عناصر الخطبة
1/ وجوب الحج وفرضيته 2/ مظاهر وصور مشروعية الحج لتحقيق التوحيد وخلع الشرك 3/ إقدام قاعدة التخريب على القتل والاعتداء في جازاناهداف الخطبة
اقتباس
جعل الطواف مكان خشيته، ومحل سكب العبرات: "يا عمر هنا تُسكب العبرات"، فالطواف مكان التوحيد، والأوبة والرجعة والندامة؛ مشهده يُذكر بيوم القيامة، فالقلوب في الطواف خائفة وجلة، تخشى الذنوب، وسطوة الجبار؛ لأنهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً، وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمناً، وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفاً وتحصيناً ومناً، وجعل زيارته والطواف به حجاباً بين العبد وبين العذاب ومجناً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد أحد فرد صمد، وأشهد أن محمدا نبي الرحمة وسيد الأمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه قادة الحق وسادة الخلق، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاستكثروا من التقوى فإن أجسامكم على النار لا تقوى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلبَابِ) [البقرة: 197].
أيها المؤمنون: إن الحج من أركان الإسلام ومبانيه؛ عبادة العمر، وختام الأمر، وتمام الإسلام، وكمال الدين.
فيه أنزل الله -عز وجل-: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمتُ عَلَيْكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
وفيه قال صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً".
فأعظم بعبادة يعدم الدين بفقدها الكمال، ويساوي تاركها اليهود والنصارى في الضلال، وأجدر بها أن تصرف العناية لأدائها وفهمها.
أيها الأحبة: الحج شرعه الله لتوحيده، وإقامة ذكره، فمن أول أمر في الحج يُوحد الله ويُذكر: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [الحج: 27].
قال قتادة: "لما أمر الله -عز وجل- إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج نادى: يا أيها الناس إن الله -عز وجل- بنى بيتاً فحجوه".
لما سمع بعض السلف هذه الآية قال: "غفر لهم ورب الكعبة".
وبيت الله بني لأجل التوحيد فحسب: (وَإِذ بَوَّأنَا لِإِبرَاهِيمَ مَكَانَ البَيتِ أَن لَّا تُشْرِك بِي شَيئًا) [الحج: 26].
ألا فليخلع كل واحدٍ منا ثيابًا اتسخت بشوائب الإشراك بالله، وتعلقت بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولنلبس ثياب التوحيد الخالص: (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) [الحـج: 31].
إخوة الدين: التلبية توحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
"لبيك اللهم" إجابة بعد إجابة، مقيمين على طاعتك وتوحيدك، منيبين إليك غير مشركين بك.
تجرد من الملابس لإعلان التوحيد، لباس واحد يجتمع فيه الحجيج؛ لأن إلههم واحد، وربهم واحد، وتوحيدهم واحد: (قُل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
تجرد من الدنيا وزخرفها لتحقيق توحيد الله.
إخوة العقيدة: الطواف والسعي والوقوف بعرفة توحيد لله، ورمي الجمار، والمبيت بجمع لإقامة ذكر الله: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [الحج: 26].
"إنما جعل الطواف بالبيت، والصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله" [رواه الترمذي وأبو داود]، فلله الحمد والشكر، خصنا بالبيت، وجعلنا له ملبين، وببيته طائفين، وللكعبة معظمين.
جعل الطواف مكان خشيته، ومحل سكب العبرات: "يا عمر هنا تُسكب العبرات" فالطواف مكان التوحيد، والأوبة والرجعة والندامة، مشهده يُذكر بيوم القيامة، فالقلوب في الطواف خائفة وجلة، تخشى الذنوب، وسطوة الجبار؛ لأنهم نزلوا ببيته، وقرعوا بابه، فالأمر أعظم أن يلتفتوا لمعصية أو غفلة أو زلة؛ لمهابة رب البيت وعظمته.
فلا إله إلا الله! هذا يصيح، والآخر يبكي ويعترف: "يا ملك الملوك وقفت بابك عاص مذنب ذليل" يسكب عبرته، ويُظهر حسرته، يرجو الرحمن الرحيم، الذي لا يخيب سائله، فكيف يلتفت لاختلاط؟! فيحتج الرافضة والصوفية بأن الاختلاط مشروع في الطواف، فحضرة الرب، ومقام الخشية، وشبيه القيام، هل هو فيه وقت للتفكر في المعصية؟ سبحانك ربنا! رحماك رحماك! فكيف يحتج الرافضي والصوفي في الوقوف بين يديك؟ أنه اختلاط والنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما سألته عائشة عن حشر الناس حفاة عراة غرلا، قالت بفكرها البشري: الرجال والنساء سواء؟ قال: "يا عائشة الأمر أشد أن يُشغلهم ذلك".
فلا يظن جاهل أن مقام الخشية كمقام الفجور والسفور والاختلاط، فمن يسوي بين ذلك فهو ضال مضل.
أيها المسلمون: فليسكت من يحتج بالطواف الذي هو مكان التوحيد والخشية، ولا يجعله حجة للفجور والسفور والاختلاط والتبرج، ولتكفنا اللهم شر الرافضة والصوفية القبورية الذين أشركوا بك، وعبدوا غيرك، وقذفوا نبيك وصحابته.
أيها الموحدون: ما زالت قاعدة التخريب والفساد تعثو في الأرض فسادا، ففي جازان اعتدوا وبغوا وقتلوا رجال أمننا، غفر لهم وتقبلهم في الشهداء، وما زل جهالنا بهم يغترون، ولشرهم يقدسون، ألا فلتستيقظ القلوب الراقدة الغافلة، قبل أن ترجف الراجفة، وتتبعها الرادفة، وتقع الواقعة، فيندمون ولات مندم، ويتحسرون ولن يجدوا إلا الخسارة والندامة والذل والبوار.
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم نبي الرحمة محمد بن عبد الله...
التعليقات