عناصر الخطبة
1/تحذير النبي من البدع في خطبته كل جمعة 2/من القواعد النبوية في محاربة البدع 3/تحذير السلف من الابتداع في الدين 4/بدعية الاحتفال بالمولد وأدلتهاقتباس
إذا كان أَهْلُ العِلم اختلفوا في شَرْعِيَّة خُطْبَةٍ للخُسُوف والكسوف، واختلفوا في صلاة ركعَتَيِ الإحرامِ -مع أنها عباداتٌ فاضِلَة أَصْلُها مشروعٌ-، فكيف تُشْرَعُ الخُطَبُ وتُؤَقَّت في ليلةٍ مُحَدَّدَةٍ؟! وهل لهذا نظير في الإسلام؟! ولا يمكن أن يُوجَد احتفالٌ بتلك الليلة إلا بمثل هذا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحمدَ لله، نَحْمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شُرُور أنفُسِنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صَلَّى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنْ سارَ على نَهْجِه واقْتَفَى أثَرَه إلى يوم الدين، وسَلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا الله، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلمونَ)[آل عمران: 102].
مَعْشَرَ المصَلِّين: ما الذي كان يُكَرِّره -صلى الله عليه وسلم- في كل خُطبةِ جُمُعةٍ؟ أَوَمَا تَتُوق نَفْسُك أن تسمع ما يُكَرِّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل أسبوع في خُطْبته للجمعة بعد الأَمْر بتقوى الله -سبحانه وتعالى-؟!.
لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُكَرِّر ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر قال: كان إذا خَطَبَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، زاد النسائي: "وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".
أين المتأسَّوْن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- لِيَحْذَرُوا من البِدَع كلها دون استثناء، خافَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمته أشد الخوف مِنِ ابتداع البِدَع، والزيادةِ في شَرْع الله، بل قَصَّ عليهم ما أوحاه الله إليه من سيرة قوم ابتدعوا، فماذا كانت نهايتهم؟ قال الله -تعالى-: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً)[الحديد: 27]، هذا ما جَعَلَه الله في قلوب أَتْبَاع عيسى-عليه السلام- وامتدحهم به، ثم قال: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ)[الحديد: 27]، فهُمْ مَنِ ابتدعَ الرهبانيةَ، وهي الانقطاع عن الدنيا للعبادة، والله لم يَكْتُبْها عليهم؛ لكنهم فعلوها ابتغاءَ رِضوان الله؛ ظَنًّا منهم أنه يُورِثُهم ذلك، ولكن الله قَطَعَ وحَكَمَ بأنَّ البدعةَ لا تُوَصِّل إلى ذلك، فقال: (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)[الحديد: 27]؛ أي: ما قاموا برعايتها من إحسانِ هذه الرهبانية، وإنما تَصَرَّفُوا فيها كما يشاؤون، وفيه دليل على أن الإنسان إذا ابتدع بدعة فإنه لا يُوَفَّق لإقامتها؛ فيكون ضالًّا في الأصل، وضالًّا في الفَرْع حتى ولو اجتهدوا؛ ولهذا لم يَسْتَثْنِ اللهُ منهم أحدًا بأنه أَمْكَنَهُ أن يُرَاعِي هذه الرهبانية المبتدعة، ولهذا قال: (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الحديد: 27]، فقط مَنْ آمَنَ، ومُقْتَضَاه التصديقُ، والعمل بالتنزيل.
وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)[آل عمران: 106]، قال كما في تفسير ابن أبي حاتم: "تبيضُّ وجوهُ أهلِ السُّنَّة، وتَسْوَدُّ وجوه أهلِ البدعة"، وعند ابن أبي حاتم أيضًا: أَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِعَائِشَةَ: "يَا عَائِشَةُ، (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا)[الأنعام: 159]، هُمْ أَصْحَابُ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ".
كُلٌّ يستطيعُ أنْ يَجِدَ لكل بِدْعَة استحسانًا، وإلَّا فكيف ضَلَّ الناسُ؟! ولهذا قَطَعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر بِقَوَاعِدَ عظيمةٍ، ففي الصحيحين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ"، وفي رواية أَخْرَى لمسْلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".
ومِنْ قواعده -صلى الله عليه وسلم- التي قَرَّرَها لمحَارَبَةِ البِدْعَة ما رواه أحمدُ والترمذيُّ وصَحَّحَهُ عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ".
فهذه قاعدة أصيلة شرعية، تُرَدُّ إليها كلُّ الحوادث: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المهْدِيِّينَ"، ثم قال: "تَمَسَّكُوا بِهَا"، ولم يَكْتَفِ -صلى الله عليه وسلم- بهذا بل قال: "عَضُّوا عَلَيْهَا"، ولم يَكْتَفِ أيضًا بهذا بل قال: "بِالنَّوَاجِذِ"، وهي مُؤَخَّر الأضراس؛ وذلك لشِدَّة العَضِّ والتمسُّك.
ولهذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- مُتَمَسِّكِين بالسُّنَّة أشَدَّ التمسُّك، فتَأَمَّلْ ما قاله حُذَيْفَةُ- رضي الله عنه-: "كلُّ عِبَادةٍ لا يَتَعَبَّدُها أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تَعَبَّدُوها؛ فإنَّ الأوَّلَ لم يَتْرُكْ للآخِرِ مَقَالًا"، واستمع إلى وصية ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوالله إنها لمنْ نَاصِحٍ -رضي الله عنه وأرضاه- حيث يقول: "عليكم بالاستقامة والأَثَر، وإياكم والبِدَع"، وقال أيضًا: "مَنْ أَحْدَثَ رَأْيًا ليس في كتاب الله، ولم تَمْضِ به سُنَّةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَدْرِ ما هو عليه إذا لَقِيَ الله -سبحانه وتعالى-"، وقال سهل بن عبد الله التستري: "ما أَحْدَثَ أحدٌ في العِلم شيئًا إلَّا سُئِلَ عنه يوم القيامة، فإنْ وَافَقَ السنَّةَ سَلم، وإلَّا فلا".
ويكفي الخائف الرَّاجِي ما رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لم يَظْمَأْ أَبَدًا، وَلَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ"، وفي لفظ فأقول: "إِنَّهُمْ مِنِّي، فيقال: إنَّك لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لمنْ بَدَّلَ بَعْدِي"، فيا حَسْرَتَكَ إنْ مُنِعْتَ مِنَ الحَوْضِ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الأعراف: 17].
بارَكَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحَكِيمِ، أقولُ ما سَمِعْتُم، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاسْتَغْفِرُوه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشُّكْر على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشَانِه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، الداعي إلى جنته ورضوانه، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، أَمَّا بَعْدُ:
مَعْشَرَ المصَلِّينَ: إنَّ المتأمِّل في وَاقِعِنا يَرَى أنَّ الأهواءَ قد اخْتَلَفَتْ في عصرنا وتَضَارَبَتْ، وكلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا بِحَقٍّ، ولكنْ ما كان اللهُ لِيُضِلَّ قومًا بعد إذ هداهم حتى يُبَيِّنَ لهم ما يَتَّقُون، فالسُّنَّة واضحة جلية، والحق ظاهر لمنْ طَلَبَهُ، والله -تعالى- يقول: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلمهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 83].
وَوَاللهِ، ما أصابَ مَنْ أصابَ مِنَ الزَّيْغِ والضلالة من أهل السبيلَيْن الإفراط والتَّفْرِيط أَهْلِ الغُلُوِّ والتَّنَطُّع أَهْلِ الجفاءِ وتمييعِ الشريعة؛ إلا بسبب بِدْعَةٍ أو مَحَبَّةِ مُبْتَدِعٍ أو صاحبِ هَوًى، وإلا فإنه كما قال أهل العلم: "لم تجئ بِدْعَةٌ قَطُّ إلَّا مِنَ الهَمَجِ الرِّعَاع أَتْبَاع كل نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مع كل ريح، فمن كان هكذا فلا دين له"(شرح السنة للبربهاري).
وفي كل يوم يَخْرُج لنا مَنْ يَنْشُرُ الشُّبَهَ والأمورَ الشاذَّة بين الناس، فالأمر والحال كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي"، فأصبحنا نسمع من يَسْتَهِينُ ببدعة الاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا)[الحديد: 27]، ليلةٌ مُحَدَّدَة، وخُطَبٌ مُؤَقَّتَة، إن لم يكن هذا تشريعًا جديدًا وبدعةً حادِثَة فكيف تكونُ البدعةُ إِذَنْ؟!.
ولئن كان عِلمك لم يُوَصِّلْك ولم يُرْشِدْك إلى أنَّ هذا بدعة فاسأل الله الهداية، إذا كان أَهْلُ العِلم اختلفوا في شَرْعِيَّة خُطْبَةٍ للخُسُوف والكسوف، واختلفوا في صلاة ركعَتَيِ الإحرامِ -مع أنها عباداتٌ فاضِلَة أَصْلُها مشروعٌ-، فكيف تُشْرَعُ الخُطَبُ وتُؤَقَّت في ليلةٍ مُحَدَّدَةٍ؟! وهل لهذا نظير في الإسلام؟! ولا يمكن أن يُوجَد احتفالٌ بتلك الليلة إلا بمثل هذا، وهو أقلُّ ما يُمْكِن، فكيف إذا خَالَطَهُ أمورٌ مُحَرَّمَة، وألفاظ شركية بدعية؟! فكيف إذا عَلمت أنه لم يَفْعَلْه رسولُ الله باتفاق أَهْلِ العِلم، ولم يفعله أبو بَكْرٍ ولا عمرُ ولا عثمانُ ولا عليٌّ بإجماع أَهْلِ العِلم؟! ولا فعلت في زمن فقهاء التابعين، ولا زمن الأئمة الأربعة، وأول ما ابْتُدِعَ بعد القرون المفَضَّلَة.
إِذَنْ، أين كلامُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي"؟! أين هو؟!.
ولقد جاءتْ عَبْرَ رسائل الجوَّال تهنئة بهذا العيد البِدْعِيِّ، فسبحان الله! إذا كان أَهْلُ العِلم مُختلِفِين بِجَوَاز التهنئة بالعيد الشرعي، فكيف بهذا البِدْعِيِّ؟! وقال عبد الله بن عمر: "كُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وإنْ رآها الناسُ حَسَنَةً"، وقد أَنْكَرَ ابنُ مَسْعُود -رضي الله عنه- على قَوْمٍ جُلُوسٍ في المسجد مع كل واحد منهم حصًى، وبينهم رجل يقول: "كَبِّرُوا مِائَةً"، فيُكَبِّرُون مائةً، فيقول: "هَلِّلُوا مائةً"، فيُهَلِّلُون مائةً، فيقول: "سَبِّحُوا مائةً"، فيُسَبِّحُون مائة، وقال: "وَالَّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابَ ضَلَالَةٍ؟"، قالوا: "مَا أَرَدْنَا إِلَّا الخَيْرَ"، فقال: "وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ"(أخرجه الدارمي بإسناد صحيح).
وَوَاللهِ، لو عُرِضَتْ هذه على كَثِيرٍ ممنِ ابْتُلِيَ بِمَرَضِ القَلْبِ لاسْتَحْسَنَها وأَمَرَ بها، لكنْ هذا مِنْ فَهْمِ سَلَفِ الأُمَّة لِخَطَرِ البِدْعَة، وقد قال إمامُ دارِ الهِجْرَة مالكٌ -رحمه الله-: "مَنِ ابتدعَ في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زَعَمَ أنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خَانَ الرسالةَ؛ لأنَّ اللهَ يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3 ]، فما لم يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا، فلا يَكُونُ اليومَ دِينًا"، وقال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "مَنِ استَحْسَنَ فقد شَرَّعَ"، وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "أُصُولُ السُّنة عندنا: التمسُّك بما كان عليه أَصْحَابُ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والاقتداءُ بهم، وتَرْكُ البِدَع، وكُلُّ بِدْعَةٍ فَهِيَ ضَلَالَةٌ".
أَلَا فَمُوتُوا على السُّنَّة، واحْذَرُوا المبْتَدِعَة، والدعاةَ إليها، واحْذَرُوا مُجَالَسَتَهُمْ، قال الإمام أبو عبد الله ابن بطة في كتابه (الإبانة): "اعلموا -إِخْوَانِي- أني فَكَّرْتُ في السَّبَب الذي أَخْرَجَ أقوامًا مِنَ السُّنة والجماعة، واضْطَرَّهُم إلى البِدْعَة والشَّنَاعَة، وفَتَحَ بابَ البَلِيَّة عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ، وحَجَبَ نورَ الحقِّ عن بَصِيرتهم، فوجدتُ ذلك مِنْ وَجْهَيْن: أحدهما: البَحْثُ والتنقير، وكَثْرَة السؤالِ عما لا يُغْنِي، ولا يَضُرُّ العاقلَ جَهْلُهُ، ولا ينفعُ المؤمنَ فَهْمُهُ، والآخر: مُجَالَسَةُ مَنْ لا تُؤْمَن فِتْنَتُه، وتُفْسِدُ القُلُوبَ صُحْبَتُهُ".
وقال حماد بن زيد: سمعت أيوب يقول: "ما أعلم أحدًا مِن أَهْلِ الأهواء إلا يُخَاصِمُ بالمتشابِه"، وقال ابن مسعود: "لا يزال الناسُ بِخَيْر ما أَتَاهُمُ العِلم مِنْ قِبَلِ أَصْحَابِ مُحَمِّد -صلى الله عليه وسلم- وأكابِرِهِم، فإذا أتاهم العِلم من قِبَلِ أصاغِرِهم فَذَلِكَ حِينَ هَلَكُوا"، وليس الصِّغَرُ خَاصًّا بالسِّنِّ، بل عامٌّ حتى بِمَنْ قَلَّ عِلمه، وأَعْجَبَهُ رَأْيُه.
وخِتَامًا -أيها الإخوة- أُذَكِّرُ كُلَّ مُتَكَلم ومُحاجِجٍ عن البدعة بقول أبي عثمان الحِيرِيِّ النيسابوري: "مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ على نَفْسِه قولًا وفِعلًا نَطَقَ بالحكمة، ومَنْ أَمَّرَ الهَوَى على نفسه نَطَقَ بالبدعة".
التعليقات