عناصر الخطبة
1/بعض مصالح الزواج 2/وجوب الاهتمام بالزواج وتسهليه 3/بعض معوقات الزواج وكيفية حلهااهداف الخطبة
اقتباس
عباد الله: لما كان الزواجُ بهذه الأهميةِ في الكتاب والسنة، وفيه هذه الفوائدُ العظيمة، فإنَّه يجبُ على المسلمين أن يهتموا بشأنه، ويسهِّلُوا طريقَهُ، ويتعاونوا على تحقيقهِ، ويمنعوا مَنْ يريدُ تعويقَهُ من العابثين والسفهاء والمُخَذِّلين الذين يُفسدون في الأرضِ ولا يصلحون، فإنَّ هناكَ مَنْ إذا...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله رب العالمين، خَلَقَ بقدرتِهِ الذكرَ والأنثى، وشَرَعَ الزواج لهدفٍ أسمى وغاية عظمى، أحمدُه على نِعَمِه التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى.
وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماءُ الحسنى، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، أُسريَ به ليلاً من المسجدِ الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرِجَ به إلى السماء العُلا فرأى من آياتِ ربِّه الكُبرى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهَدُوا في الله حقَّ جهاده، وتمسَّكُوا بالعروةِ الوثقى، وسَلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أنَّ الله -سبحانه وتعالى- شَرَعَ الزواجَ لمصالحَ عظيمةٍ: منها: أنه يصونُ النظرَ عن التطلُّعِ إلى ما لا يَحِلُّ له، ويُحَصِّنُ الفرجَ ويحفظُه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشرَ الشبابِ مَنِ استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوَّجْ، فإنَّه أغضُّ للبصرِ، وأحسنُ للفَرْجِ".
ومنها: أنه يبعَثُ الطمأنينةَ في النفس، ويحصُلُ به الاستقرار والأنُسُ، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
ومنها: أنه سببٌ لحصولِ الذرية الصالحة التي ينفَعُ الله بها الزوجين، وينفع بها مجتمعَ المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: "تزوَّجُوا الودودَ الولودَ، فإنِّي مكاثرٌ بكم الأممَ"[رواه أبو داود النسائي والحاكمُ، واللفظ له، وقال: "صحيح الإِسناد"].
ومن مصالحِ الزواج: قيامُ الزوجِ بكفالةِ المرأة ونفقتها، وتوفيرِ الراحة لها وصيانتِها ورفعتها عن التبذُّلِ والامتهانِ في طلب مؤونتها، وإعزازِها من الذِّلةِ والعنوسةِ والكساد في بيت أهلها، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32].
والأيامىَ: جمعُ أَيِّم، وهو مَنْ لا زوجَ له من رجلٍ وامرأة.
عباد الله: لما كان الزواجُ بهذه الأهميةِ في الكتاب والسنة، وفيه هذه الفوائدُ العظيمة، فإنَّه يجبُ على المسلمين أن يهتموا بشأنه، ويسهِّلُوا طريقَهُ، ويتعاونوا على تحقيقهِ، ويمنعوا مَنْ يريدُ تعويقَهُ من العابثين والسفهاء والمُخَذِّلين الذين يُفسدون في الأرضِ ولا يصلحون، فإنَّ هناكَ مَنْ إذا سَمِعُوا بخطبةِ رجل لامرأة حاولُوا حِرمانَه منها، وهناك مَنْ يريدونَ أن يستغلُّوا الزواجَ لمصالِحِهم الخاصةِ، ويُخضعون لرغباتِهم الهابطة الدنيئة، فمِنَ الناس مَنْ لا هَمَّ لهم إلا الإِفسادُ والوقوفُ في سبيل كل إصلاحٍ، وتنفيذُ ما في صدورهم من الغِلِّ والحسدِ لأهل الخير والصلاح، ومن أجلِ إيقاف هؤلاء عند حدهم، وعدمِ تمكينهم من كيدِهم ومكرِهم، وليأخُذَ الزواجُ طريقَهُ المشروع جَعَلَ الله -سبحانه- أمرَ التزويج بيدِ الرجال الراشدين، والأولياء الصالحين، فقال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) [النور:32].
وهذا خطابٌ للرجال العقلاء، كما خاطبَهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إذا أَتاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دينَه وخُلُقَه فأنكِحُوه، إلاَّ تفعلوه تكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبير"[رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن غريب"].
ومن العراقيلِ التي وُضعت في طريق الزواج: التكاليفُ الباهظة من ارتفاعِ المهور، والمباهاةُ في إقامة الحفلات، واستئجارُ أفخمِ القصور، مما لا مبرِّرَ له إلا إرضاءُ النساء والسفهاء، ومجاراة المبذرين والسخفاء: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) [الإسراء:27].
فيجبُ على المسلمين: القضاءُ على هذه العادات السيئة، والعملُ بسنةِ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تيسيرِ مؤنة الزواجِ، وتخفيف المهور.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: "لا تَغْلُوا في صُدُقِ النساء، فإنَّها لو كانت مَكْرُمةً في الدنيا أو تقوى في الآخرة، كان أولاكم بها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ما أصدقَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- امرأةً من نسائِه، ولا أُصدقت امرأةٌ من بناتِه أكثرَ من ثنتي عشرةَ أُوقيةً"[رواه الخمسةُ، وصحَّحه الترمذي].
والاثنتا عشرةَ أوقيةً تساوي مئة وعشرين ريالاً سعوديّاً بالريال الذي هو من الفضة.
أينَ هذا المبلغُ من مبالغ المهور التي تعلَمُونها اليوم؟
ولقد استنكرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المُغالاةَ في المهور، كما رُوِيَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قالَ لرجلٍ: "على كم تزوجتَ؟" قال: على أربعِ أواقٍ، فقال له: "على أربعِ أواقٍ؟ كأنما تنحِتُونَ الفضةَ من عُرضِ هذا الجبلِ".
قالَ العلماء: أنكرَ عليه صلى الله عليه وسلم هذا المبلغَ؛ لأنه كانَ فقيراً.
فالفقيرُ يُكْرَهُ له تحمُّلُ الصَّداقِ الكثير، بل يحرُمُ عليه إذا لم يتوصَّل إليه إلا بمسألةٍ أو غيرها من الوجوهِ المحرمة.
والغنيُّ يُكْرَهُ له دفعُ المبلغِ الكثير في الصَّداقِ إذا كانَ من بابِ المباهاة؛ لأنَّه يَسُنُّ سنةً سيئة لغيره.
وأمَّا الوليمةُ بمناسبةِ الزواج، فهي مستحبَّةٌ، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعضِ أصحابِهِ لمَّا تزوج: "أولِمْ بشاةٍ" وهي على قدرِ حالِ الزوج، فلا ينبغي تركُها، ولا يجوزُ الإِسراف فيها كما يُفْعَلُ اليومَ من ذبح الأغنام الكثيرة، أو الإِبل، ثم لا تُؤْكَلُ، وإنما يُلْقَى لحمُها في القُمامةِ أو يُهْدَرُ في التُّرابِ، ولا تجوزُ المبالغة في حفل الزواج باستئجارِ القصور الفخمة، ويحرُمُ أن يشتملَ الحفلُ على منكراتٍ كاختلاطِ النساء بالرجال، أو يكونَ فيه أصواتُ مطربين ومزامير وتصويرٌ وسُفورٌ، ولا يجوزُ للمسلمِ أن يحضُرَ حفلاً فيه مثلُ هذه المنكرات إلا إذا كانَ يقدِرُ على إزالتها.
عباد الله: ومن معوِّقاتِ الزواج: ما يتعلَّلُ به كثيرٌ من الفتيات أو أولياؤهُنَّ من أنَّه لا بُدَّ أن تُكْمِلَ الفتاةُ دراستَها الجامعية، حتى فَوَّتَ ذلك على الكثير منهن زهرةَ عمرها، وصرفَ عنها الخُطَّابَ الأَكْفاءَ، مع أنَّ الدراسةَ ليست ضروريةً، بينما الزواجُ أمرٌ ضروري لها، ثم ماذا إذا حَصَلَتْ البنت على أعلى الشهاداتِ الدراسية، وفاتَها الزواجُ المناسب في الوقت المناسب، إنَّها تخسَرُ حياتَها الزوجية التي لا تعويضَ لها؛ لأنَّ سعادةَ المرأة في حصولِ الزوج الصالح، لا في حصولِها على المؤهَّلِ الدراسي؛ لأنَّها تستغني عن الدراسةِ ولا تستغني عن الزوجِ.
فاتقوا الله -أيها المسلمون- في بناتِكم، لا تُضَيَّعُوا عليهن فُرصةَ الزواجِ المبكر من أجلِ الدراسة، وحتى لو رَغِبَتْ هيَ عن الزواجِ من أجلِ الدراسة، فإنها قاصرةُ النظر، فيجبُ على وليِّها أن يأخُذَ على يدِها، وأن يؤثِّرَ عليها في اختيارِ الزواج على الدراسة، ويبينَ لها الأخطارَ التي تترتَّبُ على تفويتِهِ وتأخيره، وأنَّ الدراسة لا تُعَوِّضُ عمَّا يفوتُ عليها من مصالحِ الزواج.
والأخطرُ من ذلك أنَّ بعضَ الفتيات قد تكونُ موظفةً، فتتركُ الزواجَ أو لا تحرِصُ عليه من أجلِ البقاء في وظيفتها، وقد يكونُ بعضُ الأولياء لا يريدُ أن تتزوج موليتُه من أجلِ أن تستمرَّ في الوظيفة، ويستفيدَ من مُرَتَّبِها، غيرَ مُبالٍ بما تتعرَّضُ له من الفتنةِ، وما يفوِّتُ عليها من المصالحِ العظيمة في تركِ الزواج، أليسَ هذا هو العَضْلَ الذي نَهَى الله عنه وحرَّمه في محكَمِ كتابه؟
بلى -والله- هو ذاك.
فإنَّ العَضْلَ أن يمنَعَ الوليُّ تزويجَ موليته من خاطبٍ كُفُؤ رضيَتْه من أجلِ مصلحته الشخصية، قالَ شيخُ الإِسلام ابنُ تيمية -رحمه الله-: "إذا خطبَها كُفُؤٌ وآخرُ وآخرُ فمَنَعَ صارَ ذلك كبيرةً يمنَعُ الولايةَ، لأنَّه إضرارٌ وفِسْقٌ".
وقد ذكرَ العلماءُ -رحمهم الله-: أنه إذا عَضَلَ الوليُّ الأقربُ، فإنَّ الولاية تنتقلُ عنه إلى الوليِّ الأبعَدِ، فإن لم يكُنْ لها وليٌّ غيرُ العاضل أو كانَ لها أولياءُ، ورفضوا تزويجَهَا، فإنَّ السلطانَ يتولَّى تزويجهَا، كما قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "فإن اشتَجَرُوا فإنَّ السُّلطانَ وليُّ مَنْ لا وَليَّ له".
أي: إذا امتنعَ الأولياءُ من تزويجِ موليتِهم من كُفُؤٍ رضيْته، فإنَّ السلطانَ يزوِّجُها به، سواءٌ كان العَضْلُ من أجلِ بغض الولي للخاطبِ، أو كان من أجلِ المطمعِ في مرتَّبِ موليته الموظفة، أو غير ذلك من المقاصد السيئة.
أمَّا منعُ تزويجَها ممَّن رضيتْ به وهو ليس كفؤاً لها، فهذا منعٌ بحقٍّ وليس عَضْلاً؛ لأنه من أجلِ مصلحتها، ودفعِ العار عن أُسرتِها.
فاتَّقي الله -أيتُها الفتاةُ المسلمةُ- لا تتركي الزواجَ من أجلِ الدراسة، أو من أجلِ الوظيفة، فإنك ستندمين وتخسرين خسارةً لا تعوِّضُها الدراسةُ ولا الوظيفة، فإنَّ الزواجَ لا عِوَضَ له.
واتقوا الله -أيُّها الأولياءُ- لا تمتنعوا من تزويجِ مولياتكم من أجلِ أهوائكم ورغباتِكم الشخصية، أو من أجلِ أطماعِكم الدنيئة، أو عدمِ مبالاتكم، فإنَّهن أماناتٌ في أعناقكم، وقد استرعاكم الله عليهن: "وكلُّ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته".
وربَّما يسبِّبُ منعُ تزويج الفتيات أو تأخيرُهُ عاراً وخِزْياً لا تغسلُه مياه البحار.
فاتقوا الله -عبادَ الله- واهتموا بهذا الأمر غايةَ الاهتمام، فإنه جديرٌ بذلك: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
ولا يكنْ همُّكم الطمعَ في المهور، أو المباهاةَ والمفاخرة في المظاهر معَ نسيانِ العواقب، واعتبروا بالمجتمعاتِ التي اشتغلت نساؤُها بالدراساتِ والوظائف، وعَطَّلت الزواج، أو قلَّلت الاهتمامَ به، ماذا حَصَلَ فيها من فساد الأخلاق، وانتهاكِ الأعراض، وتفكُّكِ الأسر، وفسادِ التربية، وخواءِ البيوت من الزوجات الصالحات، حتى صارت النساءُ كالرجال، ربَّاتِ أعمال لا ربَّاتِ بيوتٍ، ولا مربياتِ أطفال، بيوتُهن كبيوتِ العُزَّابِ بحاجةٍ إلى مَنْ يقومُ بها، والسعيدُ من وُعِظَ بغيره، والشقيُّ من لم تنفعْه المواعظُ.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف:189].
وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ كله، يَرِثُ الأرضَ ومن عليها، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله إلى الناسِ كافةً، مَنْ أطاعَهُ دخَلَ الجنةَ، ومن عَصاهُ دَخَلَ النار، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلَمُوا أنَّ من معوِّقاتِ الزواج، وأعظمِ العَضْلِ، وأشدِّ الظلم للنساءِ: ما يفعلُهُ بعضُ القبائل من تحجيرِ المرأة على ابنَ عمِّها أو قريبِها، لا يزوِّجُها إلا به، ولو كانت لا تُريده، وإذا تزوَّجت من غيرِ ابن عمها بغيرِ إذنه وتنازلِه عن حقِّه الذي يزعمُه فإنه يهدِّدُ بالانتقام، وهذه عادةٌ جاهلية وظلمٌ عظيم يجبُ منعُهُ والقضاءُ عليه، وهذا التحجيرُ الباطلُ شبيهٌ بما كان أهلُ الجاهلية يفعلونَهُ في النساء، فقد كانوا إذا ماتَ الميتُ وله زوجةٌ وَرِثَها قريبهُ كما يَرثُ مالَه، فإن شاءَ تزوَّجها وإن شاءَ زوَّجها من غيرِه، وأخَذَ مهرَهَا، وإن شاءَ استبقاها حتى تُعطيَه ما يطلُبُ منها من مال، فأنزلَ الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا) [النساء:19].
فأبطلَ الله تلك العادة الجاهلية، ورَفَعَ الظلمَ عن المرأةِ، وأعطاها الحقَّ في اختيارِ الزوج الذي يصلح لها، وجعلها أحقَّ بنفسها، فهؤلاء الذين يحجرون على النساءِ اليومَ يُريدون أن يعيدوا سنةَ الجاهلية في الإِسلام.
فيجبُ عليهم: التوبةُ إلى الله، وتركُ هذه العادة القبيحة، ومَنْ لم يترُكْها وَجَبَ على وليِّ أمرِ المسلمين منعُه منها وردعُه بالعقوبة الصارمِةِ.
فاتقوا الله -يا معشرَ الأولياء- في بناتِكم وأخواتكم، ومَنْ هُنَّ تحتَ ولايَتِكم من النساء في المبادرة بتزويجِهنَّ واغتنامِ الزوج الصالح في دينه وخُلُقه، دونَ نظرٍ إلى المظاهر البرَّاقة والاعتبارات الزائفة، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلاَّ تفعلُوا تكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ".
ومن الظلمِ العظيم للنساءِ، وعرقلةِ طريق الزواج عليهن: أن يمتنعَ الوليُّ من تزويج موليته إلا بشرطِ أن يزوِّجَه الآخرُ موليتَه، وهو ما يُسمَّى عند العامة: بالبَدَلِ، ويُسمى في الشرع: نكاحَ الشِّغَار.
فإن لم يُسَمَّ فيه مهرٌ لهما، وجُعلت المرأةُ في مقابلِ المرأة، فهو نكاحٌ باطل بإجماع أهلِ العلم، وإن سمِّيَ فيه مهرٌ، فقد اختلفَ العلماء في صحته، والصحيح أنه باطلٌ؛ لأنَّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن ذلك، وحذَّر منه، ففي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار.
وفي صحيح مسلم عن أبي هُريرة: أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن الشغارِ، وقال: الشغارُ: أن يقولَ الرجلُ زوِّجني ابنتَكَ وأُزوجُك ابنتي، أو زوجني أختَك وأزوجُك أُختي.
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا شغار في الإِسلام".
لأنَّ الشغار يفضي إلى إجبار النساء على نكاحِ مَنْ لا يرغَبْنَ فيه إيثاراً لِمصلحة الأولياءِ على مصلحة النساء، ولأنَّه يُفضي إلى حِرمانِ المرأة من مَهْرِ مثلها، ولأنَّه يُفضي إلى النزاع والخصومات بعدَ الزواج؛ لأنه لو حَصَلَ اختلافٌ بينَ إحداهن مع زوجِها أثَّرَ على نكاحِ الأخرى مع زوجِها ولو لم يكن بينَهما اختلافٌ؛ لأنَّ كل واحدة مرهونةٌ بالأخرى.
فاتقوا الله -عبادَ الله- وانتهوا عمَّا نهى الله عنه ورسوله، واعلَمُوا أنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله.
التعليقات