عناصر الخطبة
1/محبة الله تبارك وتعالى ولوازمها 2/صدق المحبة لله وفي الله 3/فضائل الحب في الله تعالى 4/أهمية بُغْض أعداء الله تعالى 5/وجوب مراعاة القصد في المحبة والبغض.اقتباس
فمن لوازم محبة الله: الحبُّ فيه، والموالاة لأوليائه، والمعاداة لأهل معصيته، وبُغضهم على قدر ما اقترفوه من ذنب، وكلّما قويت محبة العبد لله، قويت هذه الأعمال المترتبة عليها، فبكمالها يكمل توحيده، وبضعفها يضعف.
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي جعل من دعائم الملّة وثمار الإيمان: الحبَّ في الله والبغض في الله؛ أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم، المثني على عباده المؤمنين بقوله: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[سورة البقرة:165].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير دالٍّ على ما يحبه الله ويرضاه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى- في جميع الأقوال والأعمال، سرًّا وجهرًا، ومن أهمها: صدقُ المحبة لله وفي الله، وبغضُ أعداء الله.
وحتى لا يخفى عليكم؛ فإن من أنواع المحبة محبة خالصة، لا تصلح إلا لله -عز وجل-، وهي محبة العبودية، المستلزمة للذلِّ والخضوع وكمالِ الطاعة، وإيثاره على غيره، فلا يجوز تعليقها بغير الله -عز وجل-، ومتى أحب العبد بها غيره كان مشركًا؛ قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[سورة البقرة:165].
ثم إن الحبَّ في الله شأنه عظيم وعواقبه طيبة؛ ففي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
وفي الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم "رجلين تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي".
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "مَن أحبَّ في الله، وأبغض في الله، ووالَى في الله، وعادَى في الله، فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مُؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يُجدي على أهله شيئًا".
فمن لوازم محبة الله: الحبُّ فيه، والموالاة لأوليائه، والمعاداة لأهل معصيته، وبُغضهم على قدر ما اقترفوه من ذنب، وكلّما قويت محبة العبد لله، قويت هذه الأعمال المترتبة عليها، فبكمالها يكمل توحيده، وبضعفها يضعف.
ومن ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر: الميل إلى الدنيا وزخرفها، والمحبة من أجلها، وهذا هو الغالب على أكثر الخلق؛ حيث يقدمون محبة دنياهم، ويؤثرون ما يهوون، على ما يحبه الله ورسوله، وإذا كانت هذه البلوى قد عمَّت كثيرًا من الخلق في زمن ابن عباس خير القرون، فما زاد الأمر بعد ذلك إلا شدة، حتى وقعت الموالاة على الشرك والبدع والفسوق والعصيان، وظهرت المحبة في اتباع الأهواء والشهوات، وعادت الغُربة لأهل الإسلام، كما أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-؛ فطوبى للغرباء.
معشر المسلمين: كفى ترغيبًا في المحبة في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله أن يكون المتَّصف بها من أولياء الله، وكفى ترهيبًا من محبة أعداء الله أن المُحِبّ لهم سيُحْشَر معهم، وأن المودة بينهم ستنقطع في وقتٍ هم أحوج ما كانوا إليها؛ قال -تعالى-: (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)[سورة البقرة:166]؛ قال ابن عباس: المودة. بل إنها تنقلب إلى عداوة؛ لقوله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[سورة الزخرف:67]. فالخلة التي تكون بين أعداء الله في الدنيا، تنقلب إلى عداوة يوم القيامة وحسرة عليهم، ويتبرأ المتبوع من التابع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[سورة البقرة: 165- 167].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي فضَّل أهل محبته على سائر المحبين؛ وذلك لتمسكهم بأوثق عرى الإيمان الحبِّ في الله، والبعضِ في الله؛ أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المختبر صدقنا في محبته باتباع رسوله، فهو القائل لنبيه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[سورة آل عمران:31].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي فاز بأعلى محبة من مولاه، فاتخذه خليلاً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- في جميع أموركم، ومن أهم ذلك أن نُحسِن القصد في المحبة والبغض، فلتكن المحبة لأهل الإيمان والطاعة من أجل إيمانهم بالله وطاعته، وليكن البغض لأهل المعصية من أجل ما فعلوه مما يسخط الله، وإن كانوا من أقرب الناس إلينا نسبًا وجوارًا.
فموادّة أعداء الله تنافي كمال الإيمان بالله واليوم الآخر؛ قال -تعالى-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[سورة المجادلة:22].
قال ابن تيمية -رحمه الله- أخبر -تعالى-: "أنه لا يوجد مؤمن يوادّ كافرًا، فمن وادّ كافرًا فليس بمؤمن".
ولقد أثنى الله على الذين يصارمون أعداءه ويتقربون إليه ببُغضهم ومباينتهم، وأثبت لهم الإيمان والتأييد منه، ووعدهم الثواب الجزيل في الدار الآخرة مع الرضا عنهم؛ قال -تعالى-: (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[سورة المجادلة:22]؛ فما أعظمه من ثناء! وما أعلاه من تأييد! وما أفضله من ثواب! وما أشرفه من حزب!
اللهم وفِّقنا لطاعتك وأعنَّا عليها، وارزقنا محبتك ومحبة أوليائك، وبغض أعدائك فأنت ولينا، ومولانا، وقلوبنا بين إصبعين من أصابعك.
اللهم ثبِّتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات