عناصر الخطبة
1/السهر مخالف للشرع والفطرة 2/أضرار السهراقتباس
لا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُوجَدُ شَعْبٌ غَيْرَ الشَّعْبِ الْعَرِبِيِّ لَدَيْهِ نَفْسُ الْقُدْرَاتِ عَلَى الْعَبَثِ بِالْوَقْتِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَالِ وَتَضْيِيعِهَا عَلَى الْمُتَعِ التَّافِهَةِ.. فَرَبَّاتُ الْبُيُوتِ يَسْهَرْنَ حَتَّى سَاعَاتِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَنَمْنَ طُولَ الْيَوْمِ حَتَّى صَلاةِ الظَّهَرِ، وَقَدْ أَثَّرَ هَذَا سَلْبًا عَلَى...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَمَرَ عِبَادَهُ بِالْجِدِّ وَالاجْتِهَاد، وَالسَّعْيِ لِمَا فِيهِ مَصلَحَةُ الْعِبَاد، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه جَعَلَ السَّعْيَ إِلَى الْكَمَالِ الإِنْسَانِيِّ طَبِيعَةً بَشَرِيَّةً، وَالرُّقُيَّ بِالْأَوْضَاعِ إِلَى الْأَحْسَنِ غَايَةً دِينِيَّةً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، عَلَّمَ أُمَّتَهُ مَعَانِي الْهِمَّةِ وَالْعَزِيمَةِ، وَغَرَسَ فِيهِمْ قُوَّةَ الإِرَادَةِ وَالشَّكَيِمَةَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْأَخْلَاقِ الْقَوِيمَةِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِمَّا يَضُرُّكُمْ فِي دِينِكُمْ أَوْ دُنْيَاكُمْ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: مَعَنَا فِي خُطْبَةِ الْيَوْمِ مَوْضُوعٌ مُهِمٌّ جِدًّا، عَنْ عَادَةٍ سَيِّئَةٍ صَارَتْ تَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ انْتِشَارَ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ، عَادَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَمُخَالِفَةٌ لِلْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَمُخَالَفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الصِّحِيَّةِ الطِّبِيَّةِ، إِنَّهَا عَاَدةٌ تُؤَدِّي إِلَى مُخَالَفَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، وَإِلَى أَضْرَارٍ بَدَنِيَّةٍ، وَمَفاسَدَ اجْتِمَاعِيَّةٍ، إِنَّهَا عَادَةُ السَّهَرِ بِاللَّيْلِ وَالنَّوْمِ بِالنَّهَارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ السَّهَرَ إِلَى الْفَجْرِ أَوْ إِلَى قَرِيبٍ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِشَرْعِ اللهِ، وَمُخَالِفٌ لِطَبِيعَةِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، وَلَهُ آثَارٌ سَيِّئَةٍ خَطِيرَةٌ؛ فَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَمَحَلًّا لِلرَّاحَةِ وَالطُّمْأَنْيِنَةِ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام:96]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)[النبأ:10-11]؛ فَاللَّيْلُ وَقَتُ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ، وَالنَّهَارُ وَقْتُ النَّشَاطِ وَالْحَيَوِيَّةِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُشَاهَدَ أَنْ نَوْمَ النَّهَارِ لا يَكُونُ عِوَضًا وَلا بِدَيلاً عَنْ نَوْمِ اللَّيْلِ؛ فَاللَّيْلُ هُوَ السَّكَنُ، وَهُوَ وَقْتُ الرَّاحَةِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَهَذَا حَدِيثٌ وَاضِحٌ فِي كَرَاهَةِ السَّهَرِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ تُصَلَّى مِنْ بَعْدِ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ؛ فَلا يَنْبَغِي السَّهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضَيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَدَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَمَعْنَى جَدَبَ إِلَيْنَا السَّمَرَ: أَيْ عَابَهُ وَذَمَّهُ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إِيَّاكَ وَالسَّمَرَ بَعْدَ هَدْأَةِ اللَّيْلِ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا يَأْتِي اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ"(رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَا أَكْثَرَ مَنْ يَتَخَلَّفُ عَنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، خَاصَّةً فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ فِي رَمَضَانَ صَارَ التَّخَلُّفُ عَنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَقَدِ اشْتَكَى أَئِمَّةُ الْمَسَاجِدِ -حَفِظَهُمُ الله-ُ مِنْ قِلَّةِ الْمُصَلِّينَ في تِلْكَ الْأَوْقَاتِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَا أَقِيمَتِ الْجَمَاعَةُ فِي مَسْجِدِي صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي رَمَضَانَ إِلَّا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَقِيَّةُ الْأَيَّامِ أَنْتَظِرُ وَأَنْتَظِرُ ثُمَّ أُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَحَتَّى الْمُؤَذِّن لَمْ يَحْضُرْ، وَاللهُ الْمُسْتَعَان.
وَالنَّوْمُ عَنِ الصَّلَاةِ خَطِيرٌ جِدًّا؛ فَقَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي عَذَابِ الْقَبْرِ الْعَذَابَ الْفَظِيع؛ فَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرُّؤْيَا، قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). بَلْ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ سَبَّبَ لَهُ السَّهَرً تَرْكَ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ التِي هِيَ مِنْ أَهَمِّ الصَّلَوَاتِ، وَالتَّخَلُّفُ عَنْهَا مِنَ الذُّنُوبِ الْكَبِيرَاتِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"(رَوَاهُ مُسْلِم).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَمْ تَسَبَّبَ السَّهَرُ فِي ضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الاجِتْمَاعِيَّةِ وَالْعَائِلِيَّةِ وَالْوَظِيفِيَّةِ؛ فَمَا أَكْثَرَ الْغِيَابَ عَنِ الْوَظَائِفِ سَوَاءٌ فِي السِّلْكِ التَّعْلِيمِيِّ أَمْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْوَظَائِفِ، وَكَمْ يُعَانِي الْمُدَرَاءُ مِنْ تَغْطِيَةِ الْخَلَلِ الذِي يُسَبِّبُهُ غِيَابُ الْمُوَظَّفِ، وَمَا أَكْثَرَ مَا عَانَتِ الْأُمَّهَاتُ فِي الْبُيُوتِ مِنْ عَدَمِ قَضَاءِ حَاجِيَّاتِ الْبَيْتِ؛ بَلْ ضَرُورِيَّاتِهِ بِسَبَبِ إِهْمَالِ رَبِّ الْأُسْرَةِ فِي قَضَائِهَا لِأَنَّهُ يَسْهَرُ بِاللَّيْلِ وَيَنَامُ بِالنَّهَارِ، بَلْ رُبَّمَا اضْطَرَّ أَحَدُ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ لِلطَّبِيبِ فَلا يَجِدُ مَنْ يَأْخُذُهُ لِلْمُسْتَشْفَى، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْعَادَةِ الْقَبِيحَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا سَبَقَ فَإِنَّ السَّهَرَ نَتَائِجُهُ عَكْسِيَّةٌ، عَلَى صِحَّةِ الْمَرْءِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْقَلْبِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ، فَمَا أَشَدَّ تَأْثِيرَ السَّهَرِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَمَا أَوْضَحَ نَتَائِجِهِ عَلَى سَعَادَةِ الْقَلْبِ.
قَالَ أَهْلُ الطِّبِّ: إِنَّهُ مَعَ تَغَيُّرِ مَوَاعِيدِ النَّوْمِ يَصْحُو الإِنْسَانُ مُتَأَخِرًا وَتَتَغَيَّرُ مَوَاعِيدُ وَجَبَاتِهِ الْغِذَائِيَةِ، خَاصَةً لَدَى صِغَارِ السِّنِّ وَالشَّبَابِ، وَهَذَا بِدَوْرِهِ يُؤَدِّي إِلَى الْبِنْيَةِ الْهَزِيلَةِ وَضَعْفِ الْمُقَاوَمَةِ، وَيُعَرِّضُ الْجِسْمَ لِمُخْتَلَفِ الْأَمْرَاضِ بِسُهُولَةٍ.
وَأَمَّا الْأَضْرَارُ النَّفْسِيَّةُ: فَإِنَّ مَنْ أَصْبَحَ السَّهَرُ عَادَةً لَدَيْهِ يَبْدُو مُتَعَكِّرَ الْمِزَاجِ سَرِيعَ الاسْتِثَارَةِ غَيْرَ قَادَرٍ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَهَامِّ التِي تَتَطَلَّبُ الْجُهْدَ وَالتَّرْكِيزَ، وَكَثِيرٌ مَا يُرَاجِعُ الْعِيَادَةَ النَّفْسِيَّةَ أَشْخَاصٌ لَدَيْهِمْ مُشْكِلَاتٌ نَفْسِيَّةٌ وَبَدِنِيَّةٌ نَاتِجَةٌ عَنِ اضْطِرَابَاتٍ فِي النَّوْمِ، وَأَهَمُّ ذَلِكَ الْكَآبَةُ وَالْحُزْنُ، وَتَعَكُّرُ الْمِزَاجِ وَسُرْعَةُ الانِفْعَالِ، وَالْقَلَقُ وَالتَّوَتَّرُ.
بَلْ إِنَّ بَعْضَهُمْ يُصَابُ بِالْهَذَيَانِ وَالتَّشَتُّتِ الذِّهْنِيِّ، وَقَدْ سُجِلَتْ بَعْضُ الْحَالاتِ التِي أُصِيبَ أَصْحَابُهَا بِالْجُنُونِ مِنْ كَثْرَةِ السَّهَرِ لَيْلًا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا أَضْرَارُ السَّهَرِ عَلَى ذَاكِرَةِ الِإْنِسَانِ وَالْجِهَازِ الْعَصَبِيِّ، فَقَدْ أَكَدَّتِ الدِّرَاسَاتُ وَالْبُحُوثُ أَنَّ السَّهَرَ مِنْ أَقْوَى الْعَوَامِلِ الْمُؤَثِّرَةِ عَلَى الِجهَازِ الْمَنَاعِيِّ وَالْمُثَبَّطِةِ لِنَشَاطِ ذَاكِرَةِ الْجِسْمِ الْمَنَاعِيَّةِ وَحَرَكَةِ خَلَايَا الْجِهَازِ الْمَنَاعِيِّ، وَمِنْ أَسْبَابِ ضَعْفِ التَّرْكِيزِ، وَسُرْعَةِ النِّسْيَانِ وَالْكَسَلِ وَالْفُتُورِ وَسُرْعَةِ الْإِجْهَادِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: قَبْلَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ كَانَ النَّاسُ عِنْدَنَا يَنَامُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بِسَاعَتَيْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَيَنْهَضُونَ مَعَ بَوَاكِيرِ الْفَجْرِ الْأُولَى مُكْتَمِلِي الْحَيَوِيَّةِ وَالنَّشَاطِ، وَمَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَنْصَرِفُ كُلُّ طَرَفٍ إِلَى مُهَمَّاتِهِ الْيَوْمِيَّةِ. آنَذَاكَ كَانَتِ مُعَدَّلاتُ الإِصَابَةِ بِالسُّكَّرِي وَضِيقِ الشَّرَايِينِ وَتَصَلُّبِ الْمَفَاصِلِ وَالاعْتِلَالاتِ الْهَضْمِيَّةِ تَكَادُ تَكُونُ صِفْرًا.
نَحْنُ -أَيُّهَا الإِخْوَةُ- فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى إِعَادَةِ تَأْهِيلٍ وَبَرَامِجِ تَوْعِيَةٍ؛ لِلالْتِزَامِ بِقَوَاعِدِ التَّعَامُلِ مَعَ الْوَقْتِ وَشُرُوطِ الْجَوْدَةِ النَّوْعِيَّةِ لِلْحَيَاةِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا النَّاسُ- فِي أَنْفُسِكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَبْدَانَكُمْ وَعُقُولَكُمْ أَمَانَةٌ عِنْدَكُمْ؛ فَلا تُهْلِكُوهَا بِالْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ، فَإِنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ شَرْعًا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195]، وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كُلِّ ضَرَرٍ، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "َلا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ بِطرُقِهِ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ أَحَدُ الْأَطَبَّاءِ الْمُخْتَصَّيِنَ فِي دِرَاسَةٍ لَهُ عَنْ ظَاهِرَةِ السَّهَرِ: لا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُوجَدُ شَعْبٌ غَيْرَ الشَّعْبِ الْعَرِبِيِّ لَدَيْهِ نَفْسُ الْقُدْرَاتِ عَلَى الْعَبَثِ بِالْوَقْتِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَالِ وَتَضْيِيعِهَا عَلَى الْمُتَعِ التَّافِهَةِ... [إِلَى أَنْ قَالَ: ]... فَرَبَّاتُ الْبُيُوتِ يَسْهَرْنَ حَتَّى سَاعَاتِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَنَمْنَ طُولَ الْيَوْمِ حَتَّى صَلاةِ الظَّهَرِ، وَقَدْ أَثَّرَ هَذَا سَلْبًا عَلَى صِحَّتِهِنَّ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ؛ فَمِنْ بَيْنِ كُلِّ عَشْرِ مُرَاجِعَاتٍ لِلْعِيَادَاتِ الطِّبِّيَّةِ تَشْتَكِي سَبْعُ أَوَ ثَمَان سَيَّدَاتٍ مِنْ عُسْرِ الْهَضْمِ وَحُرْقَةِ الْمَعَدِةَ وَانْتِفَاخِ الْبَطْنِ وَالإِجْهَادِ السَّرِيعِ وَضِيقِ التَّنَفُّسِ.
وَعِنْدَما تَسْأَلُ إِحْدَاهُنَّ عَنْ بَرْنَامِجِ حَيَاتِهَا الْيَوْمِيِّ تَكْتَشِفُ أَنّهَا تَسْهَرُ حَتَّى سَاعَاتِ الْفَجْرِ أَمَامَ التِّلَفِزْيُون، ثُمَّ تَنَامُ حَتَّى الظُّهْرِ؛ لِتَسْتَيْقِظَ بِمِزَاجِ الْبَائِسِ التَّعِيسِ الذِي لَمْ يَرَ نُورَ الصَّبَاحِ، وَلَمْ يَسْتَنْشِقْ هَوَاءً نَقِيًّا مُنْذُ أَعْوَامٍ طَوِيلَةٍ، وَبِالْفَحْصِ الطِّبِّيِّ يَتَّضِحُ عِنْدَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ رَبَّاتِ الْبُيُوتِ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ النَّاتِجَةِ عَنِ الْعَبَثِ بِالْوَقْتِ وَالْحَيَاةِ:
فَعَضَلَةُ الْمَرِّيء تَرْتَخِي مِمَّا يُسَبِّبُ الارْتِجَاعَ الْحِمْضِيَّ، وَالْكَبِدُ غَارِقَةٌ فِي الدُّهُونِ، وَعَضَلاتُ الْأَطْرَافِ ضَامِرَةٌ رَغْمَ ضَخَامَةِ الْجِذْعِ وَالْبَطْنِ، وَفَقْرُ الدَّمِ مُرْتَفِعٌ رَغْمَ السُّمْنَةِ الظَّاهِرَةِ، [إِلَى أَنْ قَالَ]... ثُمَّ مَا هِيَ إِلَّا سَنَوَاتٌ قَلِيلَةٌ ثُمَّ يُدَاهِمُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مَرَضُ السُّكَّرِيِّ وَالْكُلِيسْتُرُولُ وَحَصَوَاتُ الْمَرَارَةِ وَارْتِفَاعُ ضَغْطِ الدَّمِ، ثُمَّ تَتَحَوَّلُ إِلَى عَالَةٍ عَلَى مَنْزِلِهَا وَمَصْدَرِ نَزِيفٍ مَالِيٍّ مُسْتَمِرٍّ عَلَى الْأَدْوِيَةِ وَعِيَادَاتِ الْأَطِبَّاءِ.
أَيُّهَا الْعُقَلاءُ: وَيَسْتَمِرُّ هَذَا الدُّكْتُورُ فِي تَقْرِيرِهِ قَائِلًا: وَعَلَى النَّقْيِضِ مِنْ هَذِهِ الْكُتْلَةِ الْعَلِيلَةِ مِنَ الشُّحُومِ تَكُونُ الْعَامِلَةُ الآسْيَوِيَّةُ [الْخَادِمَةُ] التِي لا يَزِيدُ وَزْنُهَا عَلَى خَمْسِينَ كُيلُوغِرَامًا، قَاِدِرَةً عَلَى الْعَمَلِ لِمُدَّةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً مُتَوَاصِلَةً دُونَ آلامٍ عَضَلِيِّةٍ وَلا لِهَاثٍ فِي التَّنَفُّسٍ وَلا انْتِفَاخٍ فِي الْأَمْعَاءِ.
تَضَعُ رَأْسَهَا عَلَى الْمِخَدَّةِ قَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ فَتَسْتَمْتِعَ بِنَوْمٍ عَمِيقٍ مُرِيحٍ ثُمَّ تَصْحُو فِي السَّادِسَةِ صَبَاحًا مَعَ الطُّيُورِ. وَقَدْ تَنَازَلَتْ رَبَّةُ الْبَيْتِ عَنِ اسْتِثْمَارِ وَقْتِهَا فِيمَا يُفِيدُ، وَأَهْمَلَتِ الشُّرُوطَ الضَّرُورِيَّةَ لِاكْتِمَالِ الصِّحَّةِ وَتعَلَّلَتْ بِخُدْعَةِ نَقْصِ فِيتَامِينِ د الْمَزْعُومِ، بَلْ وَدَفَعَتِ الْمَالَ لِلْعَامِلَةِ لِتَنُوبَ عَنْهَا فِي إِدَارَةِ الْمَنْزِلِ، وَضحَّتْ بِكُلِّ ذَلِكَ مُقَابِلَ السَّهَرِ سَاعَاتٍ إِضَافِيَّةً عَلَى الْمُسْلَسْلَاتِ وَالْبَرَامِجِ التَّافِهَةِ. (انْتَهَى كَلامُهُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّصَرُّفِ الذِي تَقْتَضِيهِ حَالُ الْخُطْبَةِ).
فاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا، وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ والرِّضَا، وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَى، وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.
التعليقات