عناصر الخطبة
1/ تخطيط الأعداء لتمزيق وإضعاف المسلمين 2/ البشارة بإهلاك الظالمين واستبدال عروشهم 3/ مظاهر البشارات في بلاد الإسلام 4/ تراجع دولة المجوس وحلفائها 5/ فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبوناهداف الخطبة
اقتباس
إن الأمة الإسلامية لا تموت، قد تمرض وقد تنام، قد تُصاب بالذل والهوان، ولكن ليس على الدوام، ولا يكونُ ذلك إلى آخر الزمان. فأبشروا يا أمة العزِّ والجهاد، فها هي الأضرحةُ الباطلة، والقبور الشركية، تُهدُّ على عروشها، في البلاد التي قُذف فيها طاغوتها، وهُدَّت ..
الحمد لله الذي خلقنا لعبادته، وأمرنا بتوحيده وطاعته، وأرسل بذلك رسله مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس حجةٌ على الله رب العامين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رضي لنا الإسلام دينًا، وجعله واضحًا ومُيسَّرًا ومُبينًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه، أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين من ربه، صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- واعلموا أنَّ أعداء الأمة كُثر، وهم للمسلمين في كيدٍ وأشَر، ولكنْ كما قال تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) [الطارق: 15-17].
نعم -أيها المسلمون-، لقد خططوا منذ عشرات السنين لتمزيق وإضعافِ المسلمين، فنجحوا في ذلك وقتًا طويلاً، ولكنَّ الأمة هذه الأيام بدأت تصحو مِن نومها، وتَرجعُ من غيِّها، فنفضت طغاةً كانوا جاثمين على صدرها، حاقدين على دينها وشرعها، طالما منعوهم من التَّقدُّم والنُّمو، ومن الرجوعِ إلى الفطرة السليمة، ومن النهوض بأمتهم، فأزاحوهم بقدرةٍ من الله، وبكرامةٍ يستبعدها ولا يتصورها العقل، ولكنَّه أمر الله، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82].
أُمَّةَ الإسلام: إن الأمة الإسلامية لا تموت، قد تمرض وقد تنام، قد تُصاب بالذل والهوان، ولكن ليس على الدوام، ولا يكونُ ذلك إلى آخر الزمان.
فأبشروا يا أمة العزِّ والجهاد، فها هي الأضرحةُ الباطلة، والقبور الشركية، تُهدُّ على عروشها، في البلاد التي قُذف فيها طاغوتها، وهُدَّت عروشه وصُروحه.
أُحرق كتابه الأخضرُ العقيم، وأُبدل بالقرآن العظيم، علَت السنةُ والشريعة، وانْمحقت البدعة والضلالة.
أصبح السجانون مسجونين، والجلادون مجلودين، والظالمون مقهورين، والمظلومون ظاهرين، والفاجرون والفاجرات في صغار وتراجع، والمُصلحون والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر في عزٍّ وتمكينٍ.
ها هي بلادُ القيروان، تَفتَحُ مساجدَها لأهل العلمِ والإيمان، وتُعلن مسابقةً لحفظ القرآن، بعدما سِيمَ أهلُها البطشَ والنكالَ والهوان.
أليس هذا عزًّا لهذا الدين، أليس هذا بعض موعودِ الله رب العالمين، بلى والله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وصدق الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 9].
تُبَشِّرُنا هذه الآيةُ بأنَّ المستقبل للإسلام، بسيطرته وظهوره على جميعِ الأديان.
وهذه بشارةٌ أُخرى مِن خيرِ الأنام محمدٍ -عَلَيْهِ الصَلاةُ والسلام-: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلامَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ". رواه الإمام أحمد.
أبشروا وأمِّلوا -عباد الله-، فمن كان يخطرُ على باله أن يزأر أسدٌ من أسود السُّنَّةِ والإسلام، بالترضّي عن صحابةِ وخلفاءِ رسول الأنام، في بلادٍ يضِجُّون بمسبَّة الصحابة -عليهمُ الرضوان-، ويمنعون ويُعاقبون من ترضى عنهم، أو تسمَّى بأسمائهم، بل لا يُوجَدُ مسجدٌ واحدٌ في عاصمتهم.
فصدع بالحق بكلِّ وضوحٍ وبيان، وناصر المظلومين بلا ترددٍّ وهوان، ومن شدِّة الصاعقة عليهم، وقوةِ الضربة بهم، قاموا بتحريف كلامه، وتغييرِ خطابه، وهذا ليس بغريب على مَن حرَّفوا كلام الرحمن، وكذَّبوا آياتٍ من القرآن.
حُيِّيتَ يا رجـل البطولة والإبا *** حُيِّيْتَ يا شهْمًا مـن الفرسـان
لَمَّا أتيت بـلاد فارس عُقْرَهم *** أطلقتـها حِممًا مـن البركـان
لَمَّا وقفـت أمامهم وبأرضهم *** لقَّنْتهـم درسـًا كَمـَا الطوفان
يا ويح فارس ما فعلتَ بقومهم *** لَمَّا ذكرتَ الصـحبَ بالرضوان
ذكَّرتهم بسقوطِ عَرْشِ مُلُوكِهم *** بِيَدِ الصحابةِ أشجعِ الشـجعان
عُمرٌ أتى يا أهلَ فارس فاحذروا *** اسمٌ يزلزل عُصْبـةَ الشيطـان
أكْـرِمْ بهذا الشَّهمِ يذكُر إسْمَه *** في عُقْرِ دار الفـرس في طهران
وأما أهلُ الشام، فإنَّ دُوَل الغرب وغيرهم، قد أحجموا عن مُساعدتهم ودعمهم؛ لأنهم لم يكونوا يظنُّوهم بهذه العظمة والعزةَّ، فقد تفاجؤوا، بأنّهم قد عادوا للدين عودًا حميدًا، ورجعوا للجهاد رجوعًا فريدًا، بل وخِلال أشهرٍ يسيرة، صنعوا أسلحةً ومُضادَّات، وراجماتٍ وطائرات، وظهر منهمُ الخطباءُ والبلغاء، والمُجاهدون الأشدَّاء.
فخافوا إن تمكنوا من السلطة والرياسة، أن تنقلب الموازين، ويَضعفَ إخوانُهمْ من الرافضةِ والنُّصيريين، ويَنقضُّوا على أحبابهمْ من اليهودِ المغتصبين، فتآمر الشرق والغرب عليهم، فالشُّيوعيُّون وأحفادُ المجوس، يُجاهرون بمدِّ الظالم بالأسلحة والعتاد، والغرب وأذنابُهم يعملون بالسر على منع الدعم للشعب المظلوم، فهم بالظاهر يصرخون بالمناشدات والهُراء، وهم في الحقيقة في الجُرم والإثمِ سواء.
فللَّه درُّكم -يا أهل الشام-، كيف وقفتم بصدوركمْ أمام الدُّول العظام، ولمْ تَعْبؤوا بتهديداتهم بالقتل والانتقام، بل أعلنتم توكلكم على مَن لا يَغفل ولا ينام.
فما مثلكمْ إلا كما قال تعالى عن أجدادكم: (الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ أن النّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173].
للَّه درُّكم -يا أهل الشام-، لقد أعَدْتُم لنا هَيبةَ الجهاد، وذكَّرتمونا بالعبَّاد والزهاد.
ما أعظمكم -يا أهل الشام-، قدَّمتم لنصرة هذا الدينِ الشهداء، وبذلتم في سبيله الأرواح والدماء، وأعطتْ نساؤكم صورًا مُشابِهةً للخنساء.
فاللهم انصرهم ولا تخذلهم، وأعنهم ولا تُعن عليهم، اللهم ثبّت أقدامهم، وادحر أعداءهم، يا رب العالمين، يا كريم يا رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يرفعُ أقوامًا ويضعُ آخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه المُصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: وبينما الأمةُ الإسلاميةُ في تقدُّمها، وعزِّها ونضالها، إلا أنَّ هناك أقوامًا آخرين، في تراجعٍ عجيب، وتَقهْقُرٍ غريب، حيثُ كُشف وبان عَوَرُهم وكَذِبُهم، وظُلمُهم وكَيْدُهم.
ومِن بين هؤلاء دولةُ المجوسِ والشرك، وأذنابُها وغلمانُها، مِمَّن يدَّعون الْمُمَانعةَ والمقاومة، حيث ظهر للعيان، وبالدليل والبرهان، أنَّ مُمانعتَهم ومُقاومتَهم، هي لأهل السُّنَّة والإسلام، والمُتمسكين بالحقِّ المتَّبعين للقرآن.
يا مَن يُدندن بالجهـاد ويـدَّعي *** كُرْهَ اليهـود ونُصـرةَ الإسلام
ليس الجهاد خَطَابـةً وتشدُّقـًا *** كلا ولا يأتـيك فـي الأحـلام
هذي الْيَهودُ نَـراهمُ بجـواركم *** تلهـو وتقـتلُ دائـمًا بسلام
يا مُدَّعٍ حـبَّ الرسـول وآلـه *** أنـت المُحـبُّ لـزُمْرةِ الآثام
وسِلاحُـكَ الفتَّاكُ قـد أعْددتَّه *** غدرًا لأهـل الحـقِّ لا الإِجْرام
أمْطـرته أرضَ العـراقِ وأهـلَه *** وَدَهَـتْ صَـواعِقُهُ بلادَ الشَّامِ
شاركتَ في اليمن السعيد عدوّهم *** وجَهِـدتَ في التقتيل والإعْدام
أَنَعَامـةٌ عنـد العـدوِّ مُـذلَّلٌ *** أسـدٌ على النسـوان والأيتامِ
يا مَنْ أخذتَ من القرامِطِ نهجَهُم *** لَمَّا استباحوا حُرْمـةَ الإسلام
أسْرفـتَ في سَفْكِ الدِّماء كأنَّما *** صيَّرتهـا حِبْرًا عـلى الأقـلام
نعم، هذا هو حال هذا الدَّعيِّ الجبان، ومَن معه من أهل الشرك والطغيان، فهم على مرِّ العصورِ والأزمان، سِلْمٌ للكفارِ وعُبَّادِ الصُّلْبان، حربٌ على أهلِ السُّنَّةِ والقرآن.
ولقد أخبرنا الله تعالى، بأن أشدّ الناس عداوةً لنا، هم اليهودُ والذين أشركوا: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة: 82].
فلقد خسر هؤلاء المجرمون سُمْعتهم ومكانتهم، وخسروا أموالهم ورجالهم، ولقد صدق الله تعالى إذ يقول: (إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوَاْ إِلَىَ جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم، ليصدوا عن اتباع طريقِ الحق، فسيفعلون ذلك ثم تذهبُ أموالُهم، ثم تكون عليهم حسرةً أي ندامة، حيث لم تُجْدِ شيئًا، لأنهم أرادوا إطفاء نور الله، وظهورَ كلمتهم على كلمة الحق، والله مُتِمُّ نوره ولو كره الكافرون، وناصرٌ دينه، ومعلنٌ كلمته، ومظهرٌ دينه على كل دين، فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذابُ النار، فمن عاش منهم رأى بعينه، وسمع بأذنه ما يسوؤه، ومن قُتل منهم أو مات، فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي". انتهى كلامه -رحمه الله-.
فالحمد لله الذي أزال القِنَاعَ عنهم، وأماط اللثام عن حقيقةِ صورتهم، فتبيَّنت حقيقتهم، وظهرت نواياهم، ولطالما سمعنا ورأينا المدافعين عنهم، وعن مقاومتهم وقوَّتهم، وأما الآن، فلقد نطق الصغيرُ والكبير بسبِّهم، وعرف الجميعُ حقيقةَ أمرهم.
ومِن بين هؤلاء الخاسرين، أولئك الذين انتهجوا العنف والقتل والتفجير، في سبيل التغيير وتنفيذِ مآربهم، ولم يُحققوا -بِنهجهمُ السقيم، وفعلِهم العقيم، على مدى سنواتٍ عديدةٍ- أيَّ شيءٍ فيه مصلحةُ العبادِ والبلاد، سوى الدمار والخراب، والحمد لله الذي ردّ كيدهم، وأضعف شوكتهم.
نسأل الله العزَّ لهذا الدين، وأن يخذل الكفار والمنافقين، وأن يُعيد لنا النصر والرِّفْعةَ والتمكين، إنه سميع مجيب كريم.
التعليقات