عناصر الخطبة
1/نعمة الإسلام والثبات عليها 2/بعض وسائل الثبات على الهداية والمحافظة عليها 3/تشويه بعض المسلمين للإسلام 4/وجوب التخلق بأخلاق الإسلاماقتباس
أنتم تشاهدون اليوم وقد بلغ العالم في تعداده سبعة مليارات كم عدد المسلمين من هؤلاء؟ إنما هم مليار ونصف المليار، أما بقية هؤلاء فإنهم على ملل أخرى، وكثيرٌ منهم ربما لم يعرفوا الإسلام حق المعرفة. وهذا يوجب على المسلم أمران: أما الأول، فهو: أن يحمد الله على هذه النعمة، وأن يثبت عليها، وأن يبذل الأسباب التي تعينه على الثبات، من...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا- فإنها وصية ربنا -سبحانه- للأولين والآخرين؛ كما قال عز من قائل: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].
ألا وإن من تقوى الله -جل وعلا-: أن يحافظ المؤمن على هذه النعمة العظيمة: نعمة الإسلام؛ فإنها مما أوصى الله -جل وعلا- به، فإن المحافظة على هذا الدين، والثبات عليه حتى يلقى العبد ربه -جل وعلا- مما أوصى به ربنا -جل وعلا-، فقال سبحانه في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
فالواجب على المؤمن أن يدرك أن هذه النعمة العظيمة مما يجب التشبث به إلى آخر لحظة في الحياة.
إن كثيرًا من الناس قد ضلوا عن هذه النعمة العظيمة: نعمة الإسلام، ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين، ويقول سبحانه: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103]، ويقول عز من قائل: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سبأ: 20].
فكن -يا عبد الله- من هذا الفريق الناجي وإن كان قليلًا.
وأنتم تشاهدون اليوم وقد بلغ العالم في تعداده سبعة مليارات كم عدد المسلمين من هؤلاء؟ إنما هم مليار ونصف المليار أما بقية هؤلاء فإنهم على ملل أخرى، وكثيرٌ منهم ربما لم يعرفوا الإسلام حق المعرفة.
وهذا يوجب على المسلم أمران:
أما الأول، فهو: أن يحمد الله على هذه النعمة، وأن يثبت عليها، وأن يبذل الأسباب التي تعينه على الثبات من سؤال الله -جل وعلا- أن يسال الله أن يثبت، وأن يثبت على هذا الدين، ولذلك أخبر الله -تعالى- في كتابه الكريم: أن الراسخين يدعون الله -جل وعلا- ويقولون: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8]، وقال جل وعلا: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم: 27] فيكثر العبد سؤال ربه -جل وعلا- على أن يثبت على هذا الدين.
وأيضًا أن يأتي بما أوجب الله -جل وعلا- من أركان وواجبات وفروض هذا الدين، ويتبعها بالأعمال والنوافل الصالحة حتى يكون من عباد الله المستقيمين وأوليائه المقدمين، قال الله -جل وعلا- في الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري -رحمه الله- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما يروي عن ربه -تبارك وتعالى- أنه يقول: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي من ما افترضت عليه" أحب شيء يتقرب به العبد إلى ربه هو: الفرائض، وأساسها: التوحيد الخالص، ثم الفرائض أركان الإسلام، ثم الواجبات الأخرى من بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، وأداء الحقوق، والأمانة والعدل، وغير ذلك مما أوجب الله –سبحانه وتعالى-.
ثم قال جل وعلا: "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" فدل هذا على أن إتيان العبد للنوافل مما يقربه إلى محبه الله -جل وعلا-، وهي أيضًا ترفعه منزلة ودرجة عند ربه؛ لأن الإيمان يزيد بالطاعات، ولذا قال العلماء: إن أهل الإيمان يتفاوتون في الجنة في درجاتهم بحسب ما قدموا في هذه الحياة الدنيا، فالسابقون منازلهم عالية، ولذلك رأينا في الحديث الصحيح: أن سيدنا أبا بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- لما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحدث عن أبواب الجنة؛ كما في الصحيحين وأن من كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان أهل الصيام دُعي من باب الريان، إلى آخر الحديث قال: "يا رسول الله هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم".
فانظر إلى هذه الهمة العالية لا يريد دخول الجنة فحسب، بل يريد أن يكون له المنزلة العالية، وأن يدعى على رؤوس الأشهاد من أبواب الجنة كلها، تأكيداً لدخولها وضمانًا لوصولها.
أيها الإخوة الكرام: ومما أيضًا يعين على الثبات والمحافظة على هذه النعمة: أن يكون له من إخوانه الطيبين وأصفيائه الصالحين من يكثر ملازمتهم، ويكونون عونًا له.
وأنتم تشاهدون كيف أننا في مثل هذا المجتمع في هذه البلاد أنه إذا اجتمع المسلمون فيما بينهم فإنهم يتقوون ويزدادون إيمانًا، ويكون ذلك أعظم لثباتهم، وأن لا تضمحل شخصياتهم، وأن لا تزل بهم الأقدام، فهذه النعمة العظيمة ينبغي على المؤمن أن يحافظ عليها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "إن من تقوى الله -جل وعلا- أن يُذكر فلا ينسى، وأن يُعبد فلا يكفر، وأن يُشكر فلا يكفر، وأن يعبد ولا يشرك به -جل وعلا- شيئًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله: إن المؤمن إذا استشعر هذه النعمة نعمة الإسلام، فإن هذا يحمله على أن يعظمها حق تعظيمها، وأن يجلها حق إجلالها، وأن يقدرها حق قدرها، وأن يسأل الله الثبات، ويعمل بالأسباب -كما تقدم- حتى يثبت على هذه النعمة العظيمة.
ثم أمر آخر وهو أن الواجب على المسلم أن يعرِّف غير المسلمين بهذا الدين العظيم وبسماحته، وأن يكون على منهاج النبيين والدعاة الصالحين الذين يدلون الناس على مكانة هذا الدين وعلى ما به من الخير العظيم.
لا شك -أيها الإخوة في الله- أن هذا الدين دين الإسلام خير للعالمين خير للبشرية، وهو خير لكل الكائنات.
ونحن نشاهد اليوم كيف أن العالم يمر بعدد من الضوائق فإنه يحتاج إلى هدي هذا الدين العظيم، أن يعرفه الناس حق معرفته.
وللأسف الشديد -أيها الإخوة- أن معرفة العالمين اليوم بدين الإسلام لا تتم من خلال القرآن والسنة، ولكنها تتم من خلال تعاملات المسلمين، وأنه لا يخفى عليكم أنه يوجد فيها أنواع من التقصير.
وهنا تكمن الخطورة أنه ينسب التقصير إلى دين الإسلام، وهذا يحمل المؤمن على أن يحذر من أن يسيء إلى دين الإسلام من حيث لا يشعر بسبب تصرفاته.
ومما يؤرق ويزعج أكثر وأكثر: أن يُنسب إلى الإسلام اليوم أنواع من التصرفات التي تصدر عن بعض الذين فيهم إساءة لدين الإسلام؛ لأنهم لم يفقهوا سماحته ولم يدركوا ما فيه الخير وصاروا يقيمون من أنفسهم حكامًا على الآخرين بأنهم يستحقون النار، وأنهم كذا وأنهم كذا وربما زادوا في الاعتداء والبغي فتشوه دين الإسلام بأنظار هؤلاء مع أن نبينا محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يحذر من مثل هذا الأمر، بل إنه كان يتجاوز عددًا من الأمور الخطيرة التي كان يقصد بها شخصه الكريم، وجنابه الشريف، ويتجاوز عنها، ويتسامح حتى لا يُساء إلى سمعة الإسلام.
لقد وُوجِه نبينا -صلى الله عليه وسلم- بأناس من المنافقين وأشخاص من المجرمين الذين أرادوا الإساءة إليه، بل حتى قام قائمهم ويقول لرسول الله: إنه خائن حاشاه -صلى الله عليه وسلم- عندما قام ذو الخويصرة التميمي وقال: "يا محمد اعدل فإنك لم تعدل" ما أقساها من عبارة وما أعظمها من تهمة وما أشنعها من جرأة لم يتمالك الصحابة -رضي الله عنهم- أن يسمعوها قالوا: "يا رسول الله لنضرب عنق هذا الرجل كيف يتجرأ على من هو أمين على وحي السماء محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-؟" فإذا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كيف إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؟" كيف إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى الرأي العالمي الذي يتابع ما يكون في هذه المدينة النبوية وبما يتصرف محمد؟
إن الأنظار ستكون إلى أن محمداً يقتل أصحابه وهذا تشويه للدين، ولذلك تجاوز النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مثل هذا.
هل نفقه هذه السياسة النبوية بالحفاظ على سمعة الإسلام؟
هذا هو واجبنا أن نحذر من أن نسيء للإسلام، وأن نحرص على أن نعرف الناس بهذا الدين، وأن نبين أنه يجب أن يعرف الإسلام من خلال هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وليس من خلال الأفراد الذين ربما يقع منهم التقصير.
إن من الحق عليك -أيها الأخ الكريم- أن تنعكس أخلاقك الطيبة في تعاملاتك مع الجميع، وعلى سبيل المثال نحن في هذه البلاد هنا في المملكة المتحدة نحتك بكثير من الناس فماذا يعرفون عن المسلمين؟ هل وصلت إليهم وانعكست إليهم أخلاق دين الإسلام؟
هذا هو المأمول وستكون هذه المعاملة أبلغ شيء في التعريف بحقيقة الإسلام، وأنتم تدركون ولا يخفى عليكم أن كثيرًا من الناس أحبوا هذا الدين لما أحبوا من يحملونه ويتعاملون معهم كما وقع في جنوب شرقي آسيا من خلال تجار المسلمين وفي دول عديدة.
أيها الإخوة الكرام: إن هذا الدين مسؤولية كل من يعتنقه، ولذلك كان نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجة الوداع يقول: "لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا" هي مناسكنا هذا ديننا هذا ذكرنا كل مسلم مسؤول عنه، ينبغي أن يبلغه للعالمين، وأن يعرِّف الناس به؛ لأن هؤلاء الناس أعداد هائلة، من الخسارة الكبرى أن يموت هؤلاء الأعداد دون أن يعرفوا هذا الدين العظيم الذي هو جنة الدنيا تقدمة جنة الآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد وقد أمرنا الله بذلك، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم وارض عن صحابة نبيك محمد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعين.
اللهم يا رب يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار، وكيد الفجار.
اللهم اهدنا لسبل السلام، اللهم اعنا على الالتزام بكتابك وسنة نبيك محمد -عليه الصلاة والسلام-.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 181 - 182].
التعليقات