضاً سوى القرارات الورقية، والوعود الكاذبة، فإذا بهم يلتقطون حجارة من الأرض يرمون بها اليهود: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى)[الأنفال: 17].
فكانت لتلك الحجارة وقع ودويّ تحدّث عنه الإعلام العالمي في وقته، وخافه اليهود أشد الخوف، وهم يملكون القنابل المحرقة والأسلحة الفتاكة؛ لأن الحجر الآن جندي من جنود الله، مأمورة بأمره، فأثارت الرعب والفزع في نفوس اليهود الجبناء، ومن ورائهم من الغرب الصليبي الحاقد، فعقدت مؤتمرات وتحركت المؤسسات ونشطت الدراسات في وقته لدراسة هذه الظاهرة، حتى تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر أطفال الحجارة؛ لأنهم يعلمون بأن القضية ليست أحجار في أيدي أطفال، إنها أيدٍ متوضئة مؤمنة، لو تحركت فعلت الأفاعيل، ولو من غير حجارة، والعدو قد جرب المواجهة مع المسلمين الصادقين، ويعلم النتيجة مسبقاً.
سأحمل روحي على راحتي *** وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق *** وإما ممات يغيظ العدا
وليس على الله بعزيز أن يهلك هذه العصابة الظالمة المتعدية من يهود بحجارة، كما أهلك أبرهة وجنوده بحجارة الطير الأبابيل.
إن الحجر الذي كان في يوم من الأيام سلاحاً مع اليهود عندما فجّر لهم الماء مع نبيهم موسى، وذلك حين كان فيهم بقية من خير، هذا الحجر يصبح اليوم لعنة تطاردهم، وشبحاً يخيفهم، وأخطبوطاً يرعبهم.
وهل ينتهي دور الحجر في مطاردة اليهود عند هذا الحد؟
لا، إننا نحن المسلمون، لنا جولات قادمة مع اليهود وبالحجر نفسه، وإننا في انتظار حار إن يأتي الوعد الذي أخبرنا به الصادق المصدوق المتحقق بلا شك في نطق الحجر على أرض فلسطين ليدلّ المسلم على مكان اليهودي ليأتي المسلم فيقتل اليهودي، عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ"[رواه البخاري].
سيتعاون الحجر والشجر في إرشاد المسلمين، ودلالتهم على اليهود في أرض فلسطين، وستكون الحجارة من جند الله تعين عباد الله المؤمنين، وتكشف مخابئ اليهود، وأماكن اختفائهم وصدق الله العظيم إذ يقول: (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا)[الإسراء: 7].
وحينئذ سيعلم: (الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[الشعراء:227].
وسيعلم الذين قبضوا أي دركات سينزلون.
(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21].
بارك الله لي ولكم ...
ونفعني وإياكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ...
أما بعد:
إن أشرف حجر على وجه الأرض الآن هو الحجر الأسود، وهو من أحجار الجنة، وأول ما نزل كان أشد بياضاً من الثلج فسودته خطايا بني آدم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحجر الأسود من حجارة الجنة".
وقال صلى الله عليه وسلم: "والله ليبعثنه الله يوم القيامة -يعني الحجر- له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق"[حديث صحيح].
إن إماطة حجر من طريق المسلمين لك به صدقة؛ أخرج الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة".
إن الحجر يشهد للمؤذن يوم القيامة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة".
إن الحجر سيكون أيضاً نوع من عقوبات الله يوم القيامة لنوع خاص من أهل الكبائر، وهم: أكلة الربا -والعياذ بالله-؛ ففي حديث سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- عندما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رآه ليلة أسري به، قال: "وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا".
أيها المسلمون: قال الله -تعالى-: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[البقرة: 74].
عجباً لقلوب البعض فهي أشد من الحجارة في القسوة، لا تلين لذكر الله، ولا تخشع لوحي الله، كل حجر يتفجر منه الماء، أو يتشقق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل كل ذلك من خشية الله، والبعض من عباد الله قلوبهم أقسى من الحجر -والعياذ بالله-: (وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[البقرة:85].
نسأل الله -جل وتعالى- أن يلين قلوبنا لذكره، وشكره وحسن عبادته ...
التعليقات