عناصر الخطبة
1/محاولات الكيد ضد الإسلام عبر التاريخ وفضح الله لذلك 2/بعض وسائل أعداء الإسلام في الكيد ضد الإسلام 3/بعض مكائد الكفار ضد الإسلام وأهله 4/بقاء الإسلام رغم الصد عنه والكيد ضدهاهداف الخطبة
اقتباس
حاولوا صدَّ الناس عن اتباع الرسول، ووصفوه بأشنع الأوصاف، وحاولوا قتله، وقاتلوه وقاتلوا أتباعه، فلم يفلحوا، ثم لجؤوا إلى طريقة خبيثة ماكرة، وهي الدخول في الإسلام ظاهراً، والكيد له باطناً، فكان فريق المنافقين. وسرعان ما فضح الله كيدهم، وحذّر المسلمين من شرهم، وكشف نواياهم، وخططهم، ولما ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، أعزّنا بالإسلام، وجعلنا به خير أمة أُخرجت للناس.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو ربّ الناس، ملك الناس، إله الناس.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى جميع الناس، وجعل شريعته باقية وعامة لجميع الأجناس، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به واتبعوه، ونشر دينه وبلّغوه، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واعلموا أنكم مسئولون عن دين الإسلام، وما قمتم به نحوه في خاصة أنفسكم ومع غيركم، قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف: 44].
وقال تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ) [الأعراف: 6 - 7].
عباد الله: إن أعداء الإسلام منذ بعث الله رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وهم يكيدون له، ويحاولون القضاء عليه، قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
وقال تعالى: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) [النساء: 89].
وقال تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) [البقرة: 217].
حاولوا صدَّ الناس عن اتباع الرسول، ووصفوه بأشنع الأوصاف، وحاولوا قتله، وقاتلوه وقاتلوا أتباعه، فلم يفلحوا، ثم لجؤوا إلى طريقة خبيثة ماكرة، وهي الدخول في الإسلام ظاهراً، والكيد له باطناً، فكان فريق المنافقين.
وسرعان ما فضح الله كيدهم، وحذّر المسلمين من شرهم، وكشف نواياهم، وخططهم، ولما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- تألّب اليهود، والمجوس على المسلمين، فأظهر ناس منهم الإسلام خدعة، واندسوا بين المسلمين لبثّ الفتنة والإفساد، وادّعوا التشيّع لأهل البيت، واغتالوا الخلفاء، وأثاروا الحروب بين المسلمين.
ولكن سرعان ما أبطل الله كيدهم، واجتمعت كلمة المسلمين، واستردّت الدولة الإسلامية سيطرتها على مشارق الأرض ومغاربها، في عهد الدولة الأموية والعباسية.
فتحول هؤلاء المنافقون من اليهود والمجوس إلى منظمات سرية، فكانت منهم "منظمة إخوان الصفا" التي أصدرت رسائلها في الدعوة إلى الإلحاد، والتشكيك في الدين، وإفساد العقائد، وعرفت عند المسلمين ب"رسائل إخوان الصفا" وتشعبت هذه الطائفة المدسوسة على المسلمين إلى فرق القرامطة والباطنية الإسماعلية، ودسّوا على المسلمين نحلة جديدة، هي نِحلة التصوف الذي نَمَت بذوره وطورت مناهجه، وصار يعمل إلى جانب التشيّع لهدم الإسلام، فبثّت هاتان الفرقتان فتنة البناء على القبور، وتشييد المشاهد الشركية التي أصبحت أوثاناً تُعبد من دون الله، في كثير من البلاد ولا تزال.
وجاء غزو التتار الذي فتك بالمسلمين، وقتل الخليفة، واحتل كثيراً من بلاد المسلمين، وقتل كثيراً من العلماء، وأحرقوا الكتب، ودارت بينهم وبين بقية المسلمين معارك هائلة، انتهت بانتصار المسلمين.
ثم جاء الغزو الصليبي النصراني، فاحتل كثيراً من بلاد الشام، واستولى على المسجد الأقصى مدة من الزمن، وقاتلهم المسلمين، حتى نصرهم الله على يد القائد المسلمين صلاح الدين الأيوبي الذي خلّص المسجد الأقصى من قبضتهم.
ولما ضعف المسلمون في العصور المتأخرة غزاهم الاستعمار الكافر، واستولى على كثير من بلادهم، وقسّمهم إلى دويلات، وبثّ سمومه وأحقاده فيهم.
ولما انحسر هذا الاستعمار السياسي، بقي الاستعمار الفكري الذي هو عبارة عن الإلحاد في العقائد، والفساد في الأخلاق، والإغراق في الشهوات البهيمية.
وتكونت المنظمات والإرساليات التبشيرية النصرانية، والمنظمات الماسونية اليهودية، واتجهت كل هذه المنظمات تكيد للإسلام والمسلمين، بشتى الوسائل.
وإلى جانب هذه المنظمات الهدّامة الغزو الشيوعي الإلحادي الإباحي الذي ينكر الأديان جملة، ولا يعترف بوجود الخالق.
إن كل هذه الروافد الكفرية تصب في مصب واحد هو قصد القضاء على الإسلام.
وقد استأجرت هذه المؤسسات الكفرية قوماً من جلدتنا، ويتكلمون بلغتنا، استأجرتهم لتنفيذ مخططاتها في المسلمين، فاستغلوا بعض القادة العرب ليكون عميلاً لهم في تنفيذ سياستهم.
واستغلوا الفرق المنحرفة التي تتسمى بالإسلام، كالصوفية، وعباد القبور، فشجعتهم، وركّزتهم، حتى ينتشر مذهبهم المنحرف على أنه هو الإسلام، ويقضي على الدين الصحيح، فلا تجد طائفة منحرفة عن الإسلام إلا ولها مَن يدعمها من أُمم الكفر.
واستغلوا وسائل الإعلام من إذاعة وتلفاز وصحافة في غالب البلاد العربية، ودسّوا فيها البرامج الفاسدة المفسدة، من أفلام خليعة، وأغانٍ ماجنة، وصور عارية، ومعازف ومزامير ملهية، وأناشيد مثيرة وتمثيليات مغرضة، وكتابات منحرفة في الصحف والمجلات، تندد بالدين وتدعو إلى الكفر والإلحاد، والتحلّل من الأخلاق الفاضلة.
واستغلوا المناهج التعليمية في بعض البلاد العربية، فحوّلوها أو حوّلوا كثيراً منها لخدمة مبادئهم، وتلقين الشباب المذاهب الهدّامة، وغرس الكفر في نفوسهم، وإعطائهم صورة مشوّهة عن الإسلام وعقيدته.
واستغلوا الأندية الرياضية في بعض البلاد العربية لتضليل الشباب، وإشغالهم عن العمل النافع لمجتمعهم، بالأنشطة الرياضية التي شغلت أوقاتهم، وعطّلت طاقاتهم بلا فائدة تعود عليهم ولا على مجتمعهم.
وبهذا تمكنت الماسونية وشقيقاتها من المنظمات الكفرية من تعطيل طاقات هؤلاء الشباب، حتى لا تستفيد منهم مجتمعاتهم، ولا يتنبهوا لكشف مخططاتهم؛ لأن قوة الأمة أو ضعفها يتركز على شبابها، ومدى انتباههم.
واستغلت هذه المنظمات الكفرية، جانب الكتاب والتأليف، واستأجرت بعض الكتّاب المشبوهين المنتسبين للإسلام والكتاب الجهال الذين ليست لديهم معلومات كافية عن الإسلام، وثقافتهم فيه ضحلة.
فأخذ هؤلاء وأولئك يكتبون عن الإسلام، كتابات سيئة، وعن تشريعاته في النكاح والطلاق والحدود والجهاد، يتهمونه فيها بالقسوة والوحشية، وأنه ظَلَم المرأة وعطّلَها عن العمل، وحرَم المجتمع من مشاركتها في التنمية والعمل، بل قالوا: إن الإسلام لا يصلح نظاماً للحكم في هذا الزمان.
فيجب أن يستبدل بالقوانين الوضعية، واستجاب لهم مَن استجاب، وبقيت هذه البلاد السعودية بقيادتها الرشيدة، وستبقى -إن شاء الله- تحكم بالشريعة الإسلامية، غير متأثرة بتلك الدعوات الباطلة، فمنحها الله العز والأمن والتمكين -ولله الحمد-.
ومن هؤلاء الكتّاب الماسونيين والمستشرقين والمأجورين من كتّاب العرب مَن ينتقد كتب السنّة النبوية، وكتب الفقه والعقائد والتفسير وكتب التاريخ، ويقول: لا بد من إعادة كتابتها من جديد.
وغرضهم من ذلك تشكيك المسلمين في رصيدهم العلمي، وقطع صلتهم به، حتى يسهل تضليلهم وفصلهم عن السلف الصالح، وربطهم بثقافة الماسون وتلاميذهم.
ومن دسائس هذه المنظمات الكفرية: دعوتها إلى إحياء الآثار القديمة، والفنون الشعبية المندثرة، حتى يشغلوا المسلمين عن المثمر بإحياء الحضارات القديمة، والعودة إلى الوراء، وتجاهل حضارة الإسلام.
وإلا فما فائدة المسلمين من البحث عن أطلال الديار البائدة، والرسوم البالية الدارسة؟ وما فائدة المسلمين من إحياء عادات وتقاليد، أو ألعاب قد فنيت وبادت، في وقت هم في أمسّ الحاجة إلى العمل الجاد المثمر، وقد أحاط بهم أعداؤهم من كل جانب، واحتلوا كثيراً من بلادهم وبعض مقدساتهم؟
إنهم في مثل هذه الظروف بحاجة إلى العودة إلى دينهم، وإحياء سنّة نبيّهم، والاقتداء بسلفهم الصالح، حتى يعود لهم عزّهم وسلطانهم، وحتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم لردّ أعدائهم، وأن يعتزوا برصيدهم العلمي من الكتاب والسنّة والفقه، ويستمدوا من ذلك خطة سيرهم في الحياة، ويقرؤوا تاريخ أسلافهم لأخذ القدوة الصالحة من سيرهم.
أما أن ينشغلوا بالبحث عن آثار الديار، وإحياء الفنون الشعبية بالأغاني والأسمار، وإقامة مشاهد تحاكي العادات القديمة، فكل ذلك مما لا جدوى فيه، وإنما هو استهلاك للوقت والمال في غير طائل، بل ربما يعود بهم إلى الوثنية، والعوائد الجاهلية.
فاتقوا الله -عباد الله-، واعملوا ما فيه صلاح لكم ولأمتكم وأوطانكم في دينكم ودنياكم: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، حذّرنا من مكائد الكفّار، وبيّن لنا أنهم لا يألون جهداً في طلب الإضرار بنا، وإن تظاهروا لنا بالمودّة والصداقة، فقال تعالى: (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ) [التوبة: 8]. وأشهد أن لا إله إلا الله، إليه يرجع الأمر كله، ولا عزّ إلا بطاعته وعبادته وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، وجعل الذلّة والصغار على مَن خالف أمره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، واحذروا مما حذّركم منه، ولا تعصوه.
عباد الله: ومن مكائد الكفار: تحكمهم في النظم الاقتصادية، واستباحة الربا والمعاملات المحرمة باسم التنمية الاقتصادية.
وتأثَّر بهم كثير من المسلمين، حتى أصبح الربا أساسَ مصادر الثروة في العالم، وفتحت المؤسسات الربوية، وعمّمت في كثير من البلاد.
وصار كثير من المسلمين يستثمرون أموالهم فيها، أو يقترضون منها بالفوائد الربوية، مع أن الربا من الكبائر الموبقة، وقد توعد الله آكله بأشدّ الوعيد، وأعلن الحرب عليه، ولعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله، وشاهديه وكاتبه.
وقد تجاهل بعض المسلمين، أو تناسى هذه التهديدات الربانية، وتأثر بالدعوات المضلِّلة،، وحمله حبّ المال على التعامل الربوي، أخذاً وإعطاءً.
فاتقوا الله -عباد الله-، واقنعوا بما أباح الله من المكاسب، ففيه البركة والخير، وأما الكسب المحرم، فإنه شرٌّ ووبال وعقاب، وعاجل وآجل.
إنْ أكل منه تغذى بحرام، ونبت جسمه من سحت، وكل جسم نبت من سحت، فالنار أولى به، وإن تصدّق منه لم يقبل، وإن مات وورّثه لغيره كان زاده إلى النار، فماذا استفاد إذن؟
إنه لم يستفد منه إلاّ التعب في الدنيا والعذاب في الآخرة، وأيّ عاقل يرضى لنفسه بذلك؟
اللَّهم أغننا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمّن سواك، وقِنا شُحّ أنفسنا: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن: 16].
عباد الله: ومع هذه المكائد والأتعاب التي يبذلها الكفار للصدّ عن دين الإسلام، فإن الإسلام سيبقى غضّاً طرياً كما أنزل، لا تؤثر عليه تلك الدعايات مهما بلغت، كما تكفل الله بحفظه، وسيقيّض الله له أنصاراً يتمسكون به، ويحمونه، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرّهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله -تعالى-، وهم على ذلك".
ولكن الشأن بنا، فإننا إن غيّرنا وبدّلنا غيّر الله علينا واستبدلنا بغيرنا، كما قال الله -تعالى-: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].
فاتقوا الله -عباد الله-، وتمسكوا بكتاب الله وسنّة رسوله، والزموا جماعة المسلمين، واحذروا البِدَع والمحدثات، فإن خير الحديث كتاب الله ... إلخ.
التعليقات