عناصر الخطبة
1/مكانة حديث ذاق طعم الإيمان 2/معنى ذوق طعم الإيمان ولذته 3/فضائل (الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا) 4/معنى هذه الأمور الثلاثة ومجالاتهااقتباس
حديثنا في هذه اللحظات، وهذه الدقائق المعدودات البيان مع حديث "ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ" إنه حديثٌ عظيم، حديثٌ جميلٌ كريم يُبين للإنسان منهجه وطريقه نحو ربه ونبيه ودينه، وذلك فيما رواه مسلمٌ في صحيحه من حديث العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ذاق طعم الإيمان: من...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله العلي الأرفق جامع الأشياء والمفرِّق، ذي النِّعم الواسعة الغزيرة، والحِكم الباهرة الكثيرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم القيامة.
أما بعد:
عباد الله: فاتقوا الله -جل في علاه-؛ فمن اتقى الله وقاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله منحه رضاه، ومن اتقى الله جعل الجنة مأواه.
إخوة الإسلام: حديثنا في هذه اللحظات، وهذه الدقائق المعدودات البيان مع حديث "ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ" إنه حديثٌ عظيم، حديثٌ جميلٌ كريم يُبين للإنسان منهجه وطريقه نحو ربه ونبيه ودينه، وذلك فيما رواه مسلمٌ في صحيحه من حديث العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ذَاقَ طَعْمَ الإيمانِ: مَنْ رَضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا".
إن نعمة الإسلام -أيها الكرام-من النِّعم العظيمة، والمنن الكبيرة؛ فالحمد لله الذي جعلنا من عباده المسلمين، والحمد لله الذي جعلنا من عباده المؤمنين؛ فإن هذه النِّعمة أعظم النِّعم على الإطلاق وأجلُّها بالاتفاق.
إذَا أَبْقَتِ الدُّنْيَا عَلَى الْمَرْءِ دِينَهُ *** فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بِضَائِرِ
أيها الإخوة: إن الإيمان يزداد وينقص كما هو منهج أهل السُّنَّة والجماعة؛ فالإيمان يزداد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وأهله على تفاضلٍ؛ هل أنت كالأملاك أو كالرسل؟ فأهله يتفاضلون في زيادته، يتفاضلون في نقصانه؛ فكلما زاد المرء من الطاعات زاد إيمانه برب الأرض والسماوات، وكلما نقص من طاعة ربه وبُلي بمعصية ربه نقص إيمانه بالله -عزَّ وجل-.
إن الإيمان -أيها الإخوة-له طعمٌ وذوقٌ، وله لذةٌ وأُنسٌ وانشراح؛ لكن كل ذلك معنوي إذا خالط الإيمان بشاشة القلوب، واختلط باللحم والدم، وظهر ذلك على الجوارح بالأُنس والسرور والفرح والحضور (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) [الأنعام:125]، (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر:22]، (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام:122].
ولهذا عبَّر هنا بالذوق -وما أعلى وأجل هذا الذوق- كأنما الإنسان يتلذذ بالشيء المحسوس في فمه فيجد لذته وطعمه؛ فكذلك الإيمان إذا آمن الإنسان وحقق هذا الإيمان؛ ولهذا في الصحيحين من حديث أنس "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".
ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ليس في الدنيا نعيمٌ مثله نعيم الآخرة مثل لذة المعرفة والإيمان".
فليتــك تحـلو والحياة مريـرةٌ *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ *** وبينـي وبين الناس خـراب
إذا صح منك الود فالكل هينٌ *** وكل الذي فوق التراب تراب
أيها الأحبة: إن هذه الثلاثة: وهي الرضا بالله، وبدينه، ونبيه عنها السؤال عند مفارقة الأهل والمال والعيال، فإن المرء إذا أُقعِد في قبره جاءه ملكان يقعدانه فيقولان له: من ربك، وما دينك، ومن نبيك؟
أَنَّ كُلًّا مُقْعَدٌ مَسْئُولُ *** مَا الرَّبُّ مَا الدِّينُ وَمَا الرَّسُولُ؟
عِنْدَ ذَا يُثَبِّتُ الْمُهَيْمِنُ *** بِثَابِتِ الْقَوْلِ الَّذِينَ آمَنُوا
وَيُوقِنُ الْمُرْتَابُ عِنْدَ ذَلِكْ *** بِأَنَّهُ مَوْرِدُهُ الْمَهَالِكْ
يارب يارب يارب ثبتنا على الإيمان، ونجنا من سُبل الشيطان، ونسأل الله حُسن الخاتمة فهي وربِّ لحظاتٌ حاسمة.
إن هذه الثلاثة: الرضا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا لها فضائل عديدة؛ فاستمعوا إلى فضيلتين عظيمتين كبيرتين جليلتين:
أحدهما تستفتح بها صباحك، وتستفتح بها نهارك، وتفتتح بها ليلك، وهي ما رواه أبو داود والنسائي في اليوم من حديث رجل صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ما من مسلمٍ يقول إذا أصبح وإذا أمسى: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا إلا رضيَ الله عنه يوم القيامة".
والفضيلة الثانية: ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من سمع المؤذن فقال: "أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نبيًّا إلا غُفِرَ ذَنْبُهُ".
ومعنى الرضا بهذه الثلاث هو: القناعة والاكتفاء والكفاية بالشيء؛ فمعنى ذلك أن ترضى بربك ودينك ونبيك عن كل ما سوى ذلك.
فالخصلة الأولى: رضيت بالله ربًّا. إن الرضا بالله يقتضي الرضا بربوبية الله وأنه الخالق وحده الرازق وحده، المدبر وحده، المتصرف وحده، المعز وحده، المذل وحده؛ فتؤمن حقيقة الإيمان بربوبية الله وبأفعاله (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23].
والرضا بألوهيته -سبحانه- بمعنى: أن تعبد الله وحده لا شريك له فتنبذ جميع ما يُعبد من دون الله من الأحجار، والأشجار، والقبور، والأولياء، والأسياد وغير ذلك (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18].
وترضى بأسمائه وصفاته فلا تصف ربك إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11].
والرضا بقضاء الله وقدره، وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك؛ فترضى بما قدَّره الله -عزَّ وجل- عليك وقضاه؛ من مرضٍ أو ألمٍ أو سقمٍ أو غير ذلك؛ فإن الإيمان بقضاء الله وقدره أحد أركان الإيمان الستة؛ فلهذا يجب عليك أن ترضى بالله "وَعَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكان خَيرًا لهُ، وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكان خَيرًا لهُ وليسَ ذلكَ إلا للمُؤْمنِ".
ومن الرضا بالله: الرضا بتدبيره وتصريفه؛ فيرضى الإنسان بما دبره الله عليه وقضاه في أمور الدنيا ومصائبها وأحوالها وتجارتها.
ولهذا يجري القضاء وفيه للخير أجمعه *** لمـؤمـــنٍ واثـقٍ باللـه لا لاهي
إن جاءه فـــــرحٌ أو نابه تــــرحٌ *** في الحالتين يقول: الحمد لله
ومن هذا -عباد الله- في هذه الأعصار تأخر الأمطار؛ فيجب علينا أن نرضى بتدبير الله وتصريفه وأن نؤمن بأن الله هو الذي يُدبر ذلك؛ فيُعطي لحكمة، ويمنع لحكمة.
يُريك عزته ويُبدي لطفه *** والعبد في الغفلات عن ذا الشأن
والرضا -عباد الله- بالإسلام دينًّا: الرضا بأحكامه في باب العقائد، والأحكام، والآداب، والأخلاق (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].
إن الرضا بالإسلام أن تستسلم لله في جميع أمورك، وفي جميع حياتك، وفي جميع شئونك (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا) [الزمر:54].
الرضا بالإسلام بالعمل به وتطبيقه على أرض الواقع، وأنه صالحٌ لكل زمانٍ، وأنه صالحٌ مُصلحٌ لكل زمانٍ ومكان للأفراد والمجتمعات في أحكامه وآدابه وأخلاقه، فيجب أن نعتز بإسلامنا، وأن نقوم بهذا الدين بشعائره علمًا وعملًا وتطبيقًا، وبقدر ما نقوم بهذا الدين يحصل لنا من العزة والتمكين، وبقدر التخاذل عنه يحصل لنا من النقص المشين؛ ولهذا -عباد الله- "وجُعِلَ الذِّلةُ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري" كما قال رسول الله.
ومن الرضا بالإسلام: الرضا بتعاليمه وإن خالفت الواقع، والرضا بهذا الدين، والعمل به وترك جميع الأديان؛ كما قال الله -عزَّ وجل-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ) [آلعمران:85].
وفي صحيح مسلم يقول -عليه الصلاة والسلام-: "وَاَلَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ َلَمْ يُؤْمِنْ بِاَلَّذِي جئت بِهِ إلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"؛ فنسأل الله -عزَّ وجل- أن يرزقنا الرضا به ربًّا وبالإسلام دينًّا وبمحمدٍ نبيًّا، وأن يقوي إيماننا به وبملائكته وكُتبه ورسله.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله على إحسانه والشكر له على فضله وامتنانه أحمده -سبحانه- على نعمه وألائه، وفضله ونواله.
إخوة الإسلام: والجملة الثالثة في هذا الحديث "وبمحمدٍ نبيًّا": إنه الرضا بمحمدٍ -عليه الصلاة والسلام-؛ منهجًا واتباعًا، وانقيادًا وطاعةً، قال الله -عزَّ وجل-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران:31].
ولهذا أوجب الله طاعته وحرَّم معصيته (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7].
وحذَّر من مخالفته وجعل العقوبة والفتنة على من خالف أمره؛ ولهذا -عباد الله-قال سبحانه: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء:14].
وقال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
ولا طريق للعباد إلى الجنان إلا بطاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي البخاري يقول -عليه الصلاة والسلام-: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُون الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى" قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى".
وجُعل الرُّشد والصلاح والهداية والاستقامة في طاعته؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "ومن أطاعني فقد رشد".
ومن الرضا به: الرضا بالانقياد له ولأوامره صغيرها وكبيرها.
ومن الرضا به: الرضا تقديم قوله على قول غيره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات:1].
فالعلم -عباد الله-
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة هم أولو العرفان
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس خُلفٌ فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهةً *** بين النبي وبين رأي سفيه
ومن الرضا به: الرضا بتطبيق سُنَّته، ونصر سُنَّته ومحبته، وتقديم قوله.
كل ذلكم -عباد الله- من الرضا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله لهذه الأمة بشيرًا ونذيرًا، نبي الرحمة والملحمة، نبي الهدى والتُّقى، نبيٌّ تجب محبته وتقديمها على جميع المحاب؛ كما جاء ذلك في الصحيحين: "وَاَلَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِه وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ" بل تجب محبته أعلى من محبة نفسك التي بين جنبيك، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر لما قال له: والله إني لأحبك إلا من نفسي، قال: "لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من أهلك، ومالك، ونفسك" قال: يا رسول الله إنك لأحب إليَّ من كل شيءٍ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "الآن يا عمر".
يارب إن ذنوبي في الورى كثرت *** وليس لي عملٌ في الحشر بنجيني
وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه *** حب النبي وهذا القدر يكفيني
والله أعلم
التعليقات