التربية الذاتية: تعزيز الهوية لدى الطفل -3

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ أهمية تعزيز الهوية الإسلامية لدى الطفل. 2/وسائل تعزيز الهوية الإسلامية لدى الطفل. 3/مكاسب تعزيز الهوية لدى الأطفال. 4/محاذير ومخاطر مسخ هوية الطفل.

اقتباس

إِنَّنَا إِنْ غَرَسْنَا الِانْتِمَاءَ لِلدِّينِ وَلِلْأُمَّةِ فِي قُلُوبِ أَوْلَادِنَا وَاسْتَطَعْنَا تَعْزِيزَ هُوِيَّتِهِمْ وَتَأْصِيلَ اسْتِقْلَالِيَّتِهِمْ عَمَّنْ سِوَاهُمْ فَإِنَّنَا -بِحَقٍّ- قَدْ عَبَرْنَا بِأَوْلَادِنَا إِلَى شَاطِئِ الْأَمَانِ، وَوَضَعْنَاهُمْ عَلَى أَوَّلِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّ لِتَعْزِيزِ الْهُوِيَّةِ فِي...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فِيَا عِبَادَ اللَّهِ: عَجِينَةٌ سَهْلَةُ التَّشْكِيلِ، سَرِيعُ التَّأَثُّرِ بِمَا حَوْلَهُ، يُتْقِنُ مُحَاكَاةَ بِيئَتِهِ، وَيَسْتَجِيبُ -بِسُهُولَةٍ- لِكُلِّ مُؤَثِّرٍ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ، أَعَرَفْتُمُوهُ؟ إِنَّهُ الطِّفْلُ؛ وَلِهَذَا كَانَتِ الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَمِنْ هُنَا تَبْرُزُ أَهَمِّيَّةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى تِلْكَ الْفِطْرَةِ مِنَ التَّلَوُّثِ وَالتَّلَطُّخِ وَالتَّشْوِيهِ، وَالْعَمَلِ عَلَى تَشْكِيلِهَا وَفْقَ هَدْيِ الْإِسْلَامِ وَمَبَادِئِهِ، وَلَقَدْ قِيلَ:

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْوِلْدَانِ فِينَا *** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْفِطْرَةَ هِيَ الْإِسْلَامُ الْخَالِصُ النَّقِيُّ، وَهَذَا مَا نُعَلِّمُهُ لِأَوْلَادِنَا وَنَعْمَلُ عَلَى غَرْسِ مَبَادِئِهِ فِيهِمْ، فَيَشُبُّونَ وَهُمْ مُسْلِمُونَ بِحَقٍّ؛ دِينُهُمُ الْإِسْلَامُ، وَهُوِيَّتُهُمُ الْإِسْلَامُ، وَهَمُّهُمُ الْإِسْلَامُ، وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَحُبُّهُمْ وَوِجْهَتُهُمْ وَوَلَاؤُهُمْ وَانْتِمَاؤُهُمْ لِلْإِسْلَامِ وَحْدَهُ، وَلَا شَيْءَ سِوَاهُ، لِسَانُ حَالِهِمْ:

أَبِي الْإِسْلَامُ لَا أَبَا لِي سِوَاهُ *** إِذَا افْتَخَرُوا بِبَكْرٍ أَوْ تَمِيمِ

 

فَلْيَنْشَأْ طِفْلُنَا مُعْتَزًّا بِدِينِهِ وَبِإِسْلَامِهِ وَبِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِأُمَّتِهِ مُرَدِّدًا:

وَمَهْمَا تَعَدَّدَتِ الْوَاجِهَاتُ *** فَلَسْتُ إِلَى وِجْهَةٍ أَنْتَمِي

سِوَى قِبْلَةِ الْمُصْطَفَى وَالْمَقَامِ *** لِأَرْوِي الْحُشَاشَةَ مِنْ زَمْزَمِ

وَأُشْهِدَ مَنْ دَبَّ فَوْقَ الثَّرَى *** وَتَحْتَ السَّمَا عِزَّةَ الْمُسْلِمِ

 

وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُرِبِّينَ الْعَمَلُ دَائِمًا عَلَى غَرْسِ وَتَنْمِيَةِ وَتَعْزِيزِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ دَاخِلَ وِجْدَانِهِمْ، فَنُلَقِّنُهُمْ أَنَّ رَبَّهُمُ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ نَبِيَّهُمْ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْخَاتَمُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَأَنَّ كِتَابَهُمْ هُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ دُونَهَا، وَأَنَّ لُغَتَهُمُ الْعَرَبِيَّةَ هِيَ خَيْرُ لُغَاتِ الْأَرْضِ؛ لِذَا اخْتَارَهَا اللَّهُ -تَعَالَى- لِيُنْزِلَ بِهَا كِتَابَهُ، وَأَنَّ قُدْوَتَهُمْ -بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُمُ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ التَّابِعُونَ وَتَابِعُوهُمْ، ثُمَّ رُمُوزُ الْأُمَّةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ قَاطِبَةً، وَأَنَّ لِأُمَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ خَصَائِصُهَا وَشَخْصِيَّتُهَا الْفَرِيدَةُ الَّتِي تُمَيِّزُهَا عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ.

 

وَمِنَ الْهُوِيَّةِ أَنْ يُؤْمِنُوا أَنَّ مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَدْيَانِ بَاطِلٌ، وَأَنَّ مَا سِوَى الْقُرْآنِ مِنَ الْكُتُبِ مُحَرَّفٌ وَمَنْسُوخٌ، وَأَنَّ حَيَاتَهُمْ كُلَّهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَفِي اللَّهِ: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ)[الْأَنْعَامِ: 162-163].

 

وَكُلَّمَا اسْتَطَعْنَا تَعْزِيزَ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي قُلُوبِهِمْ ضَمِنَّا -بِإِذْنِ اللَّهِ- رُشْدَهُمْ وَصَلَاحَهُمْ وَنَفْعَهُمْ لِدِينِهِمْ وَلِأُمَّتِهِمْ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ وَسَائِلَ تَعْزِيزِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلَعَلَّ مِنْ أَهَمِّهَا مَا يَلِي:

أَوَّلًا: إِرْسَاءُ مُكَوِّنَاتِ الْهُوِيَّةِ الْأَرْبَعِ فِي قُلُوبِهِمْ: وَهِيَ الْعَقِيدَةُ، وَاللُّغَةُ، وَالتَّارِيخُ، وَالْأَرْضُ، فَأَمَّا الْعَقِيدَةُ فَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تُحَرِّضُ عَلَى تَعْلِيمِهَا لِلْأَطْفَالِ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَلَعَلَّ أَشْهَرَهَا قَوْلُ لُقْمَانَ لِوَلَدِهِ: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لُقْمَانَ: 13].

 

وَأَمَّا اللُّغَةُ فَكَفَى أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَزَلَ: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)[الشُّعَرَاءِ: 195].

 

وَأَمَّا التَّارِيخُ: فَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ دَائِمًا يُؤَكِّدَانِ أَنَّ لَنَا جُذُورًا وَأُصُولًا، فَالْقُرْآنُ يَقُولُ: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)[الْحَجِّ: 78]، وَفِي السُّنَّةِ يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَلَسْنَا نَبْتًا شَيْطَانِيًّا، بَلْ لَنَا جُذُورٌ ضَارِبَةٌ إِلَى أَعْمَاقِ التَّارِيخِ، مُمْتَدَّةٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِلَى آدَمَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-.

 

وَأَمَّا الْأَرْضُ فَهِيَ بِمَا تَحْوِي مِنْ مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ؛ كَالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ، وَالْحَرَمِ الْمَدَنِيِّ، وَالْقُدْسِ، الَّتِي تَجْمَعُ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى وَمَسْجِدَ قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، وَغَيْرَهَا، تُشَكِّلُ جُزْءًا مُهِمًّا مِنْ هُوِيَّةِ الْمُسْلِمِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ إِشَارَاتٌ عَدِيدَةٌ إِلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، كَقَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ)[الْمُمْتَحَنَةِ: 8]، وَبَعْدَهَا مُبَاشَرَةً: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ)[الْمُمْتَحَنَةِ: 9].

 

وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعِيدَهُ إِلَى مَكَّةَ أَرْضِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)[الْقَصَصِ: 85]، وَلَا عَجَبَ فِي هَذَا؛ فَإِنَّ الْأَرْضَ هِيَ مَحَلُّ إِقَامَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ كُلِّهَا.

 

ثَانِيًا: تَحْصِينُهُمْ مِنَ الْفِرَقِ وَالْمَذَاهِبِ الْهَدَّامَةِ: سَوَاءٌ كَانَتْ دِينِيَّةً كَالشِّيعَةِ، وَالْبَهَائِيَّةِ، وَالصُّوفِيَّةِ، أَوِ اجْتِمَاعِيَّةً، وَاقْتِصَادِيَّةً؛ كَاللِّيبْرَالِيَّةِ وَالْعَلْمَانِيَّةِ وَالْوُجُودِيَّةِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَالْإِلْحَادِ وَالْحُلُولِيَّةِ، فَنُبَيِّنُ لَهُمْ خَطَأَهَا وَنُفَنِّدُ أَمَامَهُمْ شُبُهَاتِهَا.

 

ثَالِثًا: نَهْيُهُمْ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْأُمَمِ الْأُخْرَى: لِنَحْفَظَ عَلَيْهِمْ خُصُوصِيَّتَهُمْ وَتَمَيُّزَهُمْ، وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرِيصًا عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَلَقَدْ عَلَّلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهْيَهُ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا بِقَوْلِهِ: "وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَهُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَائِلُ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).

 

رَابِعًا: إِبْعَادُهُمْ عَمَّا يَمْسَخُ هُوِيَّتَهُمْ: كَالْبَرَامِجِ الَّتِي تُقَدِّمُ لَهُمْ قِيَمًا وَمَبَادِئَ تَتَقَاطَعُ مَعَ قِيَمِ أُمَّتِهِمْ وَمَبَادِئِهَا، وَالَّتِي تُسَوِّغُ لَهُمُ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ وَالرَّذَائِلَ... فَإِنْ لَمْ نَسْتَطِعْ مَنْعَ تِلْكَ الْبَرَامِجِ، فَلْنَفْرِضْ رَقَابَةً وَاعِيَةً عَلَى اسْتِخْدَامِهِمْ لَهَا.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا إِنْ غَرَسْنَا الِانْتِمَاءَ لِلدِّينِ وَلِلْأُمَّةِ فِي قُلُوبِ أَوْلَادِنَا وَاسْتَطَعْنَا تَعْزِيزَ هُوِيَّتِهِمْ وَتَأْصِيلَ اسْتِقْلَالِيَّتِهِمْ عَمَّنْ سِوَاهُمْ فَإِنَّنَا -بِحَقٍّ- قَدْ عَبَرْنَا بِأَوْلَادِنَا إِلَى شَاطِئِ الْأَمَانِ، وَوَضَعْنَاهُمْ عَلَى أَوَّلِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّ لِتَعْزِيزِ الْهُوِيَّةِ فِي قُلُوبِ النَّشْءِ مَكَاسِبَ عَدِيدَةً، مِنْهَا:

الْأَمَانُ مِنْ فِتْنَةِ التَّغْرِيبِ: تِلْكَ الَّتِي اجْتَاحَتْ نِسْبَةً كَبِيرَةً مِنْ شَبَابِنَا فَأَوْقَعَتْهُمْ فِي دَرَكَاتِ الشَّكِّ وَالْفُجُورِ وَالْإِلْحَادِ وَفِقْدَانِ الْهَدَفِ فِي الْحَيَاةِ، وَجَعَلَتْهُمْ مُسُوخًا وَصُوَرًا لَيْسَ لَهَا مِنْ جَوْهَرٍ! فَتَجْتَمِعُ -فِيمَنِ اسْتَكْمَلَ أَرْكَانَ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ- مُقَوِّمَاتُ حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ الثَّلَاثَةُ: "أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: إِنْشَاءُ جِيلٍ قَادِرٍ عَلَى الدِّفَاعِ عَنْ ثَوَابِتِ الْأُمَّةِ: جِيلٌ وَاعٍ بِمَا يُرَادُ بِأُمَّتِهِ وَبِدِينِهَا، وَمُدْرِكٌ لِأَبْعَادِ الْمُؤَامَرَةِ عَلَى هُوِيَّةِ الْأُمَّةِ، جِيلٌ يَمْلِكُ أَدَوَاتِ صَدِّ الْهَجَمَاتِ الْأَثِيمَةِ، وَقَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِوَاجِبِ حِرَاسَةِ الثَّوَابِتِ مَا امْتَدَّتْ بِهِ حَيَاةٌ، وَفِي ذَلِكَ حِفْظٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالتُّرَاثِ الْإِسْلَامِيِّ مِنَ التَّزْيِيفِ وَالتَّحْرِيفِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِبْعَادِ عَنْ مُعْتَرَكَاتِ الْحَيَاةِ، فَيَكُونُونَ جُنُودًا لِلَّهِ فِي أَرْضِهِ.

 

وَمِنْهَا: تَحْقِيقُ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ: فَيُحِبُّونَ مَنْ يُحِبُّ اللَّهَ، وَيُبْغِضُونَ مَنْ يُبْغِضُهُ، وَيُوَالُونَ مَنْ يُوَالِيهِ وَيُعَادُونَ مَنْ يُعَادِيهِ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي ذَرٍّ: "أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ -أَظُنُّهُ قَالَ: - أَوْثَقُ؟" قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَجَابَهُ: "الْمُوَالَاةُ فِي اللَّهِ، وَالْمُعَادَاةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ).

 

وَمِنْهَا: صَلَاحُ الشَّبَابِ وَرَخَاءُ الْأُمَّةِ: فَإِنَّ مَنْ تَكَامَلَتْ فِي قُلُوبِهِمْ أَرْكَانُ هُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ يَشُبُّونَ فِتْيَةً صَالِحِينَ وَاعِينَ يَحْمِلُونَ هَمَّ الْأُمَّةِ عَلَى كَوَاهِلِهِمْ، وَيَسْعَوْنَ لِعِزَّتِهَا وَنَهْضَتِهَا، يُذَكِّرُنَا حَالُهُمْ بِحَالِ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِيهِمْ: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[الْكَهْفِ: 13]، شَبَابٌ هَذَا حَالُهُمْ، وَهَذَا نَبْضُهُمْ، وَهَذِهِ أَوْصَافُهُمْ:

شَبَابٌ ذَلَّلُوا سُبُلَ الْمَعَالِي *** وَمَا عَرَفُوا سِوَى الْإِسْلَامِ دِينَا

إِذَا شَهِدُوا الْوَغَى كَانُوا كُمَاةً *** يَدُكُّونَ الْمَعَاقِلَ وَالْحُصُونَ

وَإِنْ جَنَّ الْمَسَاءُ فَلَا تَرَاهُمْ *** مِنَ الْإِشْفَاقِ إِلَّا سَاجِدِينَ

شَبَابٌ لَمْ تُحَطِّمْهُ اللَّيَالِي *** وَلَمْ يُسْلِمْ إِلَى الْخَصْمِ الْعَرِينَ

وَلَمْ يَتَشَدَّقُوا بِقُشُورِ عِلْمٍ *** وَلَمْ يَتَقَلَّبُوا فِي الْمُلْحِدِينَ

وَمَا عَرَفُوا الْأَغَانِيَ مَائِعَاتٍ *** وَلَكِنَّ الْعُلَا صِيغَتْ لُحُونَا

كَذَلِكَ أَخْرَجَ الْإِسْلَامُ قَوْمِي *** شَبَابًا طَاهِرًا غَضًّا أَمِينَا

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّنَا إِنْ قَصَّرْنَا فِي تَعْزِيزِ الْهُوِيَّةِ فِي قُلُوبِ أَطْفَالِنَا جَعَلَهُمْ ذَلِكَ عُرْضَةً لِكَثِيرٍ مِنَ الْمَخَاطِرِ وَالْمَهَالِكِ، وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْعَدِيدِ مِنَ الْمَحَاذِيرِ، وَمِنْ ذَلِكَ:

الْوُقُوعُ فِي الْفِتَنِ وَالِاغْتِرَارُ بِالْفِرَقِ الضَّالَّةِ: فَيَكُونُونَ رِيشَةً فِي مَهَبِّ الرِّيحِ تُقَلِّبُهَا حَيْثُ شَاءَتْ، لَا قَرَارَ لَهُمْ وَلَا مَبْدَأَ وَلَا غَايَةَ، فَيَصِيرُ خَيْرُ وَصْفٍ لَهُمْ مَا نَقَلَهُ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "هَمَجٌ رَعَاعٌ، أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ"(رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ).

 

وَمِنْهَا: الْهَزِيمَةُ النَّفْسِيَّةُ: بِحَيْثُ يُمَجِّدُونَ عَدُوَّهُمْ، وَيَجْتَهِدُونَ فِي تَقْلِيدِهِ وَمُحَاكَاتِهِ فِي إِكْبَارٍ وَانْبِهَارٍ، وَيَعِيبُونَ أُمَّتَهُمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الِازْدِرَاءِ وَالِاحْتِقَارِ، وَيَتَنَكَّرُونَ لِدِينِهِمْ وَلِمُجْتَمَعِهِمْ وَلِلْمُثُلِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ يَسْقُطُونَ فِي مَذَلَّةِ التَّبَعِيَّةِ لِلْغَيْرِ؛ فَتَرَاهُمْ يُوَلُّونَ وُجُوهَهُمْ تُجَاهَ الْغَرْبِ وَالشَّرْقِ: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[النِّسَاءِ: 139]، وَيَتَحَقَّقُ فِيهِمْ حِينَئِذٍ مَا تَنَبَّأَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ: "لَتَتَّبُعُنَّ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَمَنْ غَيْرُهُمْ؟!

 

وَمِنْهَا: مُعَادَاةُ الْمُصْلِحِينَ وَمُنَاهَضَةُ دَعَوَاتِهِمْ: وَشَيْطَنَتُهُمْ بِوَصْفِهِمْ بِالتَّطَرُّفِ وَالرَّجْعِيَّةِ وَالْعِمَالَةِ.. وَلَا عَجَبَ فَإِنَّ آبَاءَهُمْ لَمْ يُعَرِّفُوهُمْ بِصَحِيحِ الدِّينِ، وَلَمْ يُحَذِّرُوهُمْ مِنْ مُؤَامَرَاتِ أَعْدَائِهِمْ، وَلَمْ يُحَصِّنُوهُمْ ضِدَّ أَفْكَارِهِمُ الْمَسْمُومَةِ، حَتَّى صَارَ أَوْلَادُهُمْ حُرَّاسَ الْعَلْمَانِيِّينَ دَاخِلَ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ!

 

أَيُّهَا الْمَرْبُّونَ: أَطْفَالُنَا مَشْرُوعُنَا الْحَقِيقِيُّ؛ وَرِسَالَتُنَا الْأُولَى، وَحَامِلُو كَمَالِ الْجَمَالِ فِي شِرْعَتِنَا، وَصِغَارُ الْيَوْمِ هُمْ أَكَابِرُ الْغَدِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ نَحُوطَهُمْ بِالرِّعَايَةِ وَالْعِنَايَةِ حَتَّى يَكُونُوا لَبِنَاتِ خَيْرٍ فِي نَشْرِ دِينِهِمْ وَنَفْعِ أُمَّتِهِمْ.

 

فَاللَّهُمَّ أَصْلِحْ حَالَ أَوْلَادِنَا، وَزَيِّنِ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ فِي قُلُوبِهِمْ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
H8XYlKb3nlE0T4kFS9O5IWiUnkAnZdkF8R844b79.doc
caziTyFFpYtHj1oMikO3r8qsHWfJhrCj8Aix71H9.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life