عناصر الخطبة
1/ شبهات العلمانيين حول الاختلاط والجواب عنها 2/ الشبهة الأولى: الطواف بالبيت مختلط 3/ الشبهة الثانية: مداواة النساء للمجاهدين في الحرب 4/ الشبهة الثالثة: حديث الفارسي 5/ الشبهة الرابعة: حديث زوجة أبي أسيد الساعدي 6/ الشبهة الخامسة: الاختلاط في التعليم للصغار 7/ الشبهة السادسة: الاختلاط يخفف الشهوة 8/ واقع الاختلاط والهوس الجنسي في الغرباهداف الخطبة
اقتباس
إن هذه الفئة -بكتاباتها وأقوالها وطرحها- تسعى إلى جر الأمة لمستنقع الاختلاط، ووحل الانحطاط، الذي غاصت فيه المسلمات في بلاد أخرى، فجنت منه المصائب والعلقم. إن المأزق الذي يتساقط فيه هؤلاء يومًا بعد يوم هو أنهم لا يملكون مشروعًا حضاريًّا جادًّا لنهضة الأمة، وإنما غاية ما يملكون أنَّهم يريدون أن يزجوا بالأمة في المُستنقع الغربي الآسن ..
إن الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: نختم موضوع الاختلاط، هذا الموضوع الخطير، والذي قد كثر الطرْق عليه في الآونة الأخيرة، بذكر الشبهات التي يطرحها العلمانيون في الصحف والمجلات وبقية وسائل الإعلام، من تهوين أمره، وأنه كان موجودًا في مجتمعات المسلمين منذ القديم، ويأتون ببعض الأحاديث، ومع الأسف فإنها تنطلي على كثير من الناس، فكان من المناسب جمع معظم شبه العلمانيين في هذه القضية والرد عليها ردًّا علميًّا؛ حتى لا يُخدع بهم من لا يعرفهم.
الشبهة الأولى: أن الطواف بالبيت مختلط. يثير العلمانيون هذه الشبهة ويقولون: إن الطواف بالبيت فيه اختلاط، ولو كان محرمًا لمُنع.
والجواب:
أن الاختلاطَ الواقعَ اليوم في الطوافِ غيرُ جائز، والأحكام الشرعية لا تؤخذ من واقع الناس، فالطواف بالبيت لم يكن مختلطًا زمنَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالنساء يطفن وحدهن دون الرجال كما قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه". [أخرجه أحمد وأبو داود، وسنده حسن].
وهذا ظاهر في أن النساءَ في مناسك الحج كنَّ على هيئةِ الجماعة بعيدات عن الرجال، وقد حصل شيء من الاختلاط بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنكره الخليفة. قال ابن حجر: "روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلاً معهنّ فضربه بالدرة". وسُئل عطاءُ ابنُ أبي رباح عن اختلاطِ نساءِ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرجال في الطواف فقال: "لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَطُوفُ حجرةً مِنَ الرِّجَالِ، لاَ تُخَالِطُهُمْ". أخرجه البخاري.
وهل أصرح من هذا الجواب؟! ومعنى حجرة: أي معتزلة في ناحية. أما الواقع فالواجب إصلاحه بما أمدنا الله -جل وعلا- من وسائل وإمكانات.
الشبهة الثانية: من شبه العلمانيين -والتي تروجُ على بعضِ العامة في جوازِ الاختلاط-: مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والجواب:
إن المداواة هنا للضرورة، أما الرجال فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار. قال ابنُ حجر في الفتحِ تعليقًا على حديث مداواة الجرحى: "وفيه جوازُ معالجةِ المرأةِ الأجنبيةِ الرجلَ الأجنبيَ للضرورة. قال ابن بطال: ويختص ذلك بذوات المحارم، ثم بالمُتجالات منهنّ، وهنّ كبيرات السنّ اللواتي لا يحتجبن كالشابات؛ لأن موضعَ الجرحِ لا يُلتَذُّ بلمسه، بل يَقشعر منه الجلد، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ولا مس".
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم، وهل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات والسكرتارية، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض، بلا ضرورة أو حاجة ملحة.
الشبهة الثالثة: من شبه العلمانيين: حديث الفارسي: استدلّ بعض دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء بحديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جارًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارسيًّا كان طيب المرق، فصنع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم جاء يدعوه، فقال: "وهذه؟!"، لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا"، فعاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وهذه؟!"، قال: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا"، ثم عاد يدعوه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وهذه؟!"، قال: نعم، في الثالثة. فقاما يتدافعان حتى أتيا منـزله. قالوا: ففي هذا الحديث تسويغٌ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق.
والجواب:
1- هذا الحديث لا يدل على أكثر من شيء واحد: وهو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اصطحب عائشة معه إلى بيت الرجل الفارسي، وهو كما دلت أحاديث كثيرة أخرى على اصطحاب الصحابة نساءهم إلى المساجد، وكما دلت أحاديث أخرى على زيارة كثير من الصحابة لأمهات المؤمنين عامة وعائشة -رضي الله عنها- خاصة، من أجل رواية الحديث، أو أخذ الفتاوى، أو السؤال عن بعض أحوال النبي -عليه الصلاة والسلام-. فأي تعارض بين هذه الدلالة التي لا إشكال فيها ولا نزاع، وبين الحكم الإلهي القاضي باحتجاب المرأة عن الرجال، والأمر لهم إذا جاؤوا يسألونهنّ حاجة أن يسألوهنّ من وراء حجاب؟!
2- أما أن يرفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستجابة لدعوة الفارسي إلا أن تصحبه عائشة -رضي الله عنها- فشيء ثابت لا إشكال فيه ولا منقصة، بل إن فيه الصورة البارزة الحية لجميل خلقه -صلى الله عليه وسلم- مع أهله، وعظيم رحمته وعاطفته تجاهها، فقد كانت تمر الأيام الطويلة ولا يوقد في بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نار لطعام، وإنما طعامه وطعام أهله الأسودان: التمر والماء، أفيترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهله وهي إنما ترضى بالشظف أسوة به، ليجلس من ورائها إلى مائدة شهية عامرة عند جاره الفارسي؟! ما كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرضى بذلك.
وأما أن يكون في ذلك ما يدل على أن عائشة -رضي الله عنها- ذهبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متبرجة، وجلست أمام الفارسي سافرة، واختلطت العائلات على نحو ما يتم اليوم، فهو شيء لا دلالة عليه، وحمل الحديث على هذا المعنى كحمل الشرق على أن يولد من داخله الغرب.
الشبهة الرابعة: من شبه العلمانيين: حديث زوجة أبي أسيد الساعدي: عن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: لما عرّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلّت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطعام أماثته له، فسقته تتحفه بذلك. قالوا: فالحديث يدل على أنه يسوغ للمسلم أن يدع زوجته تستقبل ضيوفه، وأن تشرف بنفسها على تكريمهم، وأن هذا ليس مما يأباه الإسلام.
والجواب:
1- لقد علم الفقهاء وعلماء المسلمين جميعًا أنه لا ضير في أن تتقدم المرأة بسترها الإسلامي الكامل، فتقدم إلى ضيوف في دارها طعامًا أو شرابًا تكرمهم به وزوجها أو قريبها جالس. وهذا هو الذي وقع من امرأة أبي أسيد في حفل عرسه. قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة، ومراعاة ما يجب عليها من الستر".
وليس كثيرًا في حفل يحضره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تكرم العروس مَقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتتولى بنفسها إكرام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقديم الضيافة إليه، وليس في ذلك ما يشينها، كما أنه ليس فيه ما يلصق به -عليه الصلاة والسلام- أي منقصة، وإنما الشين واقع فيما لو عثر المتعلق بهذا الحديث على أنها برزت أمام الرجال سافرة بادية الجسم والزينة، وهذا ما لا يمكن أن يعثر عليه، وما لا دليل عليه في الحديث.
2- لقد ظهر الكثير من نساء الصحابة في صفوف القتال يضمدن الجرحى ويسقين العطاش، ومنهنّ أم سليم -رضي الله عنها-، فمن قال: إن ذلك دليل على أن المرأة لا حرج عليها في أن تختلط بالرجال كما تشاء وأن تتزين كما تريد؟!
إن قول القائل: "قامت العروس بنفسها تقدم الشراب إلى رسول الله، إذًا فللمرأة أن تعرض زينتها ومفاتنها أمام الرجال"، ليس إلا كقول الآخر: "لقد شرع الله التجارة بالمال والسعي في الأرض من أجل الرزق، إذًا فلا بأس أن يخدع ويغبن".
الشبهة الخامسة: من شبه العلمانيين: الاختلاط في التعليم للصغار: ينادي بعض الناس بالاختلاط في المدارس للصغار، بحجة أن ذلك لا يضرهم ولا يؤثر عليهم، وبحجة أن المرأة أشد لباقة وأحسن معايشة للصغار.
والجواب:
1- إن هذه الخطوة تتبعها خطوات، ويصبح الأمر سهلاً، ويأتي من يقره عبر المراحل الدراسية الطويلة على تلك الحال الممقوتة، فأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، والإسلام العظيم وضع القواعد والأسس الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل أحكامها وقوانينها، ومنع الحيل وأمر بسد الذرائع.
2- إن فكرة الاختلاط في التعليم أو غيره بين الرجال والنساء فكرة ماسونية، وبذورها استعمارية دخيلة على الأمة، وهي أشد ضررًا على هذه الأمة من الدعوة إلى السفور علانية والتبرج ونزع الحجاب؛ لأنها تشتمل على هذا كله وأكثر منه.
3- إن الطفل يبدأ في النمو والتفتح والتطلع إلى المعرفة من السنة السادسة، وهذا أمر واقع وثابت بالتجربة، فها هو يدرس ويتعلم ويحفظ ويحرص على العلم والتعلم والمعرفة من هذه السنّ بل قبلها، وتجد أن الإسلام أمر الأبوين بأن يأمرا صغيرهما بالصلاة من بعد السنة السابعة بنين وبنات، وأمر بعزل البنين عن البنات في سن العاشرة وهو سن التمييز، فالابن يبدأ تفتحه وتحرك غرائزه من هذه السنّ، ويبدأ يدرك فيها كثيرًا من أمور الحياة.
وبالتجربة فإن بعض الصغار من بنين وبنات يبلغون سنّ الرشد من بعد التاسعة، وقد يتخلف بعضهم في الدراسة الأولى فيصل عمره إلى الثانية عشرة تقريبًا -أو أكثر- وهو في الصف الثاني أو الثالث، وهذه بداية سنّ المراهقة.
4- إذا رجعنا إلى الإحصائيات التي تأتي من البلاد المختلطة عرفنا تمامًا النسبة العالية في انتشار جرائم الزنا بين الصغار، ونسبة الحوامل فيمن سنهنّ في حدود الثانية عشرة من أعمارهنّ، وذكر الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- من مشاهداته في أمريكا في وقته أنه ظهر أن نسبة الفتيات الحوامل في إحدى المدارس الثانوية هناك 48%.
5- ومن نتائج الاختلاط في التعليم ضعف التحصيل الدراسي وتدني نسبة الاستفادة العلمية، ومن يزور بعض الفروع الجامعية المختلطة أو ينظر في نتائج الامتحانات آخر العام يتبين له ذلك. وقد زار بعض الكتّاب مدرسة في بلجيكا، ولاحظ أن جميع طلابها بنات، فلما سأل عن ذلك أجابته المديرة بقولها: "قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سنّ المرحلة الابتدائية".
أيها المسلمون: إنَّنا -وكأي أمة مسلمة وكغيرنا من مجتمعات المسلمين- يوجد من بيننا دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، إنَّهم قوم من بني جلدتِنا، ويعيشون بين أظهرِنا، ويتكلَّمون بألسنتنا، يلبسون لباس الإصلاح، ويزينون باطلهم بدثار الصلاح: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُون) [البقرة: 12]، إنهم أرباب الشهوات، ودعاة الشبهات، المتهوكون في أودية الباطل، أولئك المنهزمون الذين لم يجدوا سبيلاً لرفع رؤوسهم إلا بالتقليد المطلق لكل غربي، فهو المحور الذي يدورون فيه، واستعلوا بانهزاميَّتهم، وتطاولوا بسقوطهم، وعدَّوا ذلك بابًا من أبواب التَّزين، يتبخترون به على غيرهم، إنَّهم فئة تمتد جذورهم الفكرية في فكر أعداء الإسلام، تشرب منه وتستمد من تعاليمه ومناهجه، يدّعون الإيمان والإسلام، ويزعمون أنَّهم على الهدى والصلاح، فإذا ما تكشفت خبيئتهم وجدنا نُفوسًا مريضة، أسرها الهوى، وغلبت عليها الشهوات، وأحاطت بها الشكوك والشُبُهات.
إن هذه الفئة -بكتاباتها وأقوالها وطرحها- تسعى إلى جر الأمة لمستنقع الاختلاط، ووحل الانحطاط، الذي غاصت فيه المسلمات في بلاد أخرى، فجنت منه المصائب والعلقم. إن المأزق الذي يتساقط فيه هؤلاء يومًا بعد يوم هو أنهم لا يملكون مشروعًا حضاريًّا جادًّا لنهضة الأمة، وإنما غاية ما يملكون أنَّهم يريدون أن يزجوا بالأمة في المُستنقع الغربي الآسن، ليكون أبناؤها عبيدًا يتمرغون تحت أعتابهم، تارة تحت مسمى الاقتصاد، وتارة تحت غطاء المعارض الثقافية، وأخرى تحت ستار حماية البيئة، ورابعة بستار الاختراع والمخترعين، ومرة عبر مهرجان الزهور، وهكذا إلى أن تتقبل الأمة فكرة الاختلاط، وتخضع للأمر الواقع، ولا بأس عندهم أن تظهر المرأة متحجبة تارة ومتكشفة تارة أخرى حسب البيئة والمجتمع، وإذا نجحوا في مرحلة تقدموا إلى غيرها، إلى أن تتحول الأمة في النهاية إلى مُستنقع من الفساد والانحلال، هذا في الوقت الذي ترتفع فيها صيحات العُقلاء في الغرب والشرق منادية المرأة بالعودة إلى بيتها والحِفاظ على كرامتها، وفي الوقت الذي تتجه فيه الدول الغربية إلى حماية أخلاقها، فأنشأت مستشفيات خاصة بالنساء، ومواصلات خاصة بالنساء، ومنحت مزايا للمرأة التي تعكف على تربية أولادها. فمتى نعي؟! ومتى نفيق من غفلتنا؟!
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: الشبهة السادسة: من شبه القوم: الاختلاط يخفف الشهوة -زعموا-: يدعي دعاة الاختلاط أن اختلاط الرجال بالنساء يمكن أن يخفف من حدة إثارة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة، حتى يصبح الأمر طبيعيًّا.
والجواب:
الأمر بالعكس تمامًا؛ فإن الاختلاط يزيد من شدة إثارة الدافع الجنسي، ولو أن اختلاط الرجل بالمرأة يخفف من حدة الدافع الجنسي لدى كل من الرجل والمرأة لوجدنا أن هذا الدافع يخف تدريجيًا، ثم يصل إلى درجة الانعدام عند كل واحد من الزوجين بعد فترة من زواجهما؛ لشدة اختلاط أحدهما بالآخر بشكل مستديم، ولكن الواقع هو عكس ذلك؛ إذ يستمر هذا الدافع لدى كل منهما، ما دام أنه سوي في صحته الجسمية والعقلية.
ويظهر زيف هذه الخرافة يومًا بعد يوم في مجتمع يتزايد فيه الاختلاط دون قيود، ففي كل يوم يزداد فيه الاختلاط تزداد فيه الشهوة الجنسية استعارًا، وتشير بعض التقارير إلى أن أكثر من 90% من النساء غير المتزوجات في أوربا وأمريكا يمارسن الزنا، إما بطلاقة، أو من حين لآخر.
يردد العلمانيون أن التحرش الجنسي الذي يحصل في مجتمعاتنا سببه الكبت الجنسي الموجود، وهذا الفصل التام بين الجنسين.
لنفترض جدلاً صحة تلك المقولة، فيا ترى كيف سنعلل مشكلة التحرش الجنسي والاغتصاب التي تعاني منها المجتمعات الغربية على أعلى المستويات وأقلها؟! هل سببها الكبت الجنسي أم الانفجار الجنسي؟!
تشير إحصائيات المفوضية الأوروبية إلى أنه خلال عام 1999 تعرض نحو 50% من النساء العاملات إلى تحرشات جنسية. وتقول المفوضية: إن حجم هذه الظاهرة غير مدرك على نحو فعلي في دول الاتحاد، وأن 35% من النساء و10% من الرجال يتعرضون إلى شكل من أشكال التحرش الجنسي في مكان العمل.
في اليابان التي تعد من أكثر دول العالم تسامحًا في الممارسات الجنسية، طالبت النساء بتدخل حكومي لوضع حد للتحرشات الجنسية، وفي هذا الصدد قال متحدث باسم شركة كيو إلكتريك اليابانية: إن شركته تلقت في العام 1999 مئات الشكاوي من السيدات تتركز حول تعرضهنّ لتحرشات، فضلاً عن مئات أخري يخشى أصحابها من الإبلاغ عنها، ما جعلها تعلن عن عزمها تخصيص عربات منفصلة للسيدات فقط في الأوقات المتأخرة من الليل بخطوطها التي تخدم المناطق الغربية من العاصمة، خلال فترة إجازات بداية العام الجديد.
ويذكر أن التحرشات الجنسية بمترو الأنفاق والقطارات تعد أخطر مشكلة تواجه السيدات في اليابان، لدرجة أنه تقرر تخصيص شرطة نسائية في المحطات الكبرى لتلقي الشكاوي فيها واعتقال مرتكبيها!
وإذا كانت مشاكل المعاكسات ومثيلاتها في مجتمعاتنا يمارسها الشباب، فإن ظاهرة التحرش الجنسي في الغرب تمارس على أعلى المستويات! فبالإضافة إلى قصص كلينتون الشهيرة مع المتدربات في البيت الأبيض، هناك قصص أخرى لعدد لا بأس من القسس والجنرالات في الجيش الأمريكي اشتهر عنهم التحرش الجنسي! فقد أجرت الشرطة البريطانية تحقيقًا في اتهامات لتعرض تلاميذ في مدرسة الكنيسة الكاثوليكية التي يدرس فيها ابنا رئيس الوزراء السابق "توني بلير" لتحرشات جنسية من قس كان يعمل بها.
وأعرب أساقفة كنيسة البلاد الكاثوليكية التي تواجه بالفعل تحقيقًا واسع النطاق في حوادث تحرش جنسي بأطفال تحت رعايتها عن سخطهم بسبب القضية المتهم فيها "ديفيد مارتن" -وهو قس ومشرف بمدرسة الكنيسة الخاصة في لندن- قبل وفاته منذ عامين عن 44 عامًا.
وفي خبر طريف تناقلته وسائل الأنباء تقدمت امرأة تشغل رتبة جنرال في الجيش الأمريكي، وتعمل في منصب مساعدة رئيس الأركان في الاستخبارات العسكرية، بشكوى ضد جنرال بتهمة التحرش الجنسي، مؤكدة أنه قام بالتحرش بها في مكتبه في 1996. وقد اعترف وزير الدفاع الأمريكي بالحادثة، وقال للصحفيين: "إن الشكوى رفعت ولا يمكنني التعليق على هذه المسألة، لكنني أقول: إن التحرش الجنسي لن يكون مقبولاً على أي مستوى كان، وإن الدعوى ستأخذ مجراها".
الغريب أن الغربيين عمومًا والأمريكيين على وجه الخصوص يحملون معهم هذه المشكلة أينما ذهبوا وأقاموا، ففي اليابان أيضًا حكم على جندي من مشاة البحرية الأمريكية بالسجن عامين لتحرشه جنسيًّا بتلميذة يابانية في جريمة أثارت احتجاجات ضد القوات الأمريكية.
فدعوى أن الاختلاط يخفف من حدة إثارة الدافع الجنسي دعوى باطلة، تخالف الفطرة، وتعارض العقل، ويكذبها الواقع.
اللهم...
التعليقات