عناصر الخطبة
1/هول النار 2/ وصف النار وحال أهلها 3/كيف النجاة من النار؟اقتباس
الحديث عن النار حديث صدقٍ وحق؛ فيها جبالٌ وأوديةٌ وأنهرٌ وشعاب، فيها دركاتٌ ومنازل، وهي سوداء مظلمة قاتمةٌ معتمة، لها صوتٌ يسمع من بعيد.. تشهق وتزبر تمور موراً، و (تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ الْمُكَذِبِين). الحزن فيها دائمٌ وطويل، وللناس فيها صياحٌ وضوضاء وعويل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الحول والطول والملكوت، له الكبرياء في السماوات والأرض وله العزة فيهما والقهر والجبروت، أليم العذاب شديد العقاب وهو دائمٌ حيٌّ لا يموت، سبحانك اللهم مَن الذي أمِن مكرك فما خسر؟! ومن الذي استهان بحرماتك فما ندم؟! ومن الذي تعرض لوعيدك فسلم؟!
وأشهد أن لا إله إلا أنت سبحانك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك، صلى الله عليه فما كان أخشاه لله وأخشعه! وصلى الله عليه ما كان أتقاه وأورعه! وصلى الله عليه فكم سح لله أدمعه! وصلى على الآل والصحب الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وتأهبوا للقاء الله واحذروا عقابه؛ فإن أجسادكم على حر النار لا تقدر ولا تقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر:18].
عباد الله: لقد كان من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- تعاهد أصحابه بالموعظة وربط أحوالهم بالآخرة، وفي الصحيحين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا؛ فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف؛ فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد من تجدون من الزمهرير"، وفي الصحيحين -أيضاً- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم".
أيها المسلمون: مصيرٌ أرَّق عيون الصالحين، ومنقلبٌ أوجف قلوب المتقين، ونهايةٌ أظمأ توقيها نهار العابدين، وأطال في الليل قيام المتألهين، وخاتمةٌ أدامت الحزن في محيا المتأوهين، (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُون َرَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)[السجدة:26]. إنها -أيها المسلمون- النار.
النار خلقٌ عظيم من خلق الله، وهي الدار التي أعدها الله للكافرين؛ فهي مأوى الظالمين وسجن الكافرين وعقوبة العصاة والمخالفين، وهي الخزي الأكبر والخسران المبين.. هي الشر الذي لا خير فيه والورد الذي لا بد منه، قديمة النشأة سالفة الوجود (وَاتْقَوُا النَّارَ التَيِ أُعِدَتْ لِلْكَافِرِينَ)[آل عمران:131]؛ فهي معدةٌ ومخلوقة، وقد رآها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث المخرج في الصحيحين في صلاة الكسوف.
أيها المسلمون: الحديث عن النار حديث صدقٍ وحق؛ فيها جبالٌ وأوديةٌ وأنهرٌ وشعاب، فيها دركاتٌ ومنازل، وهي سوداء مظلمة قاتمةٌ معتمة، لها صوتٌ يسمع من بعيد.. تشهق وتزبر تمور موراً، و (تًرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَاَلَةٌ صُفْرُ وَيْلٌ يَوَمَئِذٍ الْمُكَذِبِين)[المرسلات:32-33].
الحزن فيها دائمٌ وطويل، وللناس فيها صياحٌ وضوضاء وعويل.. قلوب أهلها ملئت قنوطًا ويأساً، ولا تزيدهم الأيام فيها إلا شدةً وبؤساً، فيها من العذاب والآلام ما تعجز عن وصفه الألسن والأقلام، وفيها من الأهوال والأحزان ما تتقاصر دون تصوره الأذهان: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً)[الفرقان:66].
خوَّف الله بها ملائكته المقربين: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)[الأنبياء:29].. وقال لرسوله الكريم: (لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهً آَخَرَ فَتُلْقَى فِيْ جَهَنَمَ مَلُومًا مَدْحُورًا)[الإسراء:22].
وخوف الرسول بها صحابته وأمته فأنذرهم النار وقال: "أنذرتكم النار. أنذرتكم النار"؛ أفبعد هذا يأمن بقية العالمين؛ بلها المقصرين؟!.
يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "والله ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها، والله ما أُنذر العباد بشيء أدهى منها" (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى* لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)[الليل:14-16]، وفي التنزيل العزيز: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً)[مريم:71]؛ فأين الخوف من ذلك المورد؟! إن من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، وتالله ما نجا إلا المؤمنون: (قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطور:26-28].
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها"(رواه مسلم).
لها صوتٌ رهيب وتحطمٌ ووجيج، قال تعالى: (إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)[الفرقان:12]، وقال تعالى: (تَكَادُ تَميز مِنَ الغَيْظِ)[الملك:8].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزءٌ من سبعين جزء من نار جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافية، قال: فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها"(رواه البخاري ومسلم).
(هذِهِ جَهَنَّمُ الّتي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ)[الرحمن:43] يدخلونها بأشد خطاب ثم توصد عليهم الأبواب: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ* إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ)[الهمزة:6-9].
وقودها الناس والحجارة.. لا تنطفي نارها مع تطاول الزمان ولا يخبو أوارها مع مر الأيام (كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)[الإسراء:97].
وهم مع ذلك مقيدون: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً)[الإنسان:4] (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)[غافر:71-72]، وفوق ذلك يضربون ويهانون (وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)[الحج:22-23].
يلبسون من النار ويُصهرون: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ)[إبراهيم:49-50]. وفي سورة الحج: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ)[الحج: 19-21]. أرأيت كيف يُشوَى اللحم على النار؛ فهكذا في جهنم حال الكفار (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا)[الأحزاب:66]، (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ)[المؤمنون:104].
أما طعامهم فعذاب وشرابهم فعذاب: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)[الغاشية:6]، والضريع: شوكٌ يخرج بأرض الحجاز لائط بالأرض: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)[الدخان:43-46]؛ والزقوم: شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين.
أما شرابهم فالغسلين والغساق، وهو عصارة أهل النار: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ)[الكهف:29] (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ)[محمد:15]، وفي الآية الأخرى: (وَيُسْقَى مِنْ مَاء صَدِيد يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)[إبراهيم:16-17]، هذه بعض صور العذاب؛ فهل تساوي شهوة ساعة من الدنيا؟!
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغةً ثم يُقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيماً قط؟ فيقول: لا والله يا رب"(رواه مسلم).
إنها غمسةٌ واحدةٌ وينسى الإنسان كل نعيم الدنيا ولذائذها وشهواتها: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى)[المعارج:11-17].
عباد الله: وإذا طال البلاء على أهل النار وبلغ منهم العذاب كل مبلغ وكثرت حسراتهم وندامتهم طلبوا الخروج والمثاب: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)[فاطر:37] ويعترفون بذنوبهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)[المؤمنون:106-107]؛ فيجابون بعد زمان: (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[المؤمنون:108]، ثم يطلبون من خازن النار أن يشفع عند الله ليهلكهم وليميتهم حتى يتخلصوا من العذاب: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)[الزخرف:77].. إنه الرفض لكل ما يطلبون.. ويؤتى بالموت ليذبح، ويقال لأهل الجنة: "خلود فلا موت، ويقال لأهل النار: خلود فلا موت" الحديث في صحيح البخاري؛ هنالك يشتد نحيب أهل النار ويعظم حزنهم ويطول بكاؤهم؛ فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود من البكاء.
أيها المسلمون: إن من كمال عدل الله -عز وجل- أن لا يساوي بين المطيع والعاصي والمصلح والمفسد: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)[القلم:35-36].
وإن الله -تعالى- وصف لنا عقابه؛ فليس للعاصي على الله حجة؛ فالكفر والنفاق سبب للخلود في النار: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[التوبة:68]، ومن انتصر برأيه معارضا أمر الله وشرعه فليسمع قول الله -عز وجل-: (ألم يَعْلَموا أنه من يُحَادِدِ اللهَ ورسولَه فأن له نارَ جهنمَ خالدًا فِيِهَا ذَلِكَ الخِزْيِ العَظِيِم)[التوبة:63].
وويلٌ ثم ويلٌ لتارك الصلاة حين يسأل: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِبُ بِيَوْمِ الدِينِ *حَتَى آَتَانَا اليَقِين * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)[المدثر:42-48].
وأكل الربا موجبٌ لدخول النار، وأكل أموال اليتامى ظلمًا: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء:10].
وفي صحيح مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله -تعالى-: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري؛ فمن نازعني واحدة منهما أدخلته النار".
وفي القرآن العظيم: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء:93].
وأكل أموال الناس بالباطل والانتحار مقرونان في آيةٍ واحدة، قال الله -عز وجل- (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إًنَّ اللّهَ كَانَ بًكُمْ رَحًيماً وَمَن يَفْعَلْ ذَلًكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلًيهً نَاراً وَكَانَ ذَلًكَ عَلَى اللّهً يَسًيراً)[النساء:29-30].
واليمين الكاذبة تغمس صاحبها في النار؛ لذا سميت يمينًا غموسا، والركون إلى الظَّلَمة والميل معهم: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)[هود:113].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلات روؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"(رواه مسلم)، وعند عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار"، فقالت امرأةٌ منهن: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللعن وتكفرن العشير"(رواه البخاري ومسلم).
وأما المراؤون فهم أول من تُسعَّر بهم النار يوم القيامة كما في الصحيحين، وقل للذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم بلا وزنٍ ولا حساب، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم".
النار موعودٌ بها مدمن خمر وقاطع رحم والمصدِّق بالسحر والنمام و"مَن اقتطع من مال أخيه شيئا بغير حق يأخذه بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار".
أيها المسلمون: وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- صورا من عذاب أهل النار؛ كما في حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه-: فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- "رجلًا مضجعًا وآخر قائمًا يهوي بصخرةٍ على رأسه فيثلغ صدره ويتدحرج الحجر، ثم يصح رأسه فيثلغه بالحجر على رأسه مرة أخرى"، وقال في الحديث: " فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ"؛ كما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- "رجلا مستقليا لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول" ويكرر ذلك، وقال في الحديث: "فإنه الرجل الذي يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق"، ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- "مثل التنور فيه لغطٌ وأصوات وفيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ يأتيهم لهبٌ من أسفل منهم فيصيحون"، وقال: "هؤلاء هم الزناة والزواني"، ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- "نهرا أحمر كالدم وإذا في النهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وإذا على شطِّ النهر رجلٌ قد جمع عنده حجارةٌ كثيرةٌ، وإذا ذلك السابحُ يسبَح ما يسبحُ، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارةَ، فيفغر له فاهُ فيلْقمْه حجرًا" ويكرر ذلك، وقال: هذا "آكلُ الربا"، وقال: "فأتينا على رجلٍ كريهِ المرآةِ، كأكره ما أنت راءٍ رجلًا مرآةً، فإذا عنده نارٌ يحشُّها ويسعى حولها"، وقال: هذا "مالكٌ خازنُ جهنمَ"، الحديث (رواه البخاري)؛ فهل بعد هذا الوعيد من وعيد؟! (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق:37].
اللهم أجرنا من عذاب النار. اللهم أجرنا من عذاب النار. اللهم أجرنا من عذاب النار. (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران:16].
نفعنا الله بهدي كتابه وأجرنا من خزيه وعذابه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أعطاه ومذل من عصاه، مجير من استجاره ومجيب من ناداه، أحمده -تعالى- وأشكره وأثني عليه وأستغفره، وأسأله النجاة لي ولكم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فكلام الله الحق: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)[آل عمران:185]، والإيمان والعمل الصالح هو -والله- طريق الفوز والفلاح، ووعد الله ووعد رسوله صدق؛ فلن يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله"(رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني).
وللتقوى منزلة عظيمة: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[الرحمن:46].
والدعاء والاستعاذة بالله بابٌ عظيمٌ للنجاة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما سأل أحدٌ الله الجنة ثلاثًا إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، وما استجار مسلم من النار ثلاثًا إلا قالت النار: اللهم أجره مني"(رواه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح).
ونحن في إقبال شهرٍ عظيم شهر العتق من النار؛ فـ "من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا"(متفق عليه)، وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، و"لله عتقاءَ في كلِّ يوم وليلة".
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك نسألك اللهم أن تدخلنا الجنة وأن تجيرنا من عذاب النار، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار. اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار. اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره، اللهم ادفع عن الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم انصر به دينك وأعل به كلمتك، اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين، اللهم ووفقه ولي عهده ونائبه الثاني لما تحبه وترضاه يا سميع الدعاء.
اللهم انصر المستضعفين من المسلمين، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين وفرِّجْ كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين ، واشف برحمتكم مرضانا ومرضى المسلمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201]، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم يا رب العالمين، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسِّرْ أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه لما يرضيك من العمل الصالح، وتقبل منا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.. (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة 127-128].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الصافات:180-182].
التعليقات