عناصر الخطبة
1/ معنى التوحيد وفضله 2/ استحقاق الله تعالى للعبادة والتوحيد 3/ افتقار الخلق إلى الله 4/ إفراد الله -عز وجل- بالأسماء الحسنى 5/ معنى \"لا إله إلا الله\" 6/ وجوب تعلم التوحيد على كل مسلماهداف الخطبة
اقتباس
إِنَّ العِبَادَةَ حَقُّ اللهِ الذِي يَجِبُ أَنْ يُصْرَفَ لَهُ وَحْدَه، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَجَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَعَنْ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ: هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟!"، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟! قَالَ: "لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا". مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ، الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوَاً أَحَد، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ لا نِدَّ لَهُ وَلا شَرِيكَ وَلَا وَالِدَ لَهُ وَلا وَلَد، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ مُسْتَوٍ، عَرْشَهُ عَالٍ عَلَى جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ مَا خَلَقَ الْمَلائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا فِيهِمَا كُلٌّ لَهُ خَاضِعُونَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْهُ لَمْ يَكُنْ، فَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا رَادَّ لِقَضَائِه.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ إِمَامَاً لِلنَّاسِ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا، دَاعَيَاً إِلَى التَّوْحِيدِ وَمُحَذِّرَاً مِنَ الشِّرْكِ، فَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَاعْرِفُوا دِينَكُمْ وَتَعَلَّمُوا التَوْحِيدَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمِّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)، فَأَعْظَمَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدَ، وَأَعْظَمَ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكَ، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، وَهُوَ حَقُّ اللهِ الذِي افْتَرَضَهُ عَلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، فَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَةُ التِي مِنْ أَجْلِهَا خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، وَأَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَشَرَعَ الشَّرَائِعَ وَخَلَقَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ اللهُ تَعَالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).
فَرُسُلُ اللهِ الْكِرَامُ -عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ- كُلهُمْ بُعِثُوا لِهَذِهِ الْمُهِمَّةِ، يَدْعُونَ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْ عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ.
إِنَّ العِبَادَةَ حَقُّ اللهِ الذِي يَجِبُ أَنْ يُصْرَفَ لَهُ وَحْدَه، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَجَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَعَنْ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: "يَا مُعَاذُ: هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟!"، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟! قَالَ: "لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا". مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ إِفْرَادُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي رُبُوبِيِّتِهِ وَفِي أُلُوهِيَّتِهِ وَفِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، فَهَذِهِ أَنْوَاعُ التَّوحِيدِ الثَّلاثَةُ اجْتَمَعَتْ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا).
إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الذِي خَلَقَ مِنَ الْعَدَمِ، وَهُوَ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَيْء، وَهُوَ الْمُدَبِّرُ لِلْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالْسُّفْلِيِّ، وَهُوَ الرَازِقُ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار)، وَقَوْلَهُ -جَلَّ وَعَلَا-: (للَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
يَا مُسْلِمْ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ رَبِّكَ: (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).
أَلَمْ تَسْمَعْ -يَا مُؤْمِنْ- قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).
إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا شَرِيكَ لَهُ وَلا مَثِيلَ لَهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَفْسِهِ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).
إِنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ مُفْتَقِرُونَ إِلَى اللهِ، مُحْتَاجُونَ إِلَى اللهِ، بَلْ فِي أَشَدِّ الضَّرُورَةِ إِلَى اللهِ، وَهُوَ -جَلَّ وَعَلا- مُسْتَغْنٍ عَنْهُمْ، قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ اللهَ وَحْدَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُلُوهِيَّةِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إِنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ، رَجِالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، أَنْ يَصْرِفُوا عِبَادَاتِهِمْ للهِ وَحْدَهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين)، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الْعَبْدُ شَيْئَاً مِنَ الْعِبَادَاتِ -وَلَوْ قَلَّ- لِغَيْرِ اللهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي أَعْظِمِ الذُّنُوبِ وَأَشَرِّ الْعُيُوبِ وَهُوَ الشِّرْك.
الشِّرْكِ الذِي لا يَغْفِرُهُ اللهُ! الشِّرْكِ الذِي يُحْبِطُ الْعَمَلَ! الشِّرْكِ الذِي يُوجِبُ الْخُلُودَ فِي النَّارِ لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ! قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ: إِنَّكَ إِذَا تَقَرَّبْتَ إِلَى رَبِّكَ وَصَرَفْتَ لَهُ الْعِبَادَةَ فُزْتَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَتَفُوزَ فِي الدُّنْيَا بِالرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةَ، وَتَفُوزَ فِي الآخِرَةِ بِالْجَنَّةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ رَبَّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون).
فَرَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ اللهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَلِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَسْمَاءُ كَثِيرَةٌ، وَهُوَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَاحِدٌ.
فَنُثْبِتُ هَذِهِ الأَسْمَاءَ لِرَبِّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- وَنَتَعَبَّدُ لَهُ بِهَا وَنَدْعُوهُ بِهَا، وَنَخْتَارُ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا يُنَاسِبُ دُعَاءَنَا، فَمَثَلاً نَقُولُ: اللَّهُمَّ -يَا رَزَّاقُ- ارْزُقْنَا، يَا غَفُورُ: اغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَهَكَذَا، وَمِنَ الْخَطَأِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَدْعُو رَبَّهُ بِاسْمٍ لا يُنَاسِبُ دُعَاءَهُ، فَمَثَلاً يَقُولُ: يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ: ارْحَمْنِي، أَوْ يَا رَحِيمُ: عَلَيْكَ بَالْكَافِرِينَ وَأَعْدَاءِ الدِّينِ، فَهَذَا خَطَأٌ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ نَوْعُ سُخْرِيَةٍ لا تَلِيقُ بِالدَّاعِي رَبَّهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ للهَ -عَزَّ وَجَلَّ- صِفَاتٍ عَظِيمَةً تَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ، مَذْكُورَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَالْوَاجِبُ إِثْبَاتُهَا جَمِيعَاً، وَيَجِبُ أَنْ نَعْتَقَدَ أَنَّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ، وَأَنَّهَا تَلِيقُ بِرَبِّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- وَلا تُمَاثِلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، حَتَّى وَإِنْ اتَّفَقَتْ أَسْمَاؤُهَا مَعَ أَسْمَاءِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، إِلَّا أَنَّ الْحَقَائِقَ مُخْتَلِفَةٌ جِدَّاً، فَصِفَاتُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ صِفَاتُ كَمَالٍ وَجَمَالٍ تَلِيقُ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَصِفَاتُ الْبَشَرِ تُنَاسِبُهُمْ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
فَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ صِفَةُ الْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ، وَلَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَجْهٌ وَلَهُ يَدَانِ اثْنَتَانِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، وَقَالَ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء).
وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟! أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟! ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟! أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟!". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَأَسْأَلُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَجْعَلَ عَظَمَتَهُ فِي قُلُوبِنَا، وَخَشْيَتِهِ فِي نُفُوسِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا حُبَّهُ وَإِجْلَالَهُ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّوْحِيدَ مَعْنَاهُ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، وَأَنَّ (لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) مَعْنَاهَا: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ، فَعِبَادَةُ اللهِ حَقٌّ وَعِبَادَةُ مَا سُوَاهُ بِاطِلَة.
وَلَيْسَ مَعْنَاهَا لا خَالَقِ وَلا رَازِقَ إِلَّا اللهُ، وَكَذَلِكَ فَلَيْسَ مَعْنَاهَا: لا حَاكِمَ إِلَّا اللهُ، بَلْ هَذَا جُزْءٌ مِنْ مَعْنَاهَا، وَمَعْنَاهَا الْكَامِل: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ، فَالرُّسُلُ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمْ يَدْعُوا أَقْوَامَهُمْ إِلَى هَذَا، بَلَ دَعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَنَفْيِ مَا سُوَاهُ مِنَ الآلِهَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ تَعَلُّمَ التَّوْحِيدِ وَمَا يُضَادُّهُ أَوْ يُنْقِصُهُ أَمْرٌ وَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، لِأَنَّنَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ خُلِقْنَا، وإِنَّ مِنْ خِيرَةِ الكُتُبِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ فِي هَذَا البَابِ: كِتَابَ التَّوْحِيدِ لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَ الْوَهَّابِ -رَحِمَهُ اللهُ-، فَإِنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ لِلْكَلَامِ عَلَى أَمْرِ التَّوْحِيدِ، فَهُوَ كِتَابٌ مُحَرَّرٌ مَبْنِيُّ عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ سَلَفِ الأُمَّةِ -رَحِمَهُمُ اللهُ-، وَيَنْبَغِي لِأَصْحَابِ الْفَضِيلَةِ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ أَنْ يَقْرَؤُوهُ فِي مَسَاجِدِهِمْ فِي الأَوْقَاتِ الْمُنَاسِبَةِ لِيَنْفَعُوا إِخْوَانَهُمْ وَيَنْتَفِعُوا هُمْ بِذَلِكَ، وَالْمُوَفَقُ مَنْ صَارَ مِفْتَاحاً لِلْخَيْر، وَأَعْظَمُ الْخَيْرِ تَعْلِيمُ النَّاسِ التَّوْحِيْد.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ، وَمِنْ قٌلُوبٍ لَا تَخْشَعُ، وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، اللهم احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ.
اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ، وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهَمْ عَلَى الحَقِّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات