د. زيد بن محمد الرماني
حوار: مازن عايض الجعيد
نستضيف اليوم شخصية هي من أبرز من تخصص في مجال الاقتصاد الإسلامي فله مؤلفات عديدة نذكر منها الاقتصاد الإسلامي أمل البشرية، وخصائص النظام الاقتصادي في الإسلام، والرؤية الإسلامية لسلوك المستهلك، والأربعون الاقتصادية صور من السبق الاقتصادي في الإسلام، وقطوف اقتصادية من الماضي والحاضر، وفصول من الثقافة الاقتصادية المعاصرة ومقاصد الشريعة في الكسب، والمفاهيم الاستهلاكية في ضوء القران والسنة، وله دراسات اقتصادية، ورؤى اقتصادية، وكتب اقتصادية واجتماعية وفكرية أخرى، وله بحوث محكمة واستشارات في شؤون التسويق وشؤون الإعلام والجوانب الاقتصادية للسياحة والاستثمار والبيئة وهو عضو في جمعيات عديدة منها الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي والجمعيه العربية للبحوث الاقتصادية وجمعيه الاقتصاد السعودية، كان عنوان رسالته لاجتياز مرحلة الماجستير (سلوك المستهلك في الاقتصاد الإسلامي)، وعنوان رسالة الدكتوراه (البيئة والتنمية المستدامة من منظور إسلامي) إنه فضيلة الأستاذ الدكتور / زيد بن محمد الرماني - المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية...
فإلى ثنايا الحوار..
س: في رأيكم كيف ترون الاقتصاد الإسلامي كعلم؟
ج: يحاول بعضهم ممن تأثر بعقلية الغرب أن يقرب الاقتصاد الإسلامي لأحد النظامين الاقتصاديين العالميين الرأسمالي والاشتراكي.
ففريق يقول إن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد رأسمالي, لأنه يقر الملكية ويبيح الغنى، وفريق ثاني يقول إنه اقتصاد اشتراكي لانه يدعو إلى توزيع الثروات وعدم حصرها في أيدي الأغنياء، وغير ذلك مما يتقوله هؤلاء وينسبونه إلي الإسلام وهذه الأقوال في اعتقادي الخاص - جميعها لا علاقة لها بالاقتصاد الإسلامي قاربت الحقيقة أو جانبتها.
وبهذه المناسبة فإني أقول لذلك المتشكك أو المشكك الذي أطلق سؤالا خبيثا هل الاقتصاد الإسلامي علم أم وهم أقول له إن الاقتصاد الإسلامي علم فهو اقتصاد فريد في نوعه , عريق في تاريخه أصيل في ذاته ومصادره, مستقل في تعاليمه، نسيج وحده، اقتصاد يقوم على تشريع رباني, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, تنزيل من حكيم حميد،اقتصاد يقوم على قواعد أساسية يرتكز عليها العقيدة والأخلاق والثواب والعقاب والحلال والحرام، اقتصاد متفرد بخصائص مستقلة لا يشترك معه فيها أي نظام اقتصادي آخر.
س: إذن - في رأيكم - ما هي أبرز الأخطاء التي عانت منها مناهج البحث والدراسة في مجال الاقتصاد الإسلامي؟
ج: إن من أبرز الأخطاء التي تظهر من خلال مناهجنا في البحث والدراسة والتفكير أننا نحاول أن نضع نظاما اقتصاديا لانفسنا من خلال الأسس الاقتصادية التي يقوم عليها الاقتصاد المعاصر.
إذ من واجب علماء الاقتصاد في بلادنا أن يتخلوا عن عقدة آدم سميث وكارل ماركس وان يبتعدوا عن الأسس التي قامت عليها النظم الفردية أو الاشتراكية وان يضعوا لمجتمعنا أسسا متينة لنظام اقتصادي إسلامي أصيل.
هذا، وقد اعترف غير واحد من المفكرين الأوربيين بأنهم يتطلعوا إلى اقتصاد خال من العيوب التي وقع فيها الاقتصاد الرأسمالي والاقتصاد الاشتراكي,اقتصاد تحكمة قواعد ثابتة لا تؤثر فيها المصالح الشخصية والمنافع المادية وتدعمه شريعة ربانية خالدة، فيه من المرونة واستيعاب المستجدات ما يواكب الواقع والتطور.
س: قيل الحق ما تشهد به الأعداء كيف ترون موقف العلماء الغربيين من الاقتصاد الإسلامي؟
ج: أذكر في هذا المجال بعضاً من الأمثلة، ومن ذلك: يقول جاك اوستري أستاذ الاقتصاد الفرنسي أن طرق الإنماء الاقتصادي ليست محصورة بين الاقتصادين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي, بل هناك طريق اقتصاد ثالث راجح هو الاقتصاد الإسلامي.
ويرى اوستري أن الاقتصاد الإسلامي سيسود المستقبل لانه على حد تعبيره, أسلوب كامل للحياة, يحقق كافة المزايا ويجتنب كافة المساوئ. ويقول وسلوزيجريسكي الروسي وليون روشي الإيطالي: لقد أدهشتنا النظم الاجتماعية والاقتصادية التي يقررها الإسلام وعلى الأخص: الزكاة, وتشريع المواريث وتحريم الربا. وكما قيل قديما الحق ما تشهد به الأعداء.
س- فضيلة الدكتور المصارف عصب الاقتصاد كما قيل، في رأيكم كيف ترون مستقبل المصارف الإسلامية؟
إن الاقتصاد اليوم هو محور الحياة في العالم ويأتي في قمة الأولويات واهتمام الدول والمفكرين والمختصين.
وتعد المصارف عصب الاقتصاد ومحركه الرئيس لأنها تحفظ الأموال وتحركها وتنميها وتسهل تداولها وتخطط في استثمارها.
والمصارف الإسلامية تعد ركنا أساسيا من أركان الاقتصاد الإسلامي خصوصا المعاصر والحقيقة فان المصارف الإسلامية ليست تغييرا في الشكل أو المسمى أو مجرد إضافة كلمة "إسلامي" إلى اسم مصرف أو تغييراً في بعض المسميات فوق مضمون ربوي كما ظن.
فالمصارف الإسلامية ليست مجرد مصارف لا تتعامل بفائدة أخذاً وعطاء فحسب, ولكنها أيضا مؤسسات عقديه أنشئت لتجسيد وتدعيم الاقتصاد الإسلامي في الممارسة العملية.
ولذا, سعت المصارف الإسلامية في الدول الإسلامية والعربية لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة وكذا تخفيف معانة الأفراد المادية.
بل, لقد أصبحت المصارف الاسلاميه تضاهي البنوك التجارية في أنشطتها الاقتصادية والمصرفية والتجارية كما انتشرت في معظم بلاد العالم الإسلامي.
ومن ثم, فلا عجب أن تتخذ البنوك التجارية خطوات إيجابية نحو إنشاء أقسام أو فروع للمعاملات المالية الإسلامية ففي الغرب أخذت مؤسسات ماليه كبرى تطبق في بعض محافظها النظام المصرفي الإسلامي, وبنوكنا ليست بدعا من ذلك بل إن هذا الأصل فيما ينبغي أن يكون.
س: ظاهرة المرابي أخطر الظواهر المعاصرة على الاقتصاد بعامة برأيكم كيف تقيمون هذه الظاهرة؟
ج: هنا أقرر حقيقة قد يختلف معي حولها الكثير فاقول:إن الربا بأشكاله الجديدة وصوره المستحدثة وأنواعه المتجددة وصيغه المختلفة, يكاد يطبق على الكرة الأرضية من مشرقها إلى مغربها ومن جنوبها إلى شمالها سواء أكان ذلك بأساليب مباشرة أو غير مباشرة بوسائل معلنة أو خفية, وبأشكال منظورة أو غير منظورة.
بل يكاد أن لا يسلم أي أحد من غبار الربا فهذه قروض واستدانات, وهذه بطاقات ائتمانية وهذه بيوع آجال وتلك مداينات وهذه حيل ربوية.
ولذا, فعندما أقول إن الربا هو سمة العصر فاني لا أطلق شتيمة وإنما اثبت حقيقة أساسية من حقائق هذا العصر.
وظاهرة المرابي, كما هو معروف هي تعبير عن وجود أزمة اجتماعية, سواء أكانت تتناول فردا وأسرته أم شعبا برمته, أم عالما بأجمعه, فهي كارثة فظيعة تترتب عليها نتائج متعددة.
وما هو أشد فظاعة وخطرا أن يمتلك المرابي موقع القيادة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عندئذ, تغدو الأزمة نظاما اجتماعيا, له قوانينه وثقافته وعلاقته وفنونه وسيكولوجيته التي تخدم جميعها نظام الربا. إن العالم الذي نعيش فيه اليوم محكوم بنظام عالمي ربوي, وتقوده موسسات مرابية, لها مصلحة في تعميق أزماته أكثر فأكثر.
س- يتعامل كثير من الناس عن طريق معاملات التقسيط والبطاقات الائتمانية في رأيكم ما هي أبرز المحاذير في هذا المجال؟
ج- لا عجب أن وجدنا بعض الناس يعمد للحصول على سيولة نقدية إلى الذهاب إلى بعض المتاجر ثم الشراء منهم بالتقسيط والدين وإعادة بيعها عليهم دون نقل المباع أو تملكه أو حيازته ,رغبة في الحصول على المال وفي هذا عود إلى ما كان يعرف قديما بالعينة والتورق, ومن المعلوم شرعا ثم عقلا وعرفا ما في مثل هذه المعاملات من الشبه الربوية واكل أموال الناس بالباطل واعجب من هذا, من يبتاع سلعة معينة بمال غيره على أن يقسط هذه على صاحب المال.
والحقيقة, فانه ينبغي التنبه لمسألة مهمة هي البيع بالتقسيط بالدين ولا ينبغي التوسع في الاستدانة ذلك, لان الاستدانة فيها في حال الشراء بالتقسيط زيادة في مقابل الأجل, إضافة إلى أن حجم الدين يفترض أن إلا يتجاوز قدرة المدين على السداد. ومن المعلوم, أن الديون ظاهرة منتشرة في عدد كبير من البيوت, وللأسف, بين أوساط الشباب, لأغراض الزواج أو السكن أو شراء سيارة أو السفر, الخ.
ومن ثم, تكاثرت الديون ووصل الأمر إلى أن عجز كثير من الناس عن الوفاء بتلك الديون, وانتهى بعضهم إلى السجون أو لجنة تبيع الممتلكات لسداد الديون والمستحقات.
علما بان القران والسنه نصت على التنفير من الإستدانه, ودعت إلى عدم الالتجاء للافتراض إلا في حالة الاضطرار وحثت على الوفاء بالديون وأداء المستحقات لأهلها وصدق القائل: (الدين يهدم الدين), و(الدين هم بالليل, ومذلة في النهار, شغل للقلب والخاطر).
س: تعمد كثير من الأسواق المعاصرة إلى الاستفادة من الحوافز التشجيعية والوسائل الترغيبية كيف تنظرون برؤية اقتصادية لهذه الوسائل؟
ج- إن التجار وأصحاب السلع والخدمات, اليوم ما انفكوا يستعملون أنواعا من الوسائل والأساليب التي تشجع الناس على شراء سلعهم وخدماتهم وترغيبهم فيها , منذ زمن بعيد.
وقد كانت هذه الوسائل الترغيبية في ذلك الوقت محدودة وقليلة محصورة, وان كانت مؤثرة وجذابة ثم، مع التقدم الحضاري والتقني وتنوع المنتجات وتطور حياة الناس وأنشطتهم الاقتصادية ,تطورت تبعا لذلك أساليب التجار في ترويج سلعهم, وحملهم ذلك على تطوير أساليب واستحداث وسائل جديدة لتوسيع قاعدة المشترين وتنشيط المبيعات, وانتشرت بشكل كبير متنوع الحوافز الترغيبية التشجيعية وصارت معلما بارزا من معالم الأسواق المعاصرة.
ومن هذه الحوافز والوسائل الترغيبية: المسابقات والتخفيضات والهدايا والإعلانات والدعايات وحوافز أخرى والأصل في هذه الحوافز وغيرها من المعاملات الحل والإباحة, ما لم يقم دليل التحريم والمنع وذلك مرجعه إلى أسباب التحريم في المعاملات من مثل: وجود الظلم أو الغرر أو الربا أو الميسر أو القمار أو الكذب أو الخيانة, أو كانت المعاملة تفضي إلى محرم.
وأما المسابقات فهي من حيث بذل العوض ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تجوز المسابقة فيه بعوض وهو المسابقة بسهم والخيل والإبل.
والثاني: ما لا تجوز فيه المسابقة مطلقا وهو المسابقة في كل مافيه محرم أو ألهى عن واجب.
والنوع الثالث: ما تجوز فيه المسابقة بدون عوض وهو المسابقة في كل ما فيه منفعة ولا مضرة فيه راجحة.
وهنا أبين بإيضاح أدق, أن أنواع المسابقات التجارية الترغيبية ما لا عمل فيه من المتسابقين, وهذا على وجهين:
1- ما يشترط فيه الشراء, وهذا محرم لكونه قماراً.
2- ما لا يشترط فيه الشراء, وهذا القسم يخرج على أنه هبة لمن تعينه القرعة وهو جائز لا حرج فيه.
وهنا أحذر من المسابقات التي تحتوي غرراً أو قمارا أو كذبا أو محذورا شرعيا, لتستقيم حياتنا الاقتصادية.
كلمة ختامية:
ختاما أقول: إن الاقتصاد إذا افرغ من معاني الاعتدال والقسط والتوسط في الأمور يصبح استغلالا ماديا للإنسان أو للسلع التي يتعامل معها، إذ العدل هو الركيزة الأساسية للاقتصاد لان الاقتصاد يعني اختيار البدائل المثالية.
وانه من الخطأ أن نعتقد أن النظم الاقتصادية القائمة فردية كانت أو جماعية هي القدر الذي يجب علينا أن نختاره, ومن ثم فعلينا أن نقلب أبصارنا لنختار إحدى التجربتين.
وللأسف, فعندما فعلنا ذلك حالفنا الفشل الذريع. إننا أمة لها كيانها وشخصيتها المتميزة المستقلة ونحن مجتمع له معتقداته وتقاليده وظروفه وتقاليده الخاصة.
ومن هنا, فإنني أطالب بإلحاح أن يكون لنا نظام اقتصادي مميز في مصادره وفي أحكامه وفي أهدافه وفي خصائصه عن النظم القائمة, يستمد منهجه من تعاليمنا الإسلامية ومقاصد ديننا الحنيف وتراثنا الاقتصادي الإسلامي الذي يعتبر نبراس عدل وشاهد حق على السبق في الميدان الاقتصادي.
التعليقات