عناصر الخطبة
1/علامات التكليف الشرعي 2/أمارات البلوغ 3/ ثلاث علامات لبلوغ الذكور 4/أربع علامات لبلوغ النساء 5/أول الفرائض يتم تكليف البالغين بها 6/سن التمييز وأحكامه.اقتباس
إن علامة البلوغ في حق اَلرِّجَال والنساء لهي أمورٌ مهمة، يترتب عليها أحكام شرعية عظيمة، انتقال هذَا الصغير من كونه غير مُكلَّف إِلَى كونه مُكلَّفًا. وقد دبَّت إِلَى النَّاس دابة في تقليدهم بالشرق والغرب: أنهم يجعلون سن....
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ): (وَلَقَدْ وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131]، تقوى الله بتعظيمه -سُبْحَانَهُ- وتوحيده، وتعظيم أوامره بالمبادرة إليها، وتعظيم نواهيه بالمباعدة والمسارعة باجتنابها؛ بهذا يتقي الإنسان عذاب الله وسخطه ومقته.
عباد الله: جعل الله -جَلَّ وَعَلَا- للتَّكْلِيفِ علامات تتعلَّق بالذكور والإناث: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ)[النور: 59]، ما الحُلُم الَّذِي أناطه الله -جَلَّ وَعَلَا- في هذِه الآية حَتَّى ينتقل الطفل من مرحلة عدم التَّكْلِيف إِلَى مرحلة التَّكْلِيف بالأحكام الشَّرْعِيَّة؟
إنها الَّذِي عناها النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في قوله في الحديث الصحيح: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ".
فعلامات البلوغ -يا عباد الله- هي ثلاث علامات في حق الذكور، ينتقلون من كونهم غلمانًا صغارًا إِلَى رجالٍ مُكلّفين، وهي أربع علامات في حق النساء، تنتقل فيها الجارية من كونها غير مُكلَّفة إِلَى أن تصير امرأةً مُكلَّفةً في شرع الله.
العلامة الأولى: وهي مشتركة بين اَلرِّجَال والنساء، هو: إنزال المَنِيّ، وهو في حق اَلرِّجَال دفقًا شهوةً بلذة، وفي حق النساء: مع هزة فيها لذة، فإذا نزل المني باحتلامٍ أو في حال اليقظة بوجود مهيّجاته؛ فإنَّ الطفل قد بلغ، وبلوغه علامةٌ عَلَى تكليفه الشرعي.
العلامة الثانية: إنبات شعر العانة، وهو الشعر الخشن الَّذِي ينبت عَلَى قُبُل الآدمي، عَلَى فرجه، ذكرًا كان أو أنثى، فإذا أنبت العبد شعر العانة؛ صار مُكلَّفًا في دين الله، وإن لم يُنزِل المَنِيّ، فإنه جاء في حكم سعد بن معاذ الأشهلي الأنصاري -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، الَّذِي حكم به عَلَى يهود بني قريظة، فوافق حكم الله -جَلَّ وَعَلَا- من فوق سبع سنوات: أنه تُقتل مقاتلتهم، وتُسبى ذراريهم، فكانوا يعرفون الَّذِي بلغ حد المقاتلة ببلوغه.
يقول مُحَمَّد بن كعب القرظي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وأنا ممن كُشِف حَتَّى لمَّا رأوني لم أُنبت؛ أطلقوني ولم يقتلوني"؛ لأنَّ إنزال المني أمرٌ لا يُتوصَّل إليه بمعرفة الشهود، بينما الكشف عَلَى القُبُل أمرٌ معلومٌ ظاهر البيان.
العلامة الثالثة: وهي علامة نهائية في حق اَلرِّجَال وفي حق النساء، بها يكونون قد بلغوا: أن يبلغ الذَّكَر والأنثى خمس عشرة سنة، وإن لم يكن قد أنبت شعر العانة قبل ذلك، أو نزل منه المَنِيّ قبل ذلك، فمن بلغ خمس عشرة سنة؛ فإنه يُعَدّ في دين الله قد بلغ، يُعدُّ بالغًا، ويُعدُّ قد بلغ الحُلُم.
تزيد المرأة -يا عباد الله- بأمرٍ رابعٍ يتعلَّق ببلوغها، وهو: نزول دم العادة، دم الدورة الشهرية عليها، وهو ذلك الدم المعروف في لونه، وفي ثخونته، وفي رائحته، دم جِبِلة وجريان، يسير من المرأة في كل شهر، فإذا تحقَّق لها واحدةٌ من هذِه العلامات الأربعة؛ فإنها قد بلغت، والحيض لا يصيب اَلرِّجَال.
إن علامة البلوغ في حق اَلرِّجَال والنساء لهي أمورٌ مهمة، يترتب عليها أحكام شرعية عظيمة، انتقال هذَا الصغير من كونه غير مُكلَّف إِلَى كونه مُكلَّفًا.
وقد دبَّت إِلَى النَّاس دابة في تقليدهم بالشرق والغرب: أنهم يجعلون سن الرشد إِمَّا إحدى وعشرين سنة، أو ثماني عشرة سنة؛ وَهذَا غلطٌ بيِّن، يناقض ما في دين الله، من أنَّ علامة الرشد هي علامة البلوغ، وحدها الأعلى: أن يبلغ الصغير ذكرًا أو أنثى، أن يبلغوا خمس عشرة سنة، بهذا جاء ديننا، وبه نزل تكاليف شرع ربنا، فلا نحيد عن ذلك، ونستمسك به، ويلاحظ به الآباء والأمهات أبناءهم، ولا سيما في فرائض الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذَا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا)[الكهف: 1]، و(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43].
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم إِلَى يوم الدين، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إنَّ علامات البلوغ يصير بها العبد مُكلَّفًا في دين الله، في فرائض الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالمبادرة إليها، وفي نواهيه بالاجتناب عنها، وقد ندَّت عن فرائض الله فريضة الصَّلَاة، فتقدَّم تكليفها، تقدَّم تكليفها عَلَى البلوغ، وذلك لعظم هذِه الشعيرة، وفريضة هذِه الفريضة، وهي الصَّلَاة، وفيها قول النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيهَا لِعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَينَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"(رواه بعض أهل السنن)؛ فدلَّ عَلَى أنَّ الصَّلَاة لها خصوصية، لها خصوصية بتقدُّم فرضها ووجوبها، لماذا؟ ليعتادها الصغار، وينشأ عليها، فتتعلَّق بها قلوبهم، ويهتموا بها اهتمامًا عظيمًا.
أمَّا سن التمييز -يا عباد الله- فإنه في أرجع أقوال العلماء: يبدأ من سن السابعة الَّتِي يميَّز فيها الصغير بين ما يضره وما ينفعه، ولسن التمييز أحكام: فإنه يجوز أن يؤم النَّاس إذا كان قد جاوز سن التمييز، إذا كان أهلاً للإمامة.
وكذلك يصح بيعه وشراؤه وعقوده، إذا أذن له بذلك وليّه؛ لأنه صار مميزًا، إِلَى أن يتم بلغه بإحدى العلامات الثلاث الَّتِي سبقت في حق اَلرِّجَال، أو العلامات الأربع في حق النساء، فعندئذٍ يكون مُكلَّفًا مسؤولاً عن تصرفاته.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا.
اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.
اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.
اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.
اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات