د. أمين بن عبدالله الشقاوي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن من الذنوب العظيمة التي حرمها الله ورسوله، ولعن فاعلها، الربا، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 275].
وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 278].
روى مسلم في صحيحه من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: "هم سواء"[1].
وروى البخاري في صحيحه حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم، وجاء فيه: "أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، فأتينا على نهر - حسبت أنه كان يقول -: أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل عنده قد جمع حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما سبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه، فيلقمه حجرًا، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر فاه فألقمه حجرًا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قالا: أما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجاة، فإنه آكل الربا"[2].
وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات... وذكر منها: الربا"[3].
ومن صور الربا المحرم: شراء الأسهم الربوية، أو إيداع الأموال في البنوك، وأخذ الزيادة الربوية التي يسمونها فوائد، أو الاقتراض من البنوك، ورد المبالغ إليها مع الزيادة الربوية، وإن من الجرائم العظيمة، والأمور الخطيرة ما نسمعه ونشاهده هذه الأيام من تسابق أهل هذه البنوك بوضع شتى الطرق والحيل والدعايات لإيقاع الناس في الربا، وترغيبهم بشتى الوسائل لتزداد أرصدتهم من هذه الأموال الخبيثة، وعلى سبيل المثال ما يسمى بطاقة فيزا سامبا، وقد صدرت فيها فتوى من اللجنة الدائمة بتحريم التعامل بها، وأنها من الربا الذي حرمه الله ورسوله.
جاء في الفتوى رقم (١٧٦١١): يتداول بين الناس في الوقت الحاضر بطاقة فيزا سامبا، صادرة من البنك السعودي الأمريكي، وقيمة هذه البطاقة الذهبية (٤٨٥) ريالًا، وإذا كانت فضية (٢٤٥) ريالًا، تسدد هذه القيمة سنويًا لمن يحمل بطاقة فيزا للاستفادة منها كاشتراك سنوي، ويحق لحامل هذه البطاقة أن يسحب من فروع البنك المبلغ الذي يريده سلفة، ويسدد بنفس القيمة خلال مدة لا تتجاوز أربعة وخمسين يومًا، وإذا لم يسدد المبلغ المسحوب سلفة خلال الفترة المحددة يأخذ البنك عن كل مئة ريال فوائد قيمتها ريال وخمس وتسعين هللة (١٫٩٥)، ويحق لحامل هذه البطاقة شراء البضائع من المحلات التجارية التي تتعامل مع البنك، دون أن يدفع مالًا نقديًا، وتكون سلفة عليه للبنك، وإذا تأخر عن سداد القيمة عن مدة أربعة وخمسين يومًا يأخذ البنك عن كل مئة ريال ريالًا وخمسًا وتسعين هللة، فما حكم استعمال هذه البطاقة، والاشتراك السنوي مع هذا البنك.
الجواب: إذا كان حال بطاقة فيزا سامبا كما ذكر، فهذا إصدار جديد من أعمال المرابين، وأكل لأموال الناس بالباطل، وتأثيمهم، وتلويث مكاسبهم، وتعاملهم، وهو لا يخرج عن حكم ربا الجاهلية المحرم في الشرع المطهر (إما أن تقضي، وإما أن تربي)، ولهذا لا يجوز إصدار هذه البطاقة، ولا التعامل بها. اهـ.
ومن صوره كذلك بيع العينة، ويسميه بعض الناس الدينة، ومثاله: أن يبيع شخص سلعة على شخص آخر بمبلغ ألف ريال مؤجلة لمدة سنة، ثم في نفس الوقت يشتري البائع سلعته من المشتري بمبلغ خمسمئة ريال معجلة، وتبقى الخمسمئة ريال في ذمة المشتري الأول، وقد ورد النهي الصريح من النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع العينة، روى الإمام أبو داود في سننه من حديث ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"[4].
ومن الشبهات التي يرددها بعض الناس قول بعضهم: أنا مضطر لأخذ القرض من هذا البنك الربوي، فعندي ضائقة مالية، أو أريد أن أتزوج، أو أريد أن أبني مسكنًا ولم أجد من يقرضني من الناس، والضرورات تبيح المحظورات، والجواب عن ذلك أن يقال: إن الضرورة إنما تكون عند خوف الشخص على حياته، فتباح له بقدر الحاجة، كأن يكون في خارج البلد، واشتد به الجوع والعطش حتى كاد أن يموت، ولم يجد إلا خمرًا أو ميتة، فتباح له بقدر ما يسد رمقه.
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 173].
وقال بعض أهل العلم: إنه يتناول ثلاث لقم ولا يزيد عليها، وأيضًا يقال لهذا وأمثاله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
ومن الشبهات كذلك قول بعضهم: إن هذه البنوك مؤسسات تجارية، فهي تدفع رواتب للموظفين، وتدفع إيجارًا للمبنى، وتحتاج إلى أجهزة تشتريها بمبالغ مالية، وغير ذلك، فالقروض التي تعطيها للناس بفوائد إنما هي للمصاريف الإدارية، وهذا كلام فيه تضليل؛ لأن صورة الربا التي وردت النصوص الشرعية بتحريمها موجودة، ومنطبقة على هذه البنوك، وسواء سميت مصاريف إدارية، أو فوائد، أو غير ذلك، فالأسماء لا تغير الحقائق، وقد صدرت فتاوى من علماء هذه البلاد بتحريم التعامل مع هذه البنوك، عملًا أو شراءً أو اقتراضًا أو غير ذلك، جاء في الفتوى رقم ( ٣١٩٧ ): ما حكم الزيادة التي تأخذها البنوك؟
الجواب: الفائدة التي تأخذها البنوك من المقترضين، والفوائد التي تدفعها للمودعين عندها، هذه الفوائد من الربا الذي ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع. اهـ.
وجاء في الفتوى رقم (١٠٨٠): هل ينطبق على كاتب الحسابات في بنك حديث لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه؟
الجواب: البنوك تتعامل بالربا مع من تقرضه، ومع من يودع فيها نقودًا، ومع غيرهم، ولا بد لمن عمل فيها كاتبًا للحسابات أن يتولى حساب المعاملات الربوية، ويقيد في الدفاتر ما على كل من أطراف المعاملات، وما له، ويتحدد بذلك المدين من الدائن، وعلى ذلك ينطبق الحديث المذكور على كاتب الحسابات في البنوك الربوية، وما في حكمها من المصارف. اهـ[5].
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] برقم (١٥٩٨).
[2] برقم (٧٠٤٧).
[3] البخاري برقم (٢٧٦٦)، ومسلم برقم (٨٩).
[4] سبق تخريجه.
[5] فتاوى اللجنة الدائمة ( 13/344).
التعليقات