عناصر الخطبة
1/ فضائل التجارة مع الله تعالى 2/ صور من الأعمال الصالحة التي ترفع العبد الدرجات 3/ فضائل المتاجرة في الصدقة والصلة 4/ أهمية النية وتحويلها العادات إلى عبادات.اهداف الخطبة
اقتباس
كل الناس يغدو ويروح ليتاجر في هذه الدنيا، والكل يبحث عن الربح العالي، الكل يبحث عن الغنى الفاحش، الكل يلهث وراء الدنيا، إلا من رحم الله وقليل ما هم، ولكن عندما نبحث عن المتاجرين مع الله، الباحثين عن الربح الوفير مع الله، نجدهم قليلاً، بل أقل من القليل، مع أن الفرق بين التجارتين كما بين السماء والأرض يقول المولى جل في علاه (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) [فاطر: 29] لن تبور بمعنى لن تخسر أبدًا، وكيف تخسر وأنت تتاجر مع الله، الذي خزائنه لا تنفد، وعطاؤه لا حصر له.
الخطبة الأولى:
أما بعد فيا أيها الناس: اتقوا الله الذي خلقكم من عدم، ودفع عنكم سائر البلاء والنقم، وأردف عليكم من واسع النعم، جل في علاه من إله حليم كريم.
عباد الله: كل الناس يغدو ويروح ليتاجر في هذه الدنيا، والكل يبحث عن الربح العالي، الكل يبحث عن الغنى الفاحش، الكل يلهث وراء الدنيا، إلا من رحم الله وقليل ما هم، ولكن عندما نبحث عن المتاجرين مع الله، الباحثين عن الربح الوفير مع الله، نجدهم قليلاً، بل أقل من القليل، مع أن الفرق بين التجارتين كما بين السماء والأرض يقول المولى جل في علاه (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) [فاطر: 29] لن تبور بمعنى لن تخسر أبدًا، وكيف تخسر وأنت تتاجر مع الله، الذي خزائنه لا تنفد، وعطاؤه لا حصر له.
ألم تروا لهذه الأمطار التي أنزلها الله علينا، كم فيها من النعم والخيرات! يصب الخير علينا صبًّا، إن التجارة مع الله لا تحتاج لدراسة جدوى، ولا رأس مال، فقط قم بما تستطيع من العمل، وقدم لآخرتك، فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وكل الأعمال التي كلفنا بها نستطيع عملها بلا منّة ولا كلفة، فالفقير يتاجر مع الله، والغني يتاجر مع الله، والمريض يتاجر مع الله، الكل بلا استثناء يتاجر مع الله، فقط استحضر النية، وتاجر مع الله، وسأضرب لكم أمثلة على الربح مع الله.
الصدقة، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261]، لو أن الواحد منا إذا أنفق ريالاً واحدًا يضمن أنه يلقاه غدًا في صحائفه ريالاً واحدًا لكانت تجارة رابحة بلا شك، فكيف وأنت تنفق ريالاً واحدًا في سبيل الله تربح 700 ريال، فمن من التجار يعطيك بهذه المكاسب؟!
وليس هذا فحسب، بل وريالك مردود إليك (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، أيّ تجارة هذه؟ إنها التجارة مع الله.
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بناقة مخطومة، فقال له -صلى الله عليه وسلم-: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة مخطومة".
وقسْ على هذا جميع العبادات.
مثال آخر الصلاة.. تصلي الفرض فيسقط عن رقبتك ومن ذمتك، فلو لم يكن من الصلاة إلا هذا لكفى به فضلاًَ وربحًا، ولكن لك زيادة على هذا يأجرك الله عليه، فإن صليت في جماعة في المسجد أعطاك الله الأجر مضاعفًا سبعًا وعشرين مرة، الله أكبر ما أعظمه من كرم! تؤدي ما أوجب الله عليك ويكرمك ويضاعف أجرك!!
فإن صليته في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تضاعف أجرك إلى ألف ضعف، فإن صليت في المسجد الحرام تضاعف إلى مائة ألف، فالصلاة الواحدة تعدل أجر مائة ألف صلاة، الله أكبر! أتدري ما مقدار مائة ألف صلاة، إنها صلاة واحدة في الحرم المكي تعدل صلاة خمس وخمسين سنة في غير الحرمين، هنا يقف المرء حيران من هذا الكرم الإلهي الذي غفلنا عنه كثيرًا .
وإن صليت على جنازة كان لك من الأجر قيراط، وهو الجبل العظيم من الحسنات، وإن تبعتها حتى تُدفن فلك قيراطان.
بل أعظم من ذلك فإن العبد إذا تاجر مع الله ثم مرض أو سافر، وتوقف عن العبادة استمر أجره كما لو كان صحيحًا مقيمًا.
عباد الله: لن نأتي على تعداد وحصر كرم الله في المعاملة مع المتاجر معه، فما بقي على العبد إلا أن يبادر أنفاسه، ويدخل في زمرة المرابحين مع الله، ليكون من المقنطرين.
معاشر المؤمنين: نحن في هذه الأيام نعيش ولله الحمد في خير ورخاء وأمن وأمان، والناس من حولنا تُتخطف، فمن قدم لنفسه وقت السعة، نفعه ذلك يوم الضيق، إن لنا إخوانًا من حولنا يرتعشون من البرد، والمطر يخر عليهم من فوقهم، والجوع يلوي بطونهم فتلمس من حولك وتفقد جيرانك وأقاربك، ولا ننسَ إخواننا في العراق والشام واليمن يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، قد جعل الله لك معهم تجارة لن تبور، فكن من المرابحين ولو بالقليل، فإن لم تجد فتاجر مع الله بالدعاء لهم، فقد طال ليلهم في البلاء، فاسألوا الله لهم فجرًا ساطعًا بالعافية قريبًا، فلربّ دعوة من رجل صالح تخرق الحجب، وتأتي بالفرج لفئام من الناس .
اللهم كما أنزلت علينا من الخيرات والأمطار، فأنزل على إخواننا المستضعفين في كل مكان فرجًا منك وعافية.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس:
إن مما زادني شرفًا وتيهًا *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا
فوالله إنها لنعمة عظيمة أن كنا من أهل هذه الأمة، التي هي خير الأمم، ووالله إن الحسرة كل الحسرة، أن تُصطفى لتكون من هذه الأمة ثم تكون من الخاسرين، وكيف تخسر وأن تتعامل مع رب كريم رحيم كما قال سبحانه: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 101].
عباد الله: إن من صور التجارة مع الله، المعاملة مع الناس، فلا تعاملهم لدنيا ولا لشهوة، بل تعاملهم لله وفي الله، فتعاملك معهم حسب الشرع يجعلك تدخل في التجارة مع الله، ثم لا تسل عن الأرباح، ستجد أولاً الراحة النفسية فلا حزن على ما فات، ولا فرح بموجود، فالكل من الله وعلى مراد الله، ستجد أن تعفو عمن ظلمك؛ لأنك ترجو ما عند الله، وتصل من قطعك، لأنك ترجو ما عند الله، وتعطي من حرمك لأنك ترجو ما عند الله، فهذه معاملة وتجارة مع الله، وسعادة في الدنيا والآخرة، وهكذا كل من تعامل مع الله، فلا خسران عليه بل هو في ربح دائم، وعمل صالح، وتوفيق متواصل، فهو في كنَف الله ورعايته .
ومن صور التجارة مع الله، أنك تقلب حياتك كلها لعبادة وطاعة، فكل حركة وسكنة في حياتك تجعلها لله، فإذا أكلت نويت التقوي على الطاعة فتؤجر على ذلك، وإذا نمت نويت التقوي على الطاعة، فتؤجر على ذلك، وإذا روّحت عن نفسك نويت التقوي على الطاعة، فتؤجر على ذلك، فكل حركة في حياتك هي لله حتى شهوة الإنسان إذا نوى أنها لله انقلبت عبادة، اسمعوا لهذا الحديث وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي ذَر أَنّ نَاساً مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِلنّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللّهِ! ذَهَبَ أَهْلُ الدّثُورِ بِالأُجُورِ. يُصَلّونَ كَمَا نُصَلّي. وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ. وَيَتَصَدّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ.
قَالَ: "أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللّهِ لَكُمْ مَا تَصّدّقُونَ؟ إِنّ بِكُلّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً. وَكُلّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ. وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟
قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ".
فيتبين لنا من هذه الحديث أن كل عمل يعلو ويزيد أجره مع النية الصالحة .
ومن أمثلة ذلك أطعامك لأهلك، مع أنه أمر واجب عليك، ولكنه ينقلب إلى عبادة وطاعة مع النية الصالحة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ, وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ, وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك, أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ 995).
وعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرْفُوعًا "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ, وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: بَدَأَ بِالْعِيَالِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ يُعِفُّهُمُ اللَّهُ أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ (رواه مُسْلِم 994).
وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ: "وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك" أَيْ فِي فَمِهَا . (البخاري: 1295، ومسلم 1628).
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً". (أخرجه البخاري 55، ومسلم: 1002).
معاشر المؤمنين: هذه هي الحياة الحقيقية التي يعيش فيها المسلم حياة طيبة يتاجر فيها مع الله، ولا يكون كالأنعام يأكل ويشرب وينكح بلا هدف ولا نية، فالواجب على كل مكلف أن يجعل له في كل عمل نية صالحة، وأن يجلس مع نفسه جلسة محاسبة، ويصلح نيات أعماله، ويجردها لله، ليكون من المتاجرين مع الله.
اللهم هيئ لنا أسباب السعادة في الدنيا والآخرة يا رب العالمين ..
التعليقات
زائر
28-01-2022جزاكم اللّه خير الجزاء.