عناصر الخطبة
1/هوى الإنسان بين الخير والشر 2/ كيف يكون هوى المؤمن ؟ 3/ ثمرات تقديم ما يحبه الله ورسوله 4/ المشركون واتباع الهوى .اهداف الخطبة
التحذير من اتباع الهوى / بيان ثمرات تقديم محاب الله على هوى النفس .اقتباس
سائر المعاصي إنما تقع بسبب تقديم الهوى على محبة الله ورسوله، فالذي يترك الصلاة مع الجماعة من غير عذر شرعي إنما يفعل ذلك إتباعاً لهواه وشهوة نفسه قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ).
الحمد لله رب العالمين، خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً يدلنا على طريق الخير وينهانا عن طريق الشر، وأمرنا بطاعته واتباعه لنحصل على سعادة الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وكل من اتبعه وتمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثاً ولم تتركوا سدى، بل تحصى عليكم أعمالكم وأقوالكم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ثم تحاسبون عنها يوم القيامة وتجاوزن بها " فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد شراً فلا يلومن إلا نفسه" ثم إن الإنسان في هذه الحياة يهوى بقلبه ويحب ولا بد. فإن كان يهوى الخير ويحب ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وترتاح له نفسه ويبغض الشرور والمعاصي، فهذا هو المؤمن.
وإن كان يهوى الشرور والمعاصي ويكره ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهذا هو الكافر المنافق، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" قال الإمام النووي رحمه الله: حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وقد ورد في القرآن الكريم آيات تدل على هذا. قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء:65] وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36]
قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:9] وقال تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ* أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) [محمد:27-28]
فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله محبة توجب له الإتيان بما وجب عليه منه، وإن زادت المحبة حتى أتى بما يستحب منه كان ذلك فضلاً وزيادة خير، ويجب على المؤمن أن يكره ما يكرهه الله كراهة توجب له الكف عما حرم الله عليه منه، وإن زادت الكراهة حتى ترك ما ينبغي تركه تنزيهاً كان فضلاً، ومحبة الطاعات والإتيان بها، وبغض المحرمات والابتعاد عنها دليل على محبة الله ورسوله، ودليل على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31]
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين" فلا يكون المؤمن مؤمناً حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق ومحبة الرسول تابعة لمحبة الله، ومن أحب الله ورسوله حقاً قدم طاعتهما على هوى نفسه وملذوذاتها من الأموال والأولاد والأوطان إذا كانت هذه الأشياء تتعارض مع محبة الله ورسوله قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) [التوبة:24] .
ولذلك ترك المهاجرون أوطانهم وأموالهم لما كان البقاء فيها يتعارض مع طاعة الله ورسوله قال تعالى:(لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر:8] فنالوا رضي الله تعالى بسبب ذلك وعوضهم خيراً مما تركوا قال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ* لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) [الحج:58-59].
ومن آثر محبة الله على هوى نفسه فقدم ما يحبه الله على ما يحبه هو فقد وجد حلاوة الإيمان. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار" وجميع المعاصي إنما تنشأ عن تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه الكريم قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) [القصص:50] وأصحاب البدع إنما يحدثون بدعهم ابتاعاً لأهوائهم المخالفة لشرع الله ولذلك سمي المبتدعة بأصحاب الأهواء. والذين يحكمون القوانين الوضعية ويعرضون عن شرع الله إنما حملهم على هذا اتباع أهوائهم المخالفة لشرع الله. قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثية:18] وقال تعالى: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة:48] ومن أطاع هواه في مخالفة أمر الله فقد اتخذه إلهاً من دون الله قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان:43] وقد قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23].
وسائر المعاصي إنما تقع بسبب تقديم الهوى على محبة الله ورسوله، فالذي يترك الصلاة مع الجماعة من غير عذر شرعي إنما يفعل ذلك إتباعاً لهواه وشهوة نفسه قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) [مريم:59] فهذا الذي يسمع الأذان ولا يخرج للصلاة مع المسلمين إنما فعل ذلك إيثاراً للنوم والكسل أو اشتغالاً باللهو واللعب أو إيثاراً لجمع المال وحطام الدنيا. والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [المنافقون:9] ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9] والمنادي في صلاة الفجر يقول: (الصلاة خير من النوم) فمن كان يحب الله ورسوله ترك النوم وأجاب داعي الله، كما قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17] ومن آثر محبة النوم على محبة الله ورسوله فإنه يبقى على فراشه ولا يجيب داعي الله، فيكون قد بال الشيطان في أذنه وعقد عليه ثلاث عقد، وقال له: ارقد عليك ليل طويل وكان عذابه في القبر أنه يرضخ رأسه بالحجر، كلما رضخ عاد كما كان حيث كان يتثاقل عن صلاة الفجر. كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
فاتقوا الله يا عباد الله (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
التعليقات