عناصر الخطبة
1/ القيام بالدعوة الإسلامية 2/ الحث على قيام الليل وفضله .اهداف الخطبة
اقتباس
إن المؤمن الصادق مع نفسه والساعي فيما يعدها، ويهيئها لحمل رسالتها في الحياة الدنيا، وتلقي إشعاع نور ربها وهداية كتابها الذي هو هداية وعصمة لها - ليعمل جاهداً على ما يصقل روحه ويرهف إحساسه؛ لأخذ ما كلف به بانطلاقة وقوة وبصيرة، ذلك بأن يعدها بما أعد الله به عبده ورسوله محمداً لحمل رسالته ونشر دعوته بقوله تعالى ..
الحمد لله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تظهرون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه الكريم: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذريات:15-18].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي قام من الليل حتى تورمت قدماه، فقيل له: "قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً"، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه الأبرار الأطهار، الذين هم رهبان بالليل أسود بالنّهار، وعلى كل من سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا -عباد الله- اتقوا الله وراقبوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه.
أيها الأخوة: إن المؤمن الصادق مع نفسه والساعي فيما يعدها، ويهيئها لحمل رسالتها في الحياة الدنيا، وتلقي إشعاع نور ربها وهداية كتابها الذي هو هداية وعصمة لها - ليعمل جاهداً على ما يصقل روحه ويرهف إحساسه؛ لأخذ ما كلف به بانطلاقة وقوة وبصيرة، ذلك بأن يعدها بما أعد الله به عبده ورسوله محمداً لحمل رسالته ونشر دعوته بقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) [المزمل:1-6]
ولقد جاءت نصوص الشريعة الغراء؛ داعية أهل الخير والصلاح داعية أفراد الأمة المحمدية المشرفين؛ بالقيام بالدعوة الإسلامية، داعية من حملوا العبء الثقيل فيها؛ ليكرموا إذا حملوه بحق بالأجر الجزيل.
داعية لهم أن يكون لكل منهم في يومه وليلته برهة يخلو فيها بربه، ويدعوه فيها، ويناجيه بصفاء وزكاء وطهر وشكر، وخير ما يكون ذلكم لدى هدأة الليل، بعد أن يفصل المرء مشاغل الحياة عنه بنومة، يستيقظ بعدها يطرد شيطانه بحل عقده كلها؛ فيخلص فيها لربه متجهاً بكامل مشاعره وأحاسيسه لله.
لينضم بذلك إلى عباد الرحمن الصالحين الطيبين الذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً، ويجزون الغرفة بما صبروا، ويلقون فيها تحية وسلاماً، إلى من أثنى الله عليهم ومدحهم ورغب في صفاتهم بقوله: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر:9] (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17]
فالليل -أيها الأخوة-، محل لمضاعفة الجزاء واستجابة الدعاء، ففيه ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً في أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة. والحق تعالى ينزل كل آخر ليلة إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله على حد قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11]
فيقول هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ وقد وجه تعالى رسوله الكريم إلى ذلك، إلى التهجد بالليل والإلحاح بالدعاء، مظهراً له تعالى حكمة التهجد، ومبشراً له بطيب أثره عليه بقوله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً) [الإسراء:79-80]
فمتى -أيها الأخوة- نتجه إلى ربنا بحق وصدق؟، متى نكون مسلمين له وجوهنا حقاً، ومخلصين له أعمالنا صدقاً؟، متى تطلب النصر والعون من الله ببذل أسبابه؟ ومن أسبابه التهجد بالليل، والدعاء بالدعاء السالف (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً) [الإسراء:80]
فلقد بات قدوتنا وسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليلة بدر تحت جذع شجرة يصلي ويلظ بيا ذا الجلال والإكرام؛ حتى جعل الله له سلطاناً نصيراً، ففي غدها جاء الحق، وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.
فاتّقوا الله -عباد الله-، وعليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وفيه اكتمالكم وشرفكم وعزكم، وبه تدخلون جنة ربكم، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل" ويقول: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".
ويقول سهل بن سعد -فيما رواه الطبراني بسند حسن-: "جاء جبريل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس".
نسألك اللهم أن تعزنا بطاعتك، وأن تغنينا بك عن سواك، وأن تجعلنا ممن أجابوا داعيك في قوله: "يا أيها الناس: أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". ونستغفرك اللهم ونتوب إليك.
التعليقات