عناصر الخطبة
الاستنصار لإخواننا في غزةاقتباس
عباد الله : في أصقاع الأرض من يموت من البرد والجوع ، وأنت تتقلب في الدف والنعيم فليس هذا من العدل ، فما أعطاك الله إلا ليبتليك فشمر عن ساعد الجد وقدم لنفسك فالأيام دول .
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد فيا أيها الناس : إن الله جل في علاه خلق الخلق بحكمة ، ويسر لكل مخلوق سبيل العيش في الدنيا ، فالخلق طبقات مختلفة وصفات متفاوتة ، فمثلا الإنسان مكنه الله من العيش والتعايش في هذه الأرض ، وجعل له سلاحا يحميه من الأعداء ويستنصر به عند اللأواء ، وهذا السلاح لا يغلب أبدا ، وهو من أعظم منن الله على الخلق ، هذا السلاح عباد الله به يحمي الإنسان نفسه من شرور الخلق جميعا ، إنه الدعاء ، نعم دعاء الله والاستنصار به
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لها أمد وللأمد انقضاء
والله جل وعلا يحب الملحين في الدعاء بل أمر بدعائه وغضب على من لم يدعه (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)
بل جعل للداعي لغيره مثل ما دعاء به ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل
عباد الله : نحن نعيش في فتنة وبلاء في العالم الإسلامي كله ،
أن اتجهت إلى الإسلام في بلد *** تجده كالطير مقصوصا جناحاه
والعجيب أننا نجد الغفلة من المسلمين في نصرة أنفسهم وإخوانهم بالدعاء ، بل هم مشتغلون بما لا ينفعهم ولا يدفع عنهم ، بل الاخر يهزأ بالدعاء ويقول لم نجد له فائدة والعياذ بالله
وإن الناظر في سنن الله في خلقه أنه جل وعلا ينصر المظلوم والمكروب والمضطر إذا دعاه (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه)
وإن الناظر في القرآن يرى ذلك واضحا ، كيف نصر الله أنبياءه ورسله ، بل كيف كانوا يستنصرون بالله في كل شؤون الحياء ، وهذا من كمال التوكل ، فانظر إلى نوح لما قال الله له (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) دعا عليهم فقال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) وقال في سورة القمر (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر )
لما دعا نوح ربه أنتقم الله له وأجاب دعوته ، فأغرق من في الأرض كلهم جميعا ، إلا من آمن وما آمن معه إلا قليل .
وهكذا نبينا صلوات رب وسلامه عليه استنصر ربه في عدة مواقع ، فإنه لما عاندت قريش وفتنت المؤمنين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عن مسروق قال كنا عند عبد الله فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا قال اللهم سبعا كسبع يوسف فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف وينظر أحدهم إلى السماء فيرى الدخان من الجوع فأتاه أبو سفيان فقال يا محمد إنك تأمر بطاعة الله وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم ....الحديث
واستنصر النبي صلى الله عليه وسلم ربه يوم بدر كما اخرج مسلم في صحيحه من حديث عمر بْن الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ. فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار يوم الأحزاب ففي الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم"
وفي المسند عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر، قال: " نعم، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا " قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائنا بالريح، فهزمهم الله عز وجل بالريح.
وغيرها كثير ، كان الدعاء مفزع الأنبياء والصالحين في الشدة والرخاء ، وهذا واضح في كتاب الله تعالى
اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس : سمعنا في الخطبة الأولى كيف كان الدعاء مفزعَ الأنبياء في الشدة والرخاء ، ولقد سار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على نهج نبينا صلوات ربي وسلامه عليه وسار من بعدهم على نهجهم ، خصوصا الأئمة الذين يعنون بحال الأمة ، فقد كان المجاهدون في سبيل الله من الصحابة والتابعين ومنن بعدهم في يوم الجمعة لا يغزون حتى تصلي الأمصار صلاة الجمعة يلتمسون دعاءهم لهم على المنابر كما فعل النعمان بن مقرن في قتال الفرس وفتح الله عليهم ، بل كان من أوقات الإجابة الدعاء عند التحام الصفين في القتال
عباد الله : إن للدعاء وقت الأزمات فرجا سريعا ، فهو توحيد لله ، وتوكل عليه وعبادة وطاعة ، وفرج وتنفيس ، سواء كان الأمر يعنيك شخصيا أو يعني الأمة ، فها هو الإمام نور الدين محمود يقاتل الصليبيين في إحدى المعارك وقد اشد القتال وأحس بتغلب الصليبيين عليهم فقام وذهب خلف تل في أرض المعركة ، ونزل عن فرسه ، وعفر وجهه بالتراب ، ودعا واستنصر ربه ، وكان من دعائه اللهم انصر جندك ولا تنصر محمود الكلب ، فما قضى دعاءه إلا ومالت الكفة وهزموهم بإذن الله
أولئك تعلقوا بالله وعلموا أن النصر لا يكون إلا من الله فلزموا بابه ، وإن لنا إخوانا في مشارق الأرض ومغاربها قد استحر بهم القتل وعلتهم الفتن ، وقد جعل الله لنا الدعاء من أقوى أسباب النصر فالزموه عبد الله ، وادعوا لإخوانكم في كل وقت ، براءة للذمة ونصرة لإخواننا ، ولنعلم أن الدعاء لا يضيع بل له أمد ، والعاقبة للمتقين ، وهذه الأيام إخوتنا في غزة اشتد بهم الكرب ، وحاصرهم العدو الصهيوني ، وقطعوا عنهم الماء والكهرباء ، ومنعوا المساعدات والإغاثة ، ولا ناصر لهم إلا الله تعالى وكفى به ناصرا ومعينا ، فالهجوا بالدعاء لهم في أوقات الإجابة ، واستنصروا لهم ، فهذا أعظم مدد تمدونه لهم ، فالشعوب الآن لا تملك الجهاد بالنفس ، وإنما تملك الجهاد بالدعاء والمواساة ، ومن نصرة إخواننا ايضا دعمهم بالمال ، خصوصا أولئك المهجرين من ديارهم ، يسكنون الخيام التي لا تمنع مطرا ولا ثلجا ولا هواء ، قل زادهم ولباسهم ، وقلت حيلتهم ، فبادروا رحمكم الله بما تستطيعون ، فهو من الجهاد في سبيل الله ، ومن الواجبات على المستطيع ، خرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد فرأى رجلاً عارياً فنزع ثوبه و كساه إياه فرأى بعض أهل الشام في منامه أن صفوان بن سليم دخل الجنة بقميص كساه فقدم المدينة فقال : دلوني على صفوان فأتاه فقص عليه ما رأى ، و رُفع إلى بعض الوزراء الصالحين أن امرأة معها أربعة أطفال أيتام و هم عراة جياع فأمر رجلاً أن يمضي إليهم و حمل معه ما يصلحهم من كسوة و طعام ثم نزع ثيابه و حلف : لا لبستها و لا دفئت حتى تعود و تخبرني أنك كسوتهم و أشبعتهم ، فمضى و عاد فأخبره : أنهم اكتسوا و شبعوا و هو يرعد من البرد فلبس حينئذ ثيابه .
عباد الله : في أصقاع الأرض من يموت من البرد والجوع ، وأنت تتقلب في الدف والنعيم فليس هذا من العدل ، فما أعطاك الله إلا ليبتليك فشمر عن ساعد الجد وقدم لنفسك فالأيام دول .
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لإخواننا في غزة ، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم ، وحفاة فاحملهم ، وعراة فاكسهم ، وجياع فأطعمهم ، اللهم انصرهم على الصهاينة الغاصبين ، اللهم مكن لهم في بلادهم ، اللهم اشف مرضاهم ، وارحم موتاهم يارب العالمين
التعليقات