عناصر الخطبة
1/ هل تريد بيتًا خاليًا من المشاكل؟! 2/ علاج مشكلات البيوتاهداف الخطبة
اقتباس
في هذه اللحظة عنوان الخطبة سؤال يطرح نفسه، يحتاجه كل الناس، ويتصيده كل الأجناس، موضوع بلا إحساس وشقاء والتماس، سؤال عنوانه: هل تريد بيتًا خاليًا في الغالب من المشاكل، وسعيدًا في غالب أحواله؟! الجواب: بلى، هو بغيتنا وحاجاتنا، ذلكم -عباد الله- في ظل الحياة الراهنة يكثر الشكاية من الأولاد تارة، ومن البيوت تارة أخرى، نبحث عن سعادتنا في بيوتنا وطمأنينتنا في بيوتنا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي زرع في بعض البيوت السكينة بسبب الطاعة والعبادة، وحرم آخرين فباتوا في شتات وتعاسة، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من حل مشاكل البيوت، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد:
فاتقوا الله وراقبوه، ووحدوا ربكم وأطيعوه، وحلو بيوتكم بالعبادة ولا تعصوه.
أيها الإخوة: في هذه اللحظة عنوان الخطبة سؤال يطرح نفسه، يحتاجه كل الناس، ويتصيده كل الأجناس، موضوع بلا إحساس وشقاء والتماس، سؤال عنوانه: هل تريد بيتًا خاليًا في الغالب من المشاكل، وسعيدًا في غالب أحواله؟!
الجواب: بلى، هو بغيتنا وحاجاتنا، ذلكم -عباد الله- في ظل الحياة الراهنة يكثر الشكاية من الأولاد تارة ومن البيوت تارة أخرى، نبحث عن سعادتنا في بيوتنا وطمأنينتنا في بيوتنا، إن دخلنا البيوت ضاقت بنا السبل، وإن جلسنا في ربوعنا انقطعت بنا الحيل، فلا تسمع إلا الضجيج والصراخ والغضب وعلو الصيحات وارتفاع الأصوات والتشتت والتفرقات.
والعلاج -أيها الإخوة والأخوات- في خطوات وكلمات، وهي -وإن كانت لا تذهب بها بالكلية، قد يكون في البيت مشاكله، ومن المساكن تفاهمه، إلا أنها تقلص الشر وتخفيه، وتقلله وتنهيه، وذلك بقوة المؤثر صدقًا وإخلاصًا، علمًا وعملاً وانقيادًا.
فالخطوة الأولى: ذكر المولى عند دخول المنزل؛ لما في ذلك من فتح الطمأنينة والراحة والسعادة وطرد الشيطان وجنوده، فإذا وضعت المفتاح فاستفتح بالسلام والذكر والفلاح: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
وفي مسلم: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: "لا مبيت لكم ولا عشاء"، وإن ترك ذلك قال: "أدركتم المبيت والعشاء".
ومن الذكر: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، والله يقول: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً).
والبعض -عباد الله- لا يعرف عند الدخول إلا الغضب وارتفاع الأصوات، والتزجر والكلمات النابية والعبارات القاسية، ونسي الذكر والسلام.
الخطوة الثانية: تطهير الفم بالسواك، وذاك سنة مهجورة؛ لما رواه مسلم عن شريح بن هانئ قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان يبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل بيته؟! قالت: "بالسواك"، فمن حسن العشرة تطهير الظاهر والباطن.
والخطوة الثالثة -وهي خطوة مجهولة، وربما تكون في البيت مفقودة- وهي تلاوة القرآن في البيوت وإن كانت قليلة، فالقرآن يعطّر البيوت ويطيب المساكن ويطرد الشيطان الغاشم، مع حلول البركة والسعادة في أرجاء البيت فاحرص -أيها الأب المبارك وأيتها الأم المباركة- على قراءة القرآن وتلاوته ولو شيئًا قليلاً، لا وضعه في الصالات دون فتح أو تلاوة، أو رجاء البركة دون تلاوة.
فقراءة القرآن في البيوت لها فوائدها -أيها الإنسان-، خير وحلول بركة وتربية نشء على حب القرآن والسنة، وتصوير ذلك عمليًا واقعيًا، فالبيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت كما جاء في مسلم.
وإذا نزلت السكينة وحلت الرحمة أجواء البيت في طمأنينة، فتلك عادة وراحة نفسية، فاجعل لبيتك نصيبًا من قراءتك، ولا تقدم المشاغل فتحل المشاكل، فيكفي تربية رؤية الأبناء لك قارئًا تاليًا، فالبيوت المهجورة من الذكر والتلاوة شبيهة بالمقابر.
الخطوة الرابعة: أمة الخير والسعادة المتتابعة: قراءة سورة البقرة في المنزل، فإذا شعرت أن البيت كثرت فيه المشاكل والخصومات والمشاغل، وعلت الأصوات وظهر العناد وحضر الشيطان، فاعلم أن الشيطان هنالك، وقد عشش في منزلك ورحالك، فعليك بطرده، وإبعاده ودحره وإحراقه، وذلك يكون بقراءة سورة البقرة، وقد جاء في مسلم مرفوعًا: "إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة".
وثمة تنبيه عند بعض الناس يظن أن قراءتها إنما هو لمن به مس أو سحر أو عين أو أثر، بل هي للمريض والصحيح ورد، ودواء لكل جريح، فهي من أوراد البيوت والمنازل.
وثمة تنبيه ثانٍ: وهو أنه يجوز قراءتها مجتمعة أو متفرقة في اليوم والليلة في يوم أو أسبوع أو شهر أو سنة، وكذا تجوز قراءتها من شخص واحد أو أشخاص متعددين، المهم اجعل لك نصيبًا منها من منزلك.
والخطوة الخامسة -أيها الإنسان-: تطهير البيت من صوت الشيطان، وقد تسأل: وما هو صوت الشيطان؟! فاعلم أن "الغناء مزمار الشيطان"، يقول مجاهد في قوله سبحانه: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)، قال: "صوت الشيطان الغناء".
والغناء معلوم تحريمه، وإثمه وتجريمه، وهو -كما قال ابن مسعود-: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"، وإذا نادى الشيطان في بيتك وارتفع صوته بين أولادك عبر الفضائيات والقنوات والجولات والمنتديات؛ اجتمعت جنوده وتنادت شياطينه، فحلَّت الشحناء والبغضاء والفرقة والعناء والهم والغم والنكد والغوغاء، فعاشوا في البيت في الشقاق، والنزاع والفراق، وعششت الشياطين، وكثرت المشاكل والأنين.
فالقرآن والغناء لا يجتمعان في قلب ولا بيت..
حب القرآن وحب ألحان الغنا *** في قلب عبد ليس يجتمعان
فاحذر الغنا وسماعه، فطهر بيتك من صوته وإسماعه، ترى الراحة والسعادة، والأمن والريادة.
والسادسة -أسعد الله منازلكم بالسعادة-: صلاة النافلة في البيوت لها حكم وأسرار، ولهذا نهينا أن تكون مثل المقابر لا يصلى فيها: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا". متفق عليه.
وجاء الأمر: "صلوا -أيها الناس- في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة للمرء في بيته إلا المكتوبة". متفق عليه من حديث زيد بن ثابت.
وبيّن في موضع آخر أن الصلاة فيها خير، والخير شامل لما بين أسوار البيت وجدرانه، لفظًا ومعنى، وقد روى مسلم عن جابر -رضي الله عنه-: "إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا".
فالصلاة في البيت -كالسنن الرواتب- هي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- القولية والفعلية، وركعتا الضحى والوتر وصلاة الليل وسنة الوضوء وغير ذلك لها فوائدها المثمرة، والتربية الواقعية والترسيخ الذهني والتعليم الفعلي ما لو ألقيت على زوجك وأولادك محاضرات وندوات لم تحصل بمثل ركعتين تتطلع إليك الأبصار وتنظر إليك بتطبيق وادّكار.
فاحرص -أيها الأب وأنت أيتها الأم- على الصلاة بين الأولاد؛ ففيها الخبر والبركة والسعادة والرحمة، وهي تربية عملية.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين.
والسابع من الخطوات والكلمات النيرات: تطهير البيوت من التصاليب النصرانية، وأخذ الحذر والحيطة لاسيما على ألبسة الذرية، أو الفرش والنقوش الحائطية، ونحو ذلك مما هو صليب محقق، فعن عائشة مرفوعًا: "لم يكن يترك شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه"، فهلا طهرنا بيوتنا من هذه التصاليب وتعلمنا!!
وثامنًا: تطهير البيوت من التصاوير والتماثيل، وطهر بيتك من كل صورة إلا ما كان من ضرورة؛ فالملائكة لا تدخل بيتًا فيه تمثال وصورة، كما في مسلم عن أبي هريرة "أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تماثيل وتصاوير".
وإذا خرجت ملائكة الرحمن حلّ ضدهم وهو الشيطان؛ فطهر بيتك بقدر استطاعتك، واحذر تسويف الشيطان لك.
والتاسع من الخطوات والمنافع: الكلمة الطيبة، والابتسامة المشرقة، والمقالة اللطيفة، والعبارات الهادفة، والتنبيهات الهادئة، فأولى الناس بأخلاقك ومقالك وابتسامتك هم أولادك، كيف لا وهم منك يتعلمون، ومن تقاسيم وجهك يدرسون، ومن عباراتك يسجلون، ومن أخلاقك يتخلقون، جزاءً وفاقًا، وكما تدين تدان.
ولذا يجب التعامل مع الأهل والأولاد بالحسنى وانتقاء الكلام الحسن الأنقى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء:53]، ففيها إشارة أن الكلام السيئ نزغة من نزغات الشيطان، فرب كلمة هدمت أسرة، وشرارة أحرقت أمة.
فينبغي للزوج مراعاة الزوجة وحالها وضعفها، وينبغي للزوجة مراعاة حال الزوج وتعبه وعمله ونصبه ومصاريفه وأولاده، وبعض الناس مع أصدقائه مضحاك، ولهم متبسم، وبينهم متحدث، وإذا دخل منزله أغلق فمه وعبث في وجهه وكأن بين يديه جنازة.
وعاشر الخطوات -بارك الله لكم في هذه الخطوات-: تحصيل الأولاد من الشياطين والعين والسحر والأمراض، فتقول في وردك وفي مسائك وصباحك، وفي أية حالة من أحوالك: "أعيذكم بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة". كما في البخاري عن الرسول الهادي.
كان يعود الحسن والحسين ويقول: "كان أبوكما يعوّذ بهما إسماعيل وإسحاق". وكيفما عودت ذريتك وزوجتك وبيتك حصل المقصود.
وكذا ينبغي تحفيظهم أذكار المساء والصباح والنوم والاستيقاظ، فالأذكار تحمي الإنسان وتحفظه من الشيطان، وتدرأ الأمراض والأدواء والسحر والعين، وجيد أن تضع لهم مسابقة أو جائزة وحافزًا لمن يحفظ ويذكر، فعودًا إلى الأذكار قبل حلول المصائب والأمراض، فالدفع أسهل من الرفع، وبعض الناس لما انتشرت بعض الأمراض عرف قدر التحصين من الأعراض.
فالتعويذ والأذكار ليس له وقت، بل هو في الليل والنهار.
ومن قواعد البيوت وسلامتها من المشاكل: ترك التفرق بقدر الإمكان، فأمنية الشيطان أن يفرق بين الزوجين، ويورث الفرقة والشقاق، ويبعد الزوج في ناحية والزوجة في ناحية أخرى، عندها يحصل مقصوده ويدرك مطلوبه، فإذًا علينا عدم التفرق بقدر الإمكان قولاً أو فعلاً.
ومن القواعد: أنك لن تجد محبوبًا -في زوجك أو في زوجتك أو في ولدك أو في عملك أو في تجارتك- إلا وفيه ما تكره: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).
وربما كان محبوب النفوس إلى مقصودها سبب ما مثلها سبب.
والثالث عشر: التغاضي عن الهفوات والزلات، فكن حازمًا مسامحًا قويًا، لا مدمرًا أبيًا، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
فمن أراد أن تدوم أسرته، وأن تستمر عشرته، وأن يكون مع أهله مستريحًا، فعليه بالتغاضي عن الهفوات والتغاضي عن الزلات، فأغمض عينًا وافتح عينًا.
والرابع عشر: تذكّر أنك يومًا تفارق منزلك وبيتك، فعليك بما يعود عليك نفعه، واحذر مما يجلب لك ضرره، ويفسد عليك أسرتك، وتستمر فيه معصيته، كآلات المنكرات والمعاصي والملهيات.
والخامس عشر -وهو خاتمتها-: الدعاء، وهو السلاح لكل مشكلة، وفساد وتشتت، وشقاق وعناد.
أَتَهْـزَأُ بِـالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ *** وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُ
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِي وَلَكِنْ *** لها أمدٌ وللأمدِ انقضاءُ
قد سمع الله قول التي تشتكي، فعليك -عبد الله- أن ترفع شكواك إلى الله، وأن تسأل الله أن يؤلّف بينك وبين بيتك وبين أولادك، وأن ينزل عليك السكينة والطمأنينة والرحمة والراحة، وأن يجعل بيتك سعيدًا، فعلّم نفسك وعود نفسك الدعاء وسؤال الله -عز وجل- في كل حالة من أحوالك.
ولهذا -عباد الله-: رب أوزعني أن أشكر نعمتك، ربي وفقني لما تحب وترضى، رب هب لي من الصالحين، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا.
هذا؛ وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه.
التعليقات