عناصر الخطبة
1/ قصة بدء التدوين بالتأريخ الهجري 2/ التأسف لعدول كثير من المسلمين عن التقويم الهجري 3/ أهمية اعتماد التقويم الهجري 4/ استقبال العام الهجري الجديد بمحاسبة النفس والتوبة 5/ فضل الصوم في الشهر المحرم وذكرى عاشوراءاهداف الخطبة
اقتباس
إن من المؤسف حقا أن يعدل كثيرٌ من المسلمين اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمُتُّ إلى دينهم بصلة، ولئن كان لبعض المسلمين شبهة من العذر حين استعمر بلادَهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم، ولقد سمعتم أن الصحابة -رضي الله عنهم- كرهوا التأريخ بتاريخ الفرس والروم ..
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله اجتهدوا في تحقيق العبودية لربكم -سبحانه وتعالى-، والتزام شرعه، والحرص على التزود بزاد التقوى، وإياكم والغفلة والتسويف والإعراض عن الله -عز وجل-! فإن الأيام تمر سريعا، والعمر سينتهي قريبا، ورحم الله امرئاً أخذ من شبابه لهرمه، ومن صحته لمرضه، ومن قوته لضعفه، ومن حياته لموته.
أيها الإخوة المؤمنون: استقبل المسلمون في الأيام الماضية عامًا جديدًا إسلاميًّا هجريًّا، ابتداءُ عقدِ سنواتِهِ من أجلِّ مناسبة في الإسلام، ألا وهي هجرة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - التي ابتدأ بها تكوين هذه الأمة الإسلامية في بلد إسلاميّ مستقلٍّ يحكمُه المسلمون، وتنطلق منه كتائب الجهاد لنشر التوحيد، والقضاء على الشرك.
ولم يكن التاريخ الإسلامي الهجري السنوي معمولا به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر الفاروق -رضي الله عنه-؛ ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته كتب إليه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: إنّه يأتينا منك كُتبٌ ليس لها تاريخ؛ فجمعَ عمر الصحابة -رضي الله عنهم- فاستشارهم.
قيل: إن بعضهم قال: أرِّخوا كما تؤرِّخ الفُرس بملوكِها، كلّما هلكَ ملكٌ أرِّخوا بولايةِ مَن بعده، فكَرِهَ الصحابة ذلك، فقالَ آخرون: أرِّخوا كما تؤرِّخ الرُّوم، ولكنهم كرهوا ذلك أيضًا؛ ثم قال بعضهم: أرِّخوا من مولد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وقال آخرون: أرِّخوا من مَبْعَثِ الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وقال قوم آخرون: أرِّخوا من مهاجر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فقال عمر -رضي الله عنه-: الهجرة فرَّقت بين الحق والباطل فأرِّخوا بها، فأرَّخوا من الهجرة، واتَّفقوا على ذلك.
ثم تشاوروا: من أيِّ شهر يكون ابتداء السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان؛ لأنَّه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، وقال آخرون: مِن ربيع الأول؛ لأنَّه الشهر الذي قدمَ فيه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المدينة مهاجرًا، واختار عمر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- أن يكون ابتداءُ السنة من المحرم؛ لأنَّه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدِّي المسلمون فيه حجّهم الذي به تمامُ أركان دينهم، والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي -صلى الله عليه وسلم- والعزيمة على الهجرة، فكان ابتداءُ السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم.
وكانت سنة من سنن الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا بإتباع سنتهم في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ"، وكان التاريخ الهجري إجماعا من المسلمين اجتمعت عليه كلمة المسلمين من زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى زمننا هذا، ولا تجتمع أمة الإسلام على ضلالة، ومن يتبع (غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء:115].
أيها الإخوة المسلمون: إن من المؤسف حقا أن يعدل كثيرٌ من المسلمين اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت إلى دينهم بصلة، ولئن كان لبعض المسلمين شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم، ولقد سمعتم أن الصحابة -رضي الله عنهم- كرهوا التأريخ بتاريخ الفرس والروم.
أيها الإخوة المسلمون: حريٌّ بالمسلمين أن يتمسكوا بتاريخهم الإسلامي الهجري الذي يربطهم بدينهم، وبمناسبة عظيمة ألا وهي هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة.
أيها المسلمون: إننا اليوم نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجريا شهوره الشهور الهلالية التي هي عند الله تعالى في كتابه كما قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة:36]، الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للعالم كلهم، قال الله -عز وجل-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) [البقرة:189]، مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص، لا فرق بين عرب وعجم، ذلك لأنها علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه، فمتى رؤي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق.
إنها ليست كالشهور الإفرنجية شهورا وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس؛ بل هي شهور اصطلاحية مختلفة، بعضهم واحد وثلاثون يوما، وبعضهم ثمانية وعشرون يوما، وبعضهم بين ذلك، لا يُعلَم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول أو محسوس.
ولقد حاول بعض النصارى تغيير هذه الأشهر الإفرنجية فعارضهم الأحبار والرهبان، فتأمل أيها المسلم كيف يعارض رجال دين اليهود والنصارى في تغيير أشهر وهمية مختلفة إلى اصطلاحٍ أضبَط لأنهم يعلمون ما لذلك من خطر!.
وكثير من المسلمين اليوم ساكتون -بل مُقِرُّون- لتغيير التوقيت بالشهور الإسلامية؛ بل العالمية التي جعلها الله لعباده حيث عدل عنها المسلمون أكثرهم إلى التوقيت بالشهور الإفرنجية، حتى لا يكاد كثير من المسلمين يعرف أسماء أشهر السنة الهلالية، وقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله- فقيل له: إن للفرس أياما وشهورا يسمونها بأسماء لا تُعرَف؛ فكره الإمام احمد ذلك أشدَّ الكراهة.
جدير بالمسلم أن يتمسك بسنن دينه، ويحرص على أصالته التي تربطه بهذا الدين وتاريخه وتراثه، ويحذر من تقليد الكفار ومجاراتهم في عاداتهم وتقاليدهم وتواريخهم؛ لأنه بذلك يتخلى عن أصالته، وينسى تاريخه وتراثه.
أما ارتباط المسلم بالتاريخ الهجري فهو ارتباطٌ بدينه، ارتباط برسوله -صلى الله عليه وسلم-، وارتباط بتاريخ الإسلام، وأمجاد الإسلام، فضلا عن أنه شعار المسلمين.
أيها الإخوة المسلمون: إننا في هذه الأيام نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجريا ليس من السُّنة أن يُحدث المسلمون عيدا لدخوله كما يفعل ذلك النصارى، إذ ليست الغبطة بكثرة السنين، وإنما الغبطة بما أمضاه العبد فيها في طاعة الله -عز وجل-.
فكثرة السنين خير لمن أمضاها في طاعة ربه، وشر لمن أمضاها في معصية الله والتمرد على طاعته، وشر الناس -عياذا بالله- من طال عمره وساء عمله، وخير الناس من طال عمره وحسن في الإسلام عمله.
إن علينا -أيها الإخوة المسلمون- أن نستقبل أيامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربنا، ومحاسبة أنفسنا، وإصلاح ما فسد من أعمالنا، ومراقبة مَن ولَّانا الله تعالى عليه من الأهل، من زوجات وأولاد بنين وبنات وأقارب.
فاتقوا الله عباد الله، وقوموا بما أنتم به معنيون، وعنه يوم القيامة مسؤولون: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]، قوموا بذلك على الوجه الأتم الأكمل، أو على الأقل بالواجب.
واعلموا أن أعضاءكم ستكون عليكم بمنزلة الخصوم يوم القيامة، يوم يختم على الأفواه، وتتكلم الأيدي والأرجل بما كسب الإنسان، قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [فصلت:20-23].
عباد الله: إن كل عام يجدّ يعد المرء نفسه بالعزيمة الصادقة والجد، ولكن تمضي عليه الأيام وتنطوي الساعات وحاله لم تتغير إلى أصلح، فيبوء بالخيبة والخسران، ثم لا يفلح ولا ينجح، فاغتنموا -رحمكم الله- الأوقات بطاعة الله، وكونوا كل عام أصلح من العام الذي قبله، فإن كل عام يمر بكم يقربكم من القبور عاما، ويبعدكم عن القصور عاما، يقربكم من الانفراد بأعمالكم، ويبعدكم من التمتع بأهليكم وأولادكم وأموالكم.
عباد الله: والله ما قامت الدنيا إلا بقيام الدين! ولا نال العز والكرامة والرفعة إلا من خضع لرب العالمين! ولا دام الأمن والطمأنينة والرخاء إلا باتباع منهج سيد المرسلين! ولئن استمرت زهرة الدنيا مع المعاصي والانحراف إن ذلك لاستدراج يعقبه الإهلاك والإتلاف، فاعتصموا بطاعة الله؛ لئلا يحل بكم ما حل بالأمم التي أعرضت عن منهج الله: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل:112].
اللهم إنا نشهد بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد، يا منان يا بديع السماوات والأرض نسألك أن تجعل عامنا هذا وما بعده عام أمن وطمأنينة، عام علم نافع وعمل صالح، عام تسبغ به علينا نعمك، وترزقنا شكرها، عام تصلح به أحوال المسلمين، وتردهم إلى الحق، عام تتوالى فيه انتصارات المجاهدين، وهزائم الكافرين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم لما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يزل حميدا مجيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً مزيدا كثيراً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ عنهم شذ في النار.
على كل مسلم في بداية هذا العام التوبة النصوح من جميع الذنوب، والعزم على عدم العودة لها، فلو تأمل كل واحد منا نفسه لوجد فيها تقصيرا عظيما في حق الله، وما أكثر اللهو في حياتنا! أليست مجالس الكثيرين منا معمورة بالغيبة والنميمة والكلام المحرم؟ أليس عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة ظاهرة بينا؟ أليست قطيعة الأرحام والهجران بين المسلمين أمرا منتشرا بيننا؟ أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؟ أين الحاصرون على نشر الخير والصلاح ومحاربة الشر والفساد؟.
لقد أصبحوا قلة في هذا الزمن، وانشغل الكثير من المسلمين بأمور الدنيا ونسوا الآخرة؛ حتى أصبح الدين لا يشكل في نظر الكثير من المسلمين اليوم سوى صلوات تؤدى في المساجد!.
إن الدين الذي شرفنا الله -عز وجل- بالانتساب إليه وأكرمنا بأن نكون من أهله ينبغي أن تكون له في نفوسنا القيمة العظمى، ولا نفعل ما نفعل، ونذر ما نذر، ونحب من نحب، ونبغض من نبغض، دون عملِ حسابٍ للدين، إن كل حركة من حركاتنا، وفعل من أفعالنا، وقول من أقوالنا، لابد أن يكون موافقاً للدين والشريعة؛ هذا، إن كنا مسلمين حقا ومؤمنين صدقا، أما أن يدَّعي كثيرٌ منا الإسلام والإيمان، وأفعاله وأقواله منافية لتعاليم الإسلام وأخلاقه، فتلك المصيبة العظمى.
اعزموا -رحمكم الله- اعزموا على طاعة ربكم -عز وجل-، الاستمرار في عبادته، ولزوم الاستقامة على شرعه، اجتهدوا في عمارة الأيام والليالي بالطاعات، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
أيها الإخوة المسلمون: في هذا الشهر، شهر الله المحرم، حصلت في التاريخ حادثة عظيمة، ألا وهي غرق فرعون، إذ قال لبني إسرائيل: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38]، وقال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات:24]، أهلكه الله في هذا الشهر، شهر الله المحرم في اليوم العاشر من محرم عندما غرق في البحر، ونجاه الله ببدنه ليكون آية لمن خلفه، فصام موسى -عليه السلام- وقومه معه، صام يوم العاشر شكرا لله -عز وجل-.
ولما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة علم أن اليهود يصومونه، فسألهم عن السبب في تخصيصه بالصيام، فقالوا ذاك يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فيه فرعون وقومه، فصامه موسى، فنحن نصومه كما صامه موسى، فقال -عليه الصلاة والسلام-: نحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه -صلى الله عليه وسلم- وأمر أصحابه بصيامه، وقال: "أحتسب على الله أن يكفر صيامُه السنةَ التي قبله، ولئن بقيت إلى قابل لأصومَنَّ التاسع والعاشر".
فاحرصوا -رحمكم الله- على الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الصيام في هذا الشهر، وخاصة يوم عاشوراء، فهو يكفر السنة التي قبله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فاحرصوا على صيام اليوم العاشر، وصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا جميعا للعمل بما يرضيه، واجتناب ما يغضبه ويسخطه، إنه على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم -عز وجل- في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد...
التعليقات