اقتباس
الأنثى غير الذكر في حياتها وتربيتها، فالذكر لا يحتاج إلى كثير ملابس وكثير زينة، عكس الأنثى التي تحتاج إلى الزينة والحلية، وهذا داخل في فطرتها. وأيضا البنت بتكوينها النفسي والجسدي تظل كائنا حساسا جدا، قد تجرحه كلمة أو نظرة، ما يدخلها في نوبة من الشك أو الحزن، وكل هذا يحتاج صبرا من المربي، وصبره هذا...
الحديث في تربية الأنثى طويل ومتشعب، ولا ينحصر في جزئية أو مسألة معينة؛ غير أننا نحاول في هذا الجزء الحديث عن أهم ما في هذا الموضوع تبيانا وإيضاحا، ومن زوايا نظر مختلفة، حتى تتضح الصورة، وترسخ الفكرة، ويحدث التأثير.
الصبر على الأنثى أم التذمر والتسخط؟:
الأنثى غير الذكر في حياتها وتربيتها، فالذكر لا يحتاج إلى كثير ملابس وكثير زينة، عكس الأنثى التي تحتاج إلى الزينة والحلية، وهذا داخل في فطرتها، وقد قرر القرآن هذه الحقيقة في قوله تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف: 18]، وهذا يعني أنها تحتاج رعاية خاصة، وإنفاقا خاصا، كما أن البنت بتكوينها النفسي والجسدي تظل كائنا حساسا جدا، قد تجرحه كلمة أو نظرة، ما يدخلها في نوبة من الشك أو الحزن، وكل هذا يحتاج صبرا من المربي، وصبره هذا طريق إلى الجنة، وممر لبناته نحو السعادة، فإن تذكرن شقاءهن وهن صغيرات رفعن أكفة الضراعة إلى الله -تعالى- أن يحفظ والدهن أو يرحمه، ومن صبره عليه يتعلمن الصبر على أزواجهن وأولادهن، عن عقبة بن عامر-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة"، وفي رواية الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- لم يحدد النبي -صلى الله عليه وسلم- عددا من البنات، فقال: "مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجاباً من النَّار".
بالتالي نجد في النهاية أن لهذا الصبر منافع في الدنيا والآخرة، أولها: حصاد السعادة هنا، والفوز برضى الرحمن وجنته في الآخرة.
أما الوالد الذي لا يصبر فإنه يفتح نفسه باب شر عظيم؛ لأنه صار ظالما لأغلى ما رزقه الله -سبحانه وتعالى-، فعدم الصبر عند الوالد يعني تعرض البنت لأذية شديدة خلال حياتها معه، وذهابها بعد ذلك ضحية لاستبداد وبطشه، ما يجعل من هذه البنت مصدر نكد في المستقبل لأسرتها الصغيرة، إلا إذا تداركها لطف الله -تعالى-، فما أرحم الإسلام الذي وجه الوالد المربي إلى كل هذه التفاصيل، التي تقف عليها سعادة البنات وسلامتهن وهن صغيرات، وسلامة بيتهن وأولادهن وهن زوجات وأمهات.
أخيرا: من الأفضل الذكر أم الأنثى؟
عندما ابتعد المسلمون عن الإسلام، وركنوا إلى العادات الاجتماعية الفاسدة، والتي حذر منها النبي -عليه الصلاة والسلام- وقعوا في مظالم كثيرة، خلفت مآسٍ رهيبة، ومن أعظم المظالم التي تعيشها الأمة الإسلامية: تفضيل الرجل الذكر على البنت بإطلاق، وشيوع ثقافة احتقار البنت بناء على ثقافة العيب، فالبنت في نظر المجتمع العربي المعاصر مصدر للعار والشنار، وهو اعتقاد يوافق اعتقاد أهل الجاهلية، وقد كان هذا الجهل محل انتقاد وحرب من الإسلام، دين العدل والإنصاف، ولم يستقم المجتمع العربي حتى أسلم قياده لرب العالمين وتخلى عن هذه العادات الوضيعة التي زينها له الشيطان، ومع عودة هذه الثقافة الجاهلية إلى مجتمعاتنا المسلمة عموما والعربية على وجه الخصوص، فإن الواجب إنذار الناس، وتنبيههم إلى خطورة هذه الأفة الخطيرة، وهذا واجب الجميع، غير أن خطباء العالم الإسلامي أجدر الناس بهذه المهمة الشاقة والنبيلة، التي تعني تحرير الإنسان من الهوى، وتحرير المجتمعات من ربقة الجاهلية، وهذه من أعظم المهام التي قام عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأجدر بنا جميعا الاقتداء به، فتعبيد الناس لرب العالمين، وكسر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان واحتقاره واستصغاره تحت مسميات كثيرة من صميم دعوة التوحيد التي أُرسل من أجلها الأنبياء والرسل، وفي هذا الطريق سعادة البشرية وسعادة المسلمين، وسعادة المرأة على وجه الخصوص.
إن النصوص التي حذرت من تفضيل الذكر على الأنثى، بل وتفضيل الأبناء على بعضهم البعض كثيرة، ومثلها النصوص التي وعدت من لم يؤثر على بناته بالجنة والرضوان، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها (يعني الذكَرَ) أدخلَه اللهُ بها الجنة" (رواه أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ أحمد شاكر).
وانظر إلى ترتيب الكلمات في الحديث، وترتيب التوجيهات والإرشادات والتنبيهات، فقد جعل الوأد والإهانة والإيثار عليها بمرتبة واحدة، ففي كل هذه الخصال الذميمة وجه من أوجه قتل البنت، فإن كان الوأد يحرمها من الحياة، فإن احتقارها وإهانتها وتفضيل الذكر عليها بإطلاق يعني أن والدها ومربيها قد قتل فيها معاني الحياة، ورماها في جحيم المعاناة والنكد والتعاسة.
فما أرحم الإسلام لو طبقناه، وما أرحمنا ببعضنا لو جسدنا شعائره وأحكامه في دنيانا، وخاصة في معاملاتنا مع بعضنا البعض، وعلى كل المستويات، لكن تطبيقه التطبيق الراشد الرشيد لا يناسب الكثير ممن غلبت عليهم أهواؤهم وشقوتهم، ورسخت فيهم أخلاق الجاهلية، وعادات الفراعنة والجبابرة، ويوشك هؤلاء أن يفسدوا الحياة حتى يعم العذاب والنقم الجميع. لهذا فإن مسؤولية رفع هذه الواقع الجائر الظالم واجب المرحلة، ورسالة كل من في قلبه ذرة من إيمان وفي عقله ما يكفي لفهم الحقيقة التي تقول: لا عادة للمسلمين إلا بالتمسك بدينهم، وتربية أولادهم وفق المنهج الذي ارتضاه لهم رب العالمين، وليس وفق القوانين الأرضية ولا وفق الأعراف الفاسدة.
وقد حث الإسلام على العدل في أبسط التفاصيل: فروى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أُشهدك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟" قال: لا، قال صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: "اعدلوا بين أولادكم في النحل (أي في العطية) كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر"، وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: "إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟" قال: بلى، قال: "فلا إذاً". فالعدل ركن ثابت في ديننا، ولم يتخلف عنه إلا من حرموا نور الهداية، فكانوا وبالا وشرا على أولادهم وعلى المجتمع، روى ابن أبي الدنيا بسنده عن الحسن قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه إذ جاء صبي حتى انتهى إلى أبيه في ناحية القوم، فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى، قال: فلبث قليلاً، فجاءت ابنة له حتى انتهت إليه، فمسح رأسها وأقعدها في الأرض، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فهلا على فخذك الأخرى" فحملها على فخذه الأخرى فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن عدلت" (أخرجه ابن أبي الدنيا وهو حديث مرسل عن الحسن البصري).
وهذا الحديث عظيم في بابه، إذ يرفض النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يفرق الرجل بين أولاده، حتى في أبسط الأمور، ويحرض بنفسه على إزالة هذا التفريق.
وحتى يظهر لنا خطورة هذا الموضوع فإن الاستعانة بآراء أساتذة علم النفس والتربية أبلغ في إيضاح الأضرار الناتجة عن التفريق، وإظهار المنافع الباهرة لسياسة العدل بين الأولاد، تقول الدكتورة مديحة علي أستاذة التربية بجامعة عين شمس: "إن المساواة الدقيقة يجب أن تكون مساواة في الطعام، ومساواة في توزيع الكلام، ومساواة في توزيع الانتباه والاهتمام، ومساواة في توزيع النظرات والضحك والمداعبات، كل هذا بقدر الإمكان، لذا يجب أن يحرص الأب أن يسعى إلى تحقيق العدالة في هذا الجانب، كذلك المساواة في الهدايا والعطايا والمساواة باتخاذ القرارات من خلال استشارة الجميع بدون استثناء، وأخذ القرارات بالأغلبية فيما يخصهم. وهناك المساواة بالمشاركة باللعب والمساواة في كلمات المحبة.
وهناك جانب مهم جداً، وهو: المساواة في الإصغاء والاستماع؛ فالأبناء يتفاوتون في الجرأة والخجل، وليس كل واحد منهم يبادر بالحديث ويستأثر بأذن والديه واهتمامه، ومنهم من تزيد متعة الاستماع إليه ومنهم من تقل، ولضبط هذا الجانب الصعب ولتلبية حاجة الأبناء إلى الاستماع إليهم والاهتمام بهم والتعبير عن أفكارهم، لتلبية كل ذلك يجب تخصيص وقت للأحاديث الخاصة. فمن الضروري أن يشعر الأبناء بأن هناك وقتاً مخصصاً لكل منهم تُحترم فيه خصوصيّاتهم".
ويؤكد الدكتور عبد العزيز عمران أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة على أهمية العدل وخطورة تفضيل الذكر على الأنثى فيقول: "وقد يكون الذكر في مجتمعاتنا العربية مقبولاً في جميع تصرفاته عن الأنثى، وتُعطى له كل الصلاحيات وتُنفذ له كل الرغبات ناسين أو متناسين ما حثتنا عليه تعاليم ديننا الإسلامي من العدل وعدم التمييز.
ويعني عدم المساواة بين الأبناء جميعاً والتفضيل بينهم بسبب الجنس أو ترتيب المولود أو السن أو غيرها نجد بعض الأسر تفضل الأصغر على الأكبر، أو تفضل ابناً من الأبناء لأنه متفوق أو جميل أو ذكي وغيرها من الأساليب الخاطئة.
وهذا بلا شك يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم؛ فيشعرون بالحقد والحسد تجاه هذا المفضل، وينتج عنه شخصية أنانية يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطي، ويحب أن يستحوذ على كل شيء لنفسه حتى ولو على حساب الآخرين، ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط والآخرون لا يهمونه، وينتج عن ذلك شخصية تعرف مالها، ولا تعرف ما عليها، تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها" ويضيف: "فإذا كانت القُبـلة لأحد الأبنـاء تُشـعِر الآخر بالتمـييز، فما بالكَ بالامتيـازات التي تُمنح لأحـدهما ويُحرَم الثاني منها؟ والمسألة في خصوص الفتيات أعقد، لأنّهنّ أرقّ مشاعر وأرهف إحساساً، يقول النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم-: "سووا بين أولادكم في العطيّة، فلو كنت مُفضِّلاً أحداً لفضّلت النِّساء" (رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن)، وهذا ليس من باب التمييز، بل من باب التقديم المعنوي وإشعار الإناث بلطف الإسلام وتقديره للمرأة.
هذه الأخطاء قد تؤدِّي إلى الانكماش والعزلة والانطواء كنتيجة سلبيّة، إذا لم تكن تؤدِّي إلى النزاع والاصطدام والشِّجار، كما يؤدي التمييز إلى علاقة سلبية بين الأبناء؛ إذ يميل الطفل المميز ضده إلى كره أخيه الآخر وغيرته منه كونه مقرباً من والديه، وحسده على الحنان والرعاية التي يحظى بها، والتي جاءت على حسابه، وقد يصل الأمر إلى تمني أن يُصاب أخوه بأي مكروه حتى يحتل مكانه ويحظى باهتمام والديه.
وعلى النقيض من ذلك ينشأ الولد الذي يشعر بالمساواة مع إخوته، نشأة صحية نقية، بعيدة عن الحقد والحسد والغيرة.
وقد يؤدي الإحساس بالتمييز إلى الإصابة بأمراض نفسية عديدة، ويكون من نتيجة ذلك إخفاق الطفل في تحقيق أهدافه المستقبلية وإشباع حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية بشكل سوي، وضعف معنوياته وشعوره بالإخفاق والإحباط، ووقوعه تحت وطأة التوتر والصراع النفسيين".
وبعد تأكيد خبراء التربية وعلم النفس والاجتماع ضرورة الالتزام بالتربية وفق ما جاء به الإسلام، فإن أهم ما نختم به هذا الجانب الهام، حديث نبوي عظيم، يجعل من أسباب دخول الجنة، ونيل الرضوان وأعلى درجات الجنان: العدل بين الأولاد، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن -عزّ وجل- وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا" (أخرجه مسلم).
وقبل أن نختم هذا الجواب، نقول: إن الحديث عن صحة الإسلام ونبله ورفعته وعدله لم يعد كافيا وسط أمواج الظلم التي يسوقها المسلمون فيما بينهم، وباسم الإسلام، والإسلام منهم ومن أفعالهم براء، لهذا نحتاج إلى تقديم النماذج الناجحة اجتماعيا إلى مجتمعاتنا وتشجيعها، وذلك من خلال الحرص على إظهار ثمرات التزام بعض الأسرة المباركة بالمنهج الإسلامي السامي والراقي في التربية.
وفي الختام: لقد صارت تربية البنات ووجود البنات سببا في دخول الجنة، بعد أن كان المجتمع العربي الجاهلي يعتقد أنها سبب للفقر والعار، وأصبح العربي المسلم المؤمن يراها بهجة البيت، وأنيس حياته، وقد روي في الحديث "هن المؤنسات الغاليات"، وصار يراها شقيقته في درب الحياة، فقد علمه الإسلام أن "النساء شقائق الرجال"، نعم، فهما من آدم وحواء -عليهما السلام-، ويقتسمان نفس الأرض والرسالة والمصير، من كان يجرؤ على بيعها بالأمس، يخشى اليوم من لفظة: "أف" التي قد تقذفه في النار، وصار يطلب ود أمه ورضاها؛ لأن "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"، وصار معيار الرجولة والخيرية في "خيركم خيركم لأهله"، وصار التفاضل في الخير بين الرجال ماثلا في الطريقة التي يتعامل بها الزوج مع زوجته؛ فالمعيار في الإسلام: "ولن يضرب خياركم".
هكذا قاد الإسلام المرأة نحو السعادة، ولما أبعد أعداء الإسلام من الحكم ومن الحياة ودوائرها راحت هذه الغالية ضحية التوحش الذي أنتجته منظومات قننها وشرعها من لا يستحي من أن يكون ندا لله -تعالى- في التشريع والحكم، بالتالي فإن على المسلمة أن تعلم أن هذا الدين العظيم ليس بريئا فقط من الظلم الذي تعيشه اليوم، بل إن هذا الظلم لن يرتفع إلا بالإسلام، ووفق الهدي النبوي الكريم، أما الجمعيات النسوية التي تمولها الصهيونية والماسونية، والأنظمة العلمانية فإنها لن تزيدها إلا تعاسة وحزنا وضياعا.
وإن أرادت الخير لها ولمجتمعها فلتكف عن تصديق من يشيعون بينها وبين الرجل صراعات وهمية تمزق مجتمعاتنا الضعيفة أصلا، ولتطالب بأن تعيش وفق مباديء الإسلام وأحكامه، ووفق تطبيق يوافق السيرة النبوية لا أهواء من يفصلون الإسلام على مقاسهم لعقد ركبتهم وأمراض لحقتهم، و"لن يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" كما قال الإمام مالك -رحمه الله-.
والكلمة الأخيرة لخطباء المساجد الذين يلتقون بالأمة الإسلامية أكثر من غيرهم، ويحدثونها كل أسبوع: اعلم أخي الخطيب أن المجتمع العربي قد تأنث، وأن المتربصين به كثر، فإما أن نترك هذا الموضوع وهذه القضية للذين مسخت فطرهم، واسودت قلوبهم، ورموا الإسلام بقوس واحدة، تارة باسم العصرانية، وتارة باسم العقلانية، وتارة باسم الليبيرالية والعلمانية، وتارة باسم الحداثة والمدنية، فتزداد الحياة تعاسة، وتزداد المرأة شقاء وضياعا، وإما أن نمسك بزمام هذا الأمر ونفتحه ونتحدث فيه مع مجتمعاتنا بكل صدق وصراحة، وخير ما يعين الخطيب في ذلك العلم والمعرفة، والاستفادة من الخيرين من خبراء هذه الأمة في كل المتخصصات الإنسانية، وحبذا لو تعاون الخطيب مع أساتذة الاجتماع والتربية والنفس، من خلال تقديم محاضرات ودروس، فالمعركة طاحنة، والسبق فيها والنصر لمن اجتهد، وعرف من أين تؤكل الكتف، وليعلم أن التركيز على هذا الموضوع من أهم ما يشتغل به، فلا يهون منه، ولا يكتفي بسلاسل موسمية، بل ليكن ذكيا في طرحه وعلاجه، ولينوع في أساليبه وأطروحاته، حتى يرفع اللبس عن هذا الأمر، وحتى ينصر قضايا المرأة المسلمة وفق ما أراده الإسلام، وهذا من التجديد في الدين، التجديد الذي يعني إعادة أحياء الإسلام المندثر وسط العادات، وإحياؤه حتى نعيش قيمه ومقاصده كما عاشها أسلافنا، فسعدوا ورضوا وسادوا. إنها معركة لتحرير الإسلام والإنسان من الشوائب والأغلال والقيود التي أفسدت مظهره، ونثرت غبار ضيقها عليه، فلا يدخر الخطيب الصداق المهار الأريب الذكي جهدا في ذلك، فعلهي الأمل معقود، ومنه بعد الله تنتظر شرائح المجتمع التغيير.
التعليقات