عناصر الخطبة
1/ منزلة التوحيد وأهميته 2/ مشروعية العبادات من أجل تحقيق التوحيد ونبذ الشرك 3/ بعض مظاهر توحيد الله في الحج 4/ بعض صور الشرك ومظاهره 5/ أهمية تجديد التوحيد في النفوس 6/ التذكير بيوم عرفة واستغلالها في طاعة اللهاهداف الخطبة
اقتباس
عباد الله: شعائر الإسلام ومناسكه والعبادات المشروعة هي لتحقيق الوحدانية لله -عز وجل-، وعدم صرف العبادة لغيره، فالحج نزل فيه سورة بالقرآن كلُّها تتحدث عن التوحيد، وتنعي على من يعبدون غير الله -تعالى- أو يعبدون من دونه ما لا يضرهم ولا ينفعهم، والمسجد الحرام إنما وضع لنبذ الشرك: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي) [الحـج: 26] فهو...
الخطبة الأولى:
الحمد لله جعل التوحيد مفزعاً لعبادهِ وحصناً، وجعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نرجو بها في الجنة سُكنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى أزواجه وأصحابه، رضي الله عنهم وعنّا.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الله خلق الخلق لعبادته: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56].
ولعدم الإشراك به: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 22].
والتوحيد أساس وجود الخلق، وسبب قبول العمل والشرك يُبطله حتى لأفضل الخلق -عليه الصلاة والسلام-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65].
فالشرك لا يصح معه عمل ولا عبادة، وكل الرسل كان هدف رسالتهم: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36].
ولأجل التوحيد ونبذ الشرك دعوا أقوامهم ولما عاندوا أصابهم الله بالعقوبة، ومع الأسف ترى اليوم ضعفاً للتوحيد في الأمة حتى انحرف الكثير وأشركوا بالله بطرقٍ صوفيةٍ تغلو بالأئمة وتحريفٍ لمعنى التوحيد وتحريف صفاتِ الله وأسمائه، ثم باتوا يعقدون المؤتمرات بتوجيه دول كافرة لنفي أهل التوحيد والسنة، واعتبار أنفسهم هم أهل السنة رغم الشرك والضلال الذي يمارسونه، وكأن التوحيد شعاراً يخلو من معناه، وليس تطبيقاً لمحتواه.
فتعالوا لنتعرف على التوحيد الحقيقي الذي جاء في القرآن وشعائر الإسلام، ولنتأمله خاصة مع مشاعر الحج التي نراها لتوحيد الله.
والسؤال: هل نحن نعرف معنى التوحيد حقاً؟! وإذا عرفناه هل نطبّقه ولا نخالفه؟! واذا انتسبوا إليه هل نلتزم بأخلاقه؟
التوحيد ليس شعاراتٍ لا تطبق، ولا يُختصر بدعوات أهملت التعامل والخُلق، أو حاربت البشر، وصنَّفت الخَلْق، وليس تعظيماً للبشر، وتقبيل أرجل الأسياد من دون الله، وليس رقصاً ولا غناء باسم ذكر الله...
عباد الله: شعائر الإسلام ومناسكهُ والعبادات المشروعة هي لتحقيق الوحدانية لله -عز وجل-، وعدم صرف العبادة لغيره، فالحج نزل فيه سورة بالقرآن كلُّها تتحدث عن التوحيد، وتنعي على من يعبدون غير الله -تعالى- أو يعبدون من دونه ما لا يضرهم ولا ينفعهم، والمسجد الحرام إنما وضع لنبذ الشرك: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي) [الحـج: 26] فهو لتحقيق التوحيد ومحاربة الشرك، والمناسكُ حوله باجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور: (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحـج: 31].
والحجُّاج يأتون من كل فجٍ عميق لتحقيق عبودية الله -تعالى- وحده، والبراءة من الشرك وأهله، فالحاج لا يدعو وثناً ولا شخصاً ولا نبياً ولا وليَّاً ولا كعبةً ولا قبراً ولا حجراً ولا طريقةً ينحرف بها، ولكنه يدعو الله وحده ويردّد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" كل الحجاج يلبون بها مظهرين ذكرَ الله وحده لا غيره، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله -عز وجل-" [أخرجه الترمذي].
وبيت الله مطهرٌ من الشرك، وأُسِّس على التوحيد: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) [التوبة: 28].
ولما دخله صلى الله عليه وسلم فاتحاً هدم الأصنام حولَه وأمر بها أن تُخرج وتُحرق ويُزال ما في الكعبة من صور؛ لأنها قبلةُ المسلمين وفيه حجُّهم، وعمرتهم، وملتقى قلوبهم وأبدانهم، يأتونه من كل فجٍّ عميق، فيجب أن يكون مصدر التوحيد، ومنبع العقيدة الصحيحة على مرِّ الأزمان وتعاقب الأجيال، طاهراً من الشرك بكل أنواعه وسالماً من البدع والخرافات وغلوِّ التصوّف.
والحج والعمرة خالصة لله: (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) [البقرة: 196]، فالتلبيةُ إفرادٌ لله -عز وجل- بكل شيءٍ، وقال صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
والطواف لا يجوز بغير الكعبة لا بضريح ولا قبرٍ ولا شجرةٍ أو حجرٍ، حتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف بغيره.
وكذلك السعي بين الصفا والمروة، ورميُ للجمار ذكرٌ لله وحده، وذبحُ الهدي والأضحية عبادةٌ يقوم به الحاج والمضحي مُكبِّراً لله، ولا يجوز الذبح لغير الله حتى بعد أن يفرغ الحاج من المناسك أُمرَ بذكر الله ونُهيَ عن تعظيم غيره وعن المفاخرة بالنسب: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) [البقرة: 198 - 203].
هذا هو التوحيد من خلال الحج، هو رسالة للأمة جمعاء عبر الزمن بتعظيم جانب التوحيد، والحذر من الشرك ومظاهره التي قد تخفى على كثيرٍ من الناس، وتسوّق عليهم بالمغريات والمبررات.
هذا هو التوحيد الحقيقي، لا توحيد العمائم والقبور، والرقص والطبول، وتعظيم الأولياء، ودفع الإتاوات للقبور، توحيد يحرّر الإنسان لعبادة الخالق، وهذه الطرق والفرق تريد أن نكون عبيداً لأسيادها مشركين بقبورها.
سبحان الله! ثم يدّعون أنهم أهل السنة! لأن التوحيد الحقيقي بعيد عن ضلالهم.
عباد الله: الحج الذي يجمع الأمة دروسٌ وعبر وتعليمٌ عمليٌّ للعقيدة الصحيحة، ونبذٌ للعقائد الجاهلية، وهو أدلةٌ دافعةٌ وآيةٌ بينة باقية على كلِّ من يدَّعون الوثنية أو يدعون إليها، فليس غريباً إذن أن تجد علماء ناصحين ربانيين انبروا عبر التاريخ ولا زالوا يُجددون لهذه الأمة دينها، وتعاليمَ توحيدها التي تضعف لدى الناس، ويُحذرون من الشرك.
أليس من المؤسف تسرّبُ لوثاتِ الوثنيةِ والعبوديةِ لغير الله -تعالى- إلى قلوبِ كثيرٍ من المسلمين، فتجدهم يتمسّحون بالأضرحة وبالأشجار والأحجار، ويعلّقون عليها الخرق، ويذبحون لغير الله، ويرقصون ويغنّون باسم العبادة، ويرتادون أماكن ما أنزل الله بها، أو في فضلها من سلطان بحُججٍ داحضة ليس لها دليل من كتاب أو سنة يروّج لها المتصوفة وطرقهم والمرتزقة، وغيرهم ممن لا يخاف الله ولا يقيم حدوده، فهل هذا هو التوحيد ومنهج أهل السنة والجماعة؟ حاشا -والله-!
أليس مؤلماً رؤية فئامٍ من المسلمين يدّعون طريقةً للأئمة يتعبَّدون بها وينتسبون إليها يوالون، ويعادون عليها، ويرون دينهم ناقصاً دونها.
وأن العبادة لا تصلح إلا بواسطة سيّدهم المزعوم فما أمرهم به فعلوه وما نهاهم عنه اجتنبوه ولو كان مخالفاً للإسلام، أو يعطون أسيادهم من صفات البركة والإجلال، ما لا يليق إلا بربِّ العزة والجلال!
بعضهم يحلف بالله كذباً، ولا يحلف بسيّده، فهو يخشاه ويعظمه أكثر من الله! يستعبدون أنفسهم والله حرّرَهم -عياذاً بالله-، ومن لا يغلو بطريقته لايستطيع العبادة إلا بسيده وانتسابه.
ترى بعض الحجاج يذهبون لمواقع وآثار وبقاعٍ وجبالٍ يتقرَّبون بزيارتها أو بالجلوس عندها والصلاة فيها، مع مرتزقة يأكلون أموالهم بالباطل بهذه البدع، فتتحول المشاعر التي خصصها الله لتوحيده لتعظيم غير الله وخلاف ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يتبرَّكُون بالقبور ويدعون أصحابها مشركين بالله جهلاً وخرافة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مظاهرُ الشرك تضرب أطنابها في العالم الإسلامي! أكثرُ من عشرين ألف ضريح لدى المسلمين ويعظمون مناسباتٍ لم تُشرع ويعلقون التمائم الضالة ودعاءُ غير الله والطواف بغير البيت وغيرها من مظاهرَ للشرك والبدع في العالم الإسلامي ينبري لها من علماء السوء المرتزقين من يؤيدها ويسوّق لها باسم التصوف وباسم محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي عن المبالغة بتعظيمه فكيف بغيره وقال: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
إننا نحتاج -عباد الله- لتجديد التوحيد في نفوسنا انطلاقاً من كتاب الله وسنته لا من شيخ ولا من طريقة ولا من ولي ولا من قبر أو مؤتمر زعموه للتوحيد والسنة، فإذا كان الله سمانا مسلمين موَّحدين، فكيف نفترق لطوائف ونترك التوحيد الذي ميّز ديننا ودعى به نبينا -صلوات الله وسلامه عليه-، ونزعم أن الشركَ يُوحِّدُ الأمة.
فاتقوا الله -عباد الله- وجدِّدوا التوحيد منهج سلف الأمة، واجعلوا عباداتكم خالصة لوجه الله، وصواباً مع سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، واعلموا أن التوحيد والسلفية ليس لتفرقة الناس وتصنيفهم واتهام نياتهم وعلمهم بلا حق فهذا يشوّهها، واحذروا عباداتٍ تتحول لعادات وتخلو من معنى التوحيد تُؤدَّى بغير تدبّر أوعيٍّ ولا بصيرةٍ أو علم، وإنما هي بالجهل أو للرياء والمظاهر، فالتزموا بالعقيدة فهي الأساس، وتركها أو ضعفها تفرق وخلاف، والله -عز وجل- لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وصالحاً أريد به وجهه، فهو يقول: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".
اللهم اجعلنا لك موحدين، وبك مؤمنين، ولنبينا -صلى الله عليه وسلم- متبعين، وتقبل منا أعمالنا واجعلها خالصةً لوجهه الكريم.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
عباد الله: ستستقبلون يوماً عظيماً هو يوم الحج الأكبر يوم عرفة، فهنيئاً لمن شهد المشهد وغفر الله له، وهنيئاً لمن شارك الحجاج وصام هذا اليوم، فغُفر له السنة التي قبله وبعده، يومٌ يُفاخر الله بالحجاج ملائكتَه، فشاركوا أهل الموقف وعيشوا معهم دعاءَهم وفعل الحسنات، وتذكروا أن الله -سبحانه وتعالى- لن يخيّب رجاءَهم وسعيهم، فأكثروا فيه من الدعاء لعلها أن تُقالَ العثرات، وتُرتجى الطلبات، وتُكفر السيئات، واستعدّوا -يا عباد الله- بالأضحية لربكم واستسمنوها، ولتكن خاليةً من العيوب، وتقربوا إلى الله بقيمتها، ولا تفاخروا بها، فأنت تُقدِّمها لله فلتطب بها نفسك فأنت لو جاءك ضيف لذبحت له، فكيف تبخل بالأضحية أو تتغالى ثمنها وأنت قادر وهي لله.
نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يتقبل منا ومنكم، وأن يعيد علينا مواسم الخيرات، ويتقبل من الحجاج حجهم والضحايا من المضحين، وأن يعيد على أمتنا مواسم الخيرات في عزٍّ وتمكين، ويعز الإسلام والمسلمين، وينصر إخواننا المستضعفين في الشام واليمن وفلسطين وينصر جندنا المرابطين، ويحمي حجاج بيته من كل شرٍّ وحادث وفتنة.
أيها الإخوة: ستكون صلاة العيد في المصليات مع بعض الجوامع، وسيكون دخول الإمام للصلاة الساعة: "6.5" الساعة السادسة وخمس دقائق صباحاً، فاحرصوا على صلاة العيد وحضور الأضاحي تقرباً إلى الله.
اللهم اختم عشرنا المباركة بالقبول والغفران.
الله أكبر، الله وأكبر، لا إله إلا الله، والله وأكبر، الله وأكبر ولله الحمد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
التعليقات