عناصر الخطبة
1/عظات وعبر من غزوة الأحزاب 2/التضرع إلى الله ليكشف كرب إخواننا في غزة 3/الله هو المنتقم الجبار 4/تآمر أعداء الله على شعب فلسطين 5/عظة من إهلاك الأمم السابقة الكافرة المتجبرة 6/تأييد ومناصرة للفئة الصابرة المرابطةاقتباس
هذه الدول -على مر العصور- أعذَرَها اللهُ وأنذَرَها، فلم تنتفع بالنُّذُر، فالظلم والبغي والفساد الذي يَسرِي في الناس قديمٌ وممتدٌّ عبرَ الأمم، كلما رزَق اللهُ أمةً من الأمم القوةَ ومكَّن لها لتكون هذه القوةُ في صالح البشريَّة نرى منها الظلمَ والبغيَ والاستكبارَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ جعَل عامَّةَ شعبِنا المسلمِ من الذين قال فيهم: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)[الْمَائِدَةِ: 119]، فرِضَانا بدين الله، وتمسُّكنا بهذا الدين، ورِضَانا بقضاء الله فينا، في غزَّة، وفي أماكن تواجدنا، هو رِضَانَا عن الله، فنُشهِدُكَ يا ربَّنا أنا عنكَ راضونَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يعطينا عن رضانا عنه النعيم المقيم في جنات النعيم، حيث يقول الله لنا يوم القيامة: "يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، هل تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا، وأي شيء نريد وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين؟! فيقول: عندي أفضل من ذلك؛ وهو رضواني، فلا أسخط عليكم أبدًا"، فاللهم ارزقنا خشيتَكَ، وأَحلِلْ علينا عافيتَكَ في الدنيا، وأَحلِلْ علينا رضوانَكَ في الآخرة.
وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أَرشَدَنا إلى أسباب الرضا، فقال لنا: "ذاقَ طعمَ الإيمانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمحمدٍ رَسُولًا"، فاللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على رسولك محمد، الذي بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، وصلِّ اللهمَّ على آله وأصحابه، وصلِّ اللهمَّ على التابعينَ لهم بإحسان، إلى يوم القيامة.
أمَّا بعدُ، أيها الصابرون، أيها المصابرون: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامَ ذُكرت الأحزابُ، فقال: "أخبرني جبريل -عليه السلام- أن أمتي ظاهرة، فأبشِروا بالنصر"، فاستبشر المسلمون وقالوا: "الحمد لله، موعد سابق؛ إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر"، فانهزمت الأحزاب، فقال المؤمنون: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ)[الْأَحْزَابِ: 22]، ورفَع رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يدَه يقول: "يا صريخَ المكروبينَ، ويا مجيبَ المضطرينَ، اكشِفْ همِّي، وغمِّي، وكربي، فقد ترى حالي وحال أصحابي"، فنزل جبريل وقال: "إن الله قد سمع دعوتك، وكفاك هول عدوك"، فخر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ركبتيه، وبسط يديه، وأرخى عينيه باكيًا وهو يقول: "شكرًا، كما رحمتني ورحمت أصحابي"، وأخبره جبريل أن الله -تعالى- مرسل عليهم ريحا، فبشَّر أصحابَه بذلك.
يا عبادَ اللهِ: هذه بُشرى جبريل لرسولكم -صلى الله عليه وسلم- تحققَتْ وعزَّ الإسلامُ، وهُزمت الأحزاب، فاللهم اكشف عن شعبنا وعن المؤمنين همهم وغمهم، وكربهم، فأنت ترى حالنا وحالهم، يا الله يا سميع اسمع دعوتنا، يا حسيب، يا كافي، اكفنا هول ما ينزل بنا، شكرًا لك ربنا، كما رحمتَ ضعفَنا وذلنا، شكرًا لك ربنا كما رحمت عجزنا ومصابنا، شكرًا لك ربنا على رضاك عَنَّا ورضانا عنك.
أيها المؤمنون: من رضا الله عَنَّا عند عجزنا وضعفنا أنَّه -سبحانه- يكسر قرن الشيطان وأتباعه، مهما عَظُمَ ويَبَسَ، إن أمهلهم دهرًا، فاجأهم بنقمته وعذابه طُرًّا، فهو الذي قال: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[الْبَقَرَةِ: 165]، لمن القوة؟! لله الواحد الجبار، من القوي غير الله؟! من الغالب غير الله؟! من المنتقم غير الله؟!
أليس الله هو الذي قال: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ)[الزُّخْرُفِ: 55-56]، فلما أغضبوا المؤمنين الذين -رضي الله عنهم-، ولما أغضبوا المستضعَفين الذين رضوا عن الله انتقم الله منهم.
أيها المسلمون: دول العالَم في هذا القرن الذي يُسمَّى إفكًا وتضليلًا "قَرْنَ الحضارةِ"، تشترك في أعظم وأبشع جرائم القتل المتعمَّد، بشكلٍ جماعيٍّ ومدروسٍ، جرائم ترتكبها وتُصِرُّ عليها، بغيًا وعدوانًا، وتُلفِّق لها المبرراتِ التي لا عقلَ لها ولا دينَ، لغاية الشهوة، شهوة القتل، ولغاية الحسد، مع أن الله هو الذي فضَّل بعض الأمم على بعض، وجعل أمة المسلمين خير الأمم، ولغاية السلطان، مع أن الله -سبحانه- جعل الحكم له وحده، وخصَّ المسلمين بشريعة فيها سعادة الناس جميعًا، وأرسل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فعلَّم الناس حرمة الدماء، وحرمة الأموال، وحرمة الأعراض، فأبت أمم العالم اليوم إلا أن تظل جاهلة، فأنشأت منظَّمات وهيئات أممية ودوليَّة، فلا تردعها أحكام ربانية، ولا تزجرها مواثيق إنسانيَّة، لتخرجها من بطشها وظلمها وجبروتها.
أيها المرابطون: وهذه الدول على مر العصور أعذرها الله وأنذرها، فلم تنتفع بالنُّذُر، فالظلم والبغي والفساد الذي يَسرِي في الناس قديمٌ وممتدٌّ عبرَ الأمم، كلما رزَق اللهُ أمةً من الأمم القوةَ ومكَّن لها لتكون هذه القوةُ في صالح البشريَّة نرى منها الظلم والبغي والاستكبار، ولسان حالها اليومَ مثل لسان حال قوم عاد، الذين قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)[فُصِّلَتْ: 15]، زعموا وقالوا: نحن القوة الأُولى في العالم، وزعموا وقالوا: نحن الحاكم للعالَم كله، ويأتيهم الجواب من الله، الذي رزقهم هذه القوةَ، فيقول لهم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)[فُصِّلَتْ: 15]، بل ويريهم الله حجمهم الحقيقيّ، فيُرسِل عليهم بعضَ جنوده ويُهلِكُهم، قال الله -تعالى-: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا في أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ)[فُصِّلَتْ: 16].
يا مؤمنون، يا عبادَ اللهِ: حين يعجز المستضعَفون أمام جبروت الجبابرة ينصرهم الله بجنده؛ فريح عاد جند من جنود الله، والبحر الذي أغرق فرعون جند من جنود الله، وجنود الله كثيرة، لا تعجزها قوة مهما بلغت؛ فهذه عاد أهلكهم الله، وهم الذين قال الله في صفتهم: (لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في الْبِلَادِ)[الْفَجْرِ: 8]، وهم الذين قال الله لهم: (وَزَادَكُمْ في الْخَلْقِ بَسْطَةً)[الْأَعْرَافِ: 69]، فلم تنفعهم قوتهم من بطش الله بهم، أين هم الآن؟! أين قوتهم؟! ألا يتعظ العالم اليوم بما أصاب أسلافهم ممن كان أقوى منهم؟! ألا يردهم عن طغيانهم في الناس قول الله لهم: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)[الْقَمَرِ: 16].
يا مسلمون: وهذه ثمود الذين اتخذوا من الجبال والسهول بيوتًا، والذين جابوا الصخر بالواد، لما ركب أشقاهم رأسه، وعقر الناقة، وعتى ومن معه عن أمر ربه، كان مصيرهم كما أخبر الله بقوله: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا في دَارِهِمْ جَاثِمِينَ)[الْأَعْرَافِ: 78].
يا عبادَ اللهِ، يا مؤمنون: وهذا أشقى الأشقياء، فرعون، جعَل زمانَه نظامًا عالميًّا جديدًا، فقال لأهل زمانه: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النَّازِعَاتِ: 24]، وقال لأهل زمانه: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[الْقَصَصِ: 38]، أين ألوهيته، وأين ربوبيته؟! وقد مات غريقًا، وقد أخذه الله نكال الآخرة والأُولى، هذا الشقي فرعون سَخِرَ من موسى -عليه السلام- فقال: (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)[الزُّخْرُفِ: 52]، وبلغ طغيانه وسخريته حتى قال: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا)[غَافِرٍ: 36-37].
يا مؤمنون، يا عبادَ اللهِ: ومع طغيان الشقي فرعون وتسلطه على المؤمنين المستضعَفين، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، لكنَّه فرعون المهزوز، رغم جبروته، لكنَّه فرعون الضعيف رغم طغيانه وبطشه، فهو يصف المؤمنين من قوم موسى بالشرذمة، وأنَّهم له غائظون، وأنَّه يخافهم ويحذرهم، فيقول: (إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 54-57]، إنها -يا عباد الله- صورةٌ طِبقَ الأصلِ للطاغية القديم، والطاغية المعاصر، ونفس الأوصاف التي يصف بها القلةَ من المؤمنين الذين يعيشون في كنف الله ورضاه.
أيها المرابطون: وهذا أبرهة الأشرم، صاحب الفيل، الذي هدفُه هدمُ الكعبة، لقد سحَق جيشُه عديدَ القبائل، وهو في طريقه لهدمها، ومع قوته وجبروته سحقته السماء بجند ربها، فحصبته بحجارة من سجيل، التي هي أيضًا من جنود الله، وكان مصير جنده الهزيمة والهلاك، وكانت نهايته موته في طريق عودته، لقد أوصله الله إلى جهنم قبل أن يصل إلى قصره ومكان سلطانه، وحفظ الله البيت الحرام من شره وطغيانه.
أيها المصابرون: ثم كان المغول، أهلكوا الحرث والنسل، نهبوا، أحرقوا، اغتصبوا، شردوا، ثم كان عقابهم من الله وهلاكهم، فأين هم الآن؟! أين هم الآن؟!
أيها الصابرون: ثم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون معه في مكة، فعُذِّبوا عذابًا شديدًا، وحُوصروا سنوات عديدة، حتى مضغوا الجِلْد من الجوع، وبلَغ منهم الجُهْدُ مبلغَه، فلم تمنع مروءة العربيّ أن يقف المشركون من النبي -صلى الله عليه وسلم- معه في الحصار، بل ولم تمنع مروءة العربيّ رغم شركه أن يمزقَ صحيفةَ المقاطَعة ويُنهيها إلى الأبد، مروءة العربيّ الجاهلي مفقودة اليوم، في العربيّ الذي يدعي أنَّه على دين محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المؤمنون: ثم كانت الهجرة وبناء الدولة المسلمة في المدينة المنوَّرة، حتى عز الإسلام فيها، فاجتمع الأحزاب على المؤمنين، وكان هدفهم محو اسم الإسلام من الأرض، واستئصال النبي وأصحابه منها، فزاغت من المسلمين الأبصار، وبلغت قلوبهم الحناجر، ثم أرسل الله معونته ونصره وجنده بالريح؛ (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)[الْأَحْزَابِ: 25].
إنها سُنَّة الله في الطغاة والظالمين، على مر التاريخ الإنسانيّ، هذه السُّنَّة التي قال الله فيها: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الْأَنْعَامِ: 44]، إنها سُنَّة ربانيَّة عامَّة، في كل دولة طاغية باغية، يقول الله -تعالى-: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 11]، إنها سُنَّة ماضية إلى يوم القيامة؛ فالطغيان الذي يغشى العالَمَ اليومَ سنرى بطشَ اللهِ به قريبًا؛ (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يُوسُفَ: 21].
فاللهم إنَّا نبرأ إليك من ضَعْفِنا، اللهمَّ إنَّا نبرأ إليك من عجزنا، اللهمَّ إنَّا نبرأ إليك من قِلَّة حيلتنا، اللهمَّ إنَّا نشكو إليك هواننا على الناس، اللهمَّ إنَّا نشكو إليك هواننا على أبناء جِلْدَتِنَا وملتنا وديننا.
عبادَ اللهِ: جاء في الحديث الشريف: "إن الله لا يستجيب دعاءً مِنْ قلبٍ غافلٍ ساهٍ لاهٍ"، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي قال: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الْأَنْعَامِ: 45]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه، على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: أنتم اليوم من خير البرية؛ لأنكم ترابطون في المسجد الأقصى، وفي بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه، أنتم اليوم من خير البرية؛ لأنكم رضيتم عن الله، فصبرتهم على الجوع، وعلى الظمأ، وعلى القتل، وعلى الجراح، فرضي الله عنكم، فأبدلكم مكان رضاكم عنه جنات فيها نعيم مقيم، وأنهار من خمر وعسل مصفى، وفاكهة مما تشتهون، ولحم طير مما تتخيرون.
أيها المؤمنون: رضيتُم عن الله، فحملتم أمانة الرباط، بكل ثقلها، رباطًا على الحق، ورباطا على الدين، في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه، وفي المسجد الأقصى الذي هو مسجدكم، الذي لا مرية في حقكم فيه، فرضي الله عنكم، فجعلكم أهلًا للرباط، وربط على قلوبكم إيمانًا ويقينًا وثباتًا.
أيها المسلمون: إنكم اليومَ أهلٌ لأن تدخلوا في قول الله -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)[الْبَيِّنَةِ: 7-8]، أما العرب اليوم الذين يرون ما ينزل بكم فإنهم يستحقون بكل جدارة لقب البلادة، ويستحقون أن يقال فيهم:
هَذِي العروبةُ لا دينٌ ولا شرفُ *** أحياؤُهم في زماني كلهم جِيَفُ
مَنْ رامَ بعثَهُمُ يا حسرتَا أَنِفُوا *** كأنَّ بعثَهُمُ مِنْ موتهم قَرَفُ
حياتُهم جدثٌ والفسقُ حفرتُه *** والذلُّ والعارُ والتخذيلُ والترفُ
لولا الرسولُ بدينِ اللهِ أظهَرَهُم *** لبادَتِ العُرْبُ في الدنيا وما عُرِفُوا
فاللهمَّ إن أقصانا مستضعف فانصره، وإن أقصانا مدنس فطهره، وإن أقصانا مخذول فلا تكله إلى غيرك، اللهمَّ اجعلنا غرسك في المسجد الأقصى، واجعل أقاصانا آمِنًا بأمانك، عزيزًا بعزك، منصورًا بنصرك المبين، اللهمَّ نجِّ المستضعَفين من المسلمين، اللهمَّ نجِّ الأسارى من المسلمين، نتوسل بك يا ربنا أن تحفظ بيضة الدين، وأن تُحرِزَ أمةَ المسلمين، وأن تتولانا برعايتك وحفظك، اللهمَّ تقبَّلْ شهداءنا، وشاف جرحانا، وأطلق سراح أسرانا، اللهمَّ ارفع البلاء والكرب عَنَّا وعن أهلنا في غزَّة، وعن المسلمين في كل مكان، وتول وتولنا برعايتك وعنايتك، واحرسهم واحرسنا بعينك التي لا تنام، اللهمَّ أطعم الجوعى، وارو ظمأ العطشى، وآمن روعاتهم، واكشف الضر عنهم، اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، وانصر دينك وعبادك الصالحين، اللهمَّ اغفر لنا ولوالدينا ولذرارينا، ولزوجاتنا، وللمسلمين والمسلمات، اللهمَّ إنَّا نشهدك من المسجد الأقصى أنا راضون عنك، فارض اللهمَّ عَنَّا، ارض اللهمَّ عَنَّا.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات