عناصر الخطبة
1/ الإعراض عن شبهات المرجفين والمنافقين 2/ أهمية قرار المرأة في بيتها 3/ ضوابط خروج المرأة من بيتها 4/ مخاطر الاختلاط 5/ الشرع أغلق كل سبل الاختلاط 6/ ماذا جنت البلاد الغربية من الاختلاط؟ 7/ وشهد شاهد من أهلها 8/ احذروا دعاة على أبواب جهنم 9/ دور العلماء والدعاة في حماية سفينة المجتمعاهداف الخطبة
اقتباس
إنَّ الاختلاط داء ووباء وشر وبلاء بكل صوره ومظاهره... اختلاط الذكور والإناث في المضاجع ولو كانوا إخوة... اتَّخاذ الخدم الرجال واختلاطهم بالنساء وحصول الخلوة بهم...اتَّخاذ الخادمات بلا محرم... استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، الاختلاط في دور التعليم والجامعات، الاختلاط في الوظائف والأندية والمواصلات والمستشفيات والزيارات وحفلات الأعراس، الاختلاط في الأعياد والمهرجانات والمناسبات، الاختلاط في الأماكن الترفيهية والحدائق والأسواق ..
الحمد لله الذي جلَّت قدرته وعظمت حكمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كملت نعمته ووسعت كل شيء رحمته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المحمودة سيرته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فـ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، أغمِض عينيك وأصم أذنيك، واصرف قلبك عما يتفوّه به المجرمون، ويسطِّره الكَتَبة الكاذبون من رموز النفاق وأرباب العلمنة وغلمان الأهواء أدعياء العقلنة من مصادمة للحقائق ومعارضة لحكمة الخالق ولبس للحق بالباطل وكتم للحق وتزيين للباطل كي تميل الأمة ميلاً عظيمًا
(وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [الأحزاب: 48]، وقف هيبة واستسلامًا وخضوعًا وانقيادًا بقلبك وجوارحك لحقائق القرآن الذي أنزله من هو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير وتقبل بتصديق ويقين كلام سيد المرسلين الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
استمع إلى حقائق القرآن والسنة واقبلها غير متردد ولا متحرج (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ) [الأحزاب: 36]، استمع إلى الحقائق التي تكلَّم بها رب العالمين: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً) [النساء: 122]، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]، وأعلنها خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ولن تجد لسنته مثلاً ولا بديلاً. اسمعها وارضَ بها ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون.
الحقيقة الأولى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب: 33]، إنَّ البيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى غير مشوَّهة ولا منحرفة، ولا مُلوَّثة ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيَّأَها الله لها بالفِطرة.
وإن الأم المكدودة بالعمل للكسب المرهقة بمقتضيات العمل لا يمكن أن تهب للبيت جوّه وعطره، ولا يمكن أن تمنح الطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها.
وإنَّ خروج المرأة لتعمل كارثة على البيت قد تبيحها الضرورة، أما أن يتطوع الناس بها وهم قادرون على اجتنابها، فتلك هي النكسة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول في عصور الانتكاس والضلال.
فأما خروج المرأة لغير العمل... خروجها للاختلاط وأماكن الملاهي والتسكُّع في النوادي والمجتمعات وحضور الحفلات والمهرجانات فذلك هو الارتكاس في الحماة الذي يرد البشر إلى مراتع الحيوان.
لقد كان النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجن للصلاة غير ممنوعات شرعًا، ولكن كان في زمن عفّة وتقوى، وكانت المرأة تخرج إلى الصلاة متلفعة لا يعرفها أحد ولا يبرز من مفاتنها شيء.. ومع هذا فقد كرهت عائشة رضي الله عنها لهن أن يخرجن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يُعرفن من الغَلَس، وفي الصحيحين أنها قالت: "لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل"، فماذا أحدث النساء في عهد عائشة؟ وماذا كان يُمكن أن يحدثن حتى ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مانعهن من الصلاة؟ ماذا بالقياس إلى ما نراه في هذه الأيام حيث الخروج لا إلى الصلاة بل لمخالطة الرجال، وإبداء الزينة وإثارة الفتنة.
أما الحقيقة الثانية: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) [الأحزاب: 53]، هكذا يقول اللطيف الخبير. أما المنافق الحقير فينعق: نصف المجتمع معطل والمجتمع يتنفس برئة واحدة.
فلا يقل أحد غير ما قال الله، لا يقل أحد: إن الاختلاط وإزالة الحجاب والترخص في الحديث واللقاء، والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب وأعف للضمائر وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازل الجهَّال المحجوبين.
لا يقل أحد شيئًا من هذا والله يقول: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ) [الأحزاب: 53] يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات أمهات المؤمنين وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا تتطاول إليهم وإليهن الأعناق... وحين يقول الله قولاً ويقول خلق من خلقه قولاً فالقول لله سبحانه، وكل قول آخرَ هراءٌ لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد.
والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله وكذب المدعين غير ما يقوله الله، والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول، وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا، وأقطع من كل دليل، وأمريكا أول هذه البلاد التي آتى الاختلاط فيها أبشع الثمار.
والحقيقة الثالثة: (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ) [الأحزاب: 32]، من هنَّ اللَّواتي يحذرهن الله هذا التحذير؟ إنهنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين اللاتي لا يطمع فيهن طامع ولا يرف عليهن خاطر مريض، وفي أي عهد يكون هذا التحذير؟ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصفوة المختارة من البشريَّة، ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول وتترقق في اللفظ ما يثير الطمع في قلوب ويهيج الفتنة في قلوب، وإن القلوب المريضة موجودة في كل عهد وفي كل بيئة وتجاه كل امرأة ولو كانت هي زوج النبي الكريم وأُم المؤمنين، فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش فيه اليوم في عصرنا الذي هاجت فيها الفتن وثارت الشهوات... كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يثير الفتة ويُهيِّج الشهوة ويُنبه الغريزة؟ كيف بنا في هذا العصر في هذا الجو ونساء يتكسَّرن في نبراتهن ويتميَّعن في أصواتهن؟
هل بعد هذا نجد مبررًا أن تقرأ المرأة أمام الرجال وتلقي كلمة أمام الرجال، وتخاطب الرجال خاضعة في القول، فيطمع فيها مرضى القلوب ويتغنى بجمال صوتها ضعاف النفوس. هذه هي الحقيقة لكن أرباب الشهوات لا يفقهون.
والحقيقة الرابعة: يعلنها صلى الله عليه وسلم قائلاً: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها» وقال: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء»، وحينما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق قال للنساء: «استأخرن، فليس لكُنَّ أن تَحقُقْن الطريق عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به... فواعجبًا من زمن أصبحت فيه النساء يمشين بكل زهو وتبختر أمام الرجال!!
وحرصًا منه صلى الله عليه وسلم على هذا المبدأ فقد أفرد بابًا خاصًا للنساء يدخلن منه للمسجد ويخرجن منه لا يخالطهن ولا يشاركهن فيه الرجال.. ومن ذلك تشريعه للرجال أن لا يخرجوا فور التسليم من الصلاة إذا كان في الصفوف الأخيرة نساء حتى يخرجن وينصرفن إلى دورهن قبل الرجال. فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال.
إنَّه في أقدس الأماكن وفي أطهر الأعمال وهي الصلاة كان الإسلام يحرص على انفصال النساء عن الرجال كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها»، وهذا ابن عباس رضي الله عنه يقول: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكّرهن.
قال ابن حجر: قوله: "ثم أتى النساء يشعر بأن النساء كنَّ على حِدة من الرجال غير مُختلطات بهم، وقوله: ومعه بلال فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه، فالله المستعان من هذا الزمان".
بل قد حرصت الصحابيات على عدم الاختلاط حتى في أشد المساجد زحامًا، وفي أشد الأوقات زحامًا في موسم الحج بالمسجد الحرام.
جاء في البخاري:كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم ودخلت على عائشة رضي الله عنها مولاة لها، فقالت لها: يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعًا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثًا، فقال لها عائشة: لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال؟، ألا كبرت ومررت، ونهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى رجالاً معهن فضربه بالدرة.
هذه هي الحقيقة يعلنها صلى الله عليه وسلم في مقاله وفعاله ويقرر فيها للأمة أن الأنثى هي أنثى مهما استرجلت، والجمل هو جمل مهما استنوق، وأن العواطف والهواتف في أجسادهما تشدهما شطرًا إلى شطر مهما كان الجو الذي يسودهما مفعمًا بجد أو هزل، وبفرح أو ترح، وإنما يخفف من ذلك الشد أو يستره الحياء والدين وما أقلهما في عالم الاختلاط.
وأما الحقيقة الخامسة: فقد نطق بها الواقع وشهد عليها شاهد من أهلها قد أثبتت الإحصائيات المعلنة أن نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية الأمريكية بلغت في إحدى المدن 48% ودلت الإحصاءات في أحد الأعوام على أن 120000 طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية لا تزيد أعمارهن عن العشرين، وأن كثيرات منهن من طالبات الكليات والجامعات.
وهذه كاتبة إنجليزية تشعر بالخطر فتقول: "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا، وهنا البلاء العظيم على المرأة.. ثم تقول: أما آن لنا أن نبحث عما يخفف إذا لم نقل عما يزيل هذه المصائب العائدة بالعار على المدنية الغربية، أما آن لنا أن نتخذ طرقًا تمنع قتل الآلاف من الأطفال الذين لا ذنب لهم بل الذنب على الرجل الذي أغرى المرأة المجبولة على رقة القلب... ثم قالت: أيها الوالدان لا يغرنَّكم دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا، علموهنَّ الابتعاد عن الرجال وأخبروهنَّ بعاقبة الكيد الكامن لهنَّ بالمرصاد. ثم تقول: لقد دلتنا الإحصاءات على أنَّ البلاء الناتج من حمل الزنا يعظم ويتفاقم حين يكثر اختلاط النساء بالرجال. ولقد أدت بنا هذه الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصورها في الإمكان وهذا غاية الهبوط في المدينة" اهـ كلامها.
إنَّ الاختلاط داء ووباء وشر وبلاء بكل صوره ومظاهره... اختلاط الذكور والإناث في المضاجع ولو كانوا إخوة... اتَّخاذ الخدم الرجال واختلاطهم بالنساء وحصول الخلوة بهم...اتَّخاذ الخادمات بلا محرم... استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب، الاختلاط في دور التعليم والجامعات، الاختلاط في الوظائف والأندية والمواصلات والمستشفيات والزيارات وحفلات الأعراس، الاختلاط في الأعياد والمهرجانات والمناسبات، الاختلاط في الأماكن الترفيهية والحدائق والأسواق، حيث في أجواء التسوق والترفيه وتسكع بعض الشباب اللاهث وراء المتعة تحدث ظاهرة خطيرة وهي ظاهرة التعرُّف السريع والإعجاب من النظرة الأولى التي تعقبها خطوات الانحراف.
الاختلاط بكل أشكاله محرم وتعدٍ على حدود الله وانتهاك لمحارمه (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229]، الاختلاط بكل صوره نتائج مر للدعوات الآثمة التي ينفثها أرباب الشهوات في كتاباتهم وزواياهم، وينادون من خلالها بالمساواة بين الذكر والأنثى في كل شيء اعتراضًا منهم على فطرة الله ومخالفة لهديه وشريعته.
لقد ولّدت هذه الدعوى جرأةً عند المرأة في إقدامها على غشيان مجتمعات الرجال، والاتصال بهم ومحادثتهم، بل ومغازلتهم بلا تحفظ ولا حياء... وولدت هذه الدعوى الظالمة جرأة عند المرأة فأقدمت على تأليف الجمعيات النسوية واللِّجان النسائية، وإصدار الصحف والمجلات وإعلان المسيرات لا في سبيل إصلاح ما فسد من شؤونهنّ وتقويم ما اعوجَّ من سلوكهنَّ، وإنَّما في سبيل المُطالبة بحق المرأة بالمساواة مع الرجل... تخرج كما يخرج.. وتلبس كما يلبس بل أفضح مما يلبس، وتصادق من تشاء وتعمل ما تريد وتغشى الأندية العامة كما يغشاها الرجال، وتنادي بتبني قضايا سياسيَّة أو اقتصاديَّة أو بيئية ليس من شأنهن أن يتصدَّين لها وليس في قدرتهنَّ الفكرية والعملية أن يفلحنَّ في حلِّها ومعالجتها.. وإنَّما النيَّة الخفية من وراء ذلك هي أن يتكشَّفن ويبدين زينتهن ولتذكرهن الصحف وتردد الإذاعات أسماءهن بأنهن المتحضرات المتحررات. وليتهن إذ فعلن ذلك كان حفلهن مستقلاً عن الرجال.
إن جعبة الباحثين والدارسين لمستنقع الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية والفضائح المشينة التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعدما تبين.. وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي شاع فيها الاختلاط ناطقة بل صارخة بخطر الاختلاط على الدين والدنيا.. لخصها العلامة أحمد وفيق العثماني عندما سأله بعض الساسة الأوربيين: لماذا تبقى نساؤكم محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن من غير أن يخالطن الرجال ويغشين مجامعهم؟ فأجاب في الحال قائلاً: "لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن"، ولما وقعت فتنة الاختلاط من جامعة مصرية كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين، ولما سُئل عميد قلة الأدب العربي طه حسين عن رأيه في هذا قال: "لا بد من ضحايا"، ولكنه لم يبين بماذا تكون الضحية؟ وفي سبيل ماذا لا بد من ضحايا وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى وأثمن من أعراض المسلمين؟
والآن نعلن وبكل قوة ونجزم بحقيقة لا مراء فيها وهي أنك إذا وقفت على جريمة فيها نهش العرض وذبح العفاف وأهدر الشرف، ثم فتشت عن الخيوط الأولى التي نسجت هذه الجريمة وسهلت سبيلها، فإنك حتمًا ستجد أن هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة بين الرجال والنساء ومن خلال هذه الثغرة دخل الشيطان وصدق الله: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء27].
أقول هذا القول..
الخطبة الثانية
أما بعد: إنَّنا وكأي أمة مسلمة وكغيرنا من مجتمعات المسلمين يوجد من بيننا دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، إنَّهم قوم من بني جلدتِنا ويعيشون بين أظهرِنا ويتكلَّمون بألسنتنا يلبسون لباس الإصلاح ويزينون باطلهم بدثار الصلاح (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) [البقرة: 12]، إنهم أرباب الشهوات ودعاة الشبهات المتهوكون في أودية الباطل أولئك المنهزمون الذين لم يجدوا سبيلاً لرفع رؤوسهم إلا بالتقليد المطلق لكل غربي فهو المحور الذي يدورون فيه، واستعلوا بانهزاميَّتهم، وتطاولوا بسقوطهم، وعدُّوا ذلك بابًا من أبواب التَّزين يتبخترون به على غيرهم.
إنَّهم فئة تمتد جذورهم الفكرية في فكر أعداء الإسلام تشرب منه، وتستمد من تعاليمه ومناهجه... يدّعون الإيمان والإسلام ويزعمون أنَّهم على الهدى والصلاح، فإذا ما تكشفت خبيئتهم وجدنا نُفوسًا مريضة أسرها الهوى وغلبت عليها الشهوات، وأحاطت بها الشكوك والشُبُهات يقول قائلهم: كان الرعيل الأول - ويعني بهم دعاة تحرير المرأة - قناديل تغوص ذبالاتها بدرجة أو بأخرى في الفكر الغربي المتقدم..
إن هذه الفئة بكتاباتها وأقوالها وطرحها تسعى إلى جر الأمة لمستنقع الاختلاط ووحل الانحطاط الذي غاصت فيه المسلمات في بلاد أخرى فجنت منه المصاب والعلقم.
إن المأزق الذي يتساقط فيه هؤلاء يومًا بعد يوم هو أنهم لا يملكون مشروعًا حضاريًّا جادًّا لنهضة الأمة، وإنما غاية ما يملكون أنَّهم يريدون أن يزجّوا الأمة في المُستنقع الغربي الآسن ليكون أبناؤها عبيدًا يتمرغون تحت أعتابهم.
حينما رأوا هذه البلاد تعتز بدينها وتحافظ على قيمها، ويقف أهلها بإيمانهم وشرفهم صخرة تتحطَّم عليها أفكارهم ورأوا أن ولاة أمرها يؤكِّدون في كلماتهم وقراراتهم على خُطورة الاختلاط ومنعه بدءًا بالكلمة المشهورة للملك عبد العزيز رحمه الله.
حينما رأوا ذلك التميز سعوا إلى جر الأمة لويلات الاختلاط عبر سياسة تكسير الموجة وبشعارات برَّاقة وتحت رايات مشبوهة... تارة تحت مسمى الاقتصاد وتارة تحت غطاء المعارض الثقافية، وأخرى تحت ستار حماية البيئة، ورابعة بستار الاختراع والمخترعين. ومرة عبر مهرجان الزهور، وهكذا إلى أن تتقبل الأمة فكرة الاختلاط وتخضع للأمر الواقع..
ولا بأس عندهم أن تظهر المرأة متحجبة تارة ومتكشفة تارة أخرى حسب البيئة والمجتمع... وإذا نجحوا في مرحلة تقدموا إلى غيرها إلى أن تتحول الأمة في النهاية إلى مُستنقع من الفساد والانحلال..
هذا في الوقت الذي ترتفع فيها صيحات العُقلاء في الغرب والشرق منادية المرأة بالعودة إلى بيتها والحِفاظ على كرامتها، وفي الوقت الذي تتجه فيه الدول الغربية إلى حماية أخلاقها فأنشأت مستشفيات خاصة بالنساء ومواصلات خاصة بالنساء ومنحت منحت مزايا للمرأة التي تعكف على تربية أولادها..
رُبَّ قائلٍ: ما هذا التهويل وتلك الإثارة، ولماذا هذه المُبالغة وكأن نساءنا سيظهرن على الشواطئ عرايا أو أن المسارح سُتنصَب في الزوايا؟
ولهؤلاء أقول: ولِمَ لا يُمكِن أن يكون الأمر كذلك؟ أو لم يخبرنا ربنا أن للشيطان خطوات وحذرنا منها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)[النور:21].
أو ليس الاختلاط أصبح أمرًا واقعًا في كثير من ميادين حياتنا؟ فهل كان مجتمعنا كذلك قبل سنوات، أليس من نسائنا من تمردن على الفطرة وخلعن جلباب الحياء فنافسن الرجال في قيادة الطائرات، وسباق الفروسية، والعمل في الشركات، والظهور مع الكبراء متبرجات؟ أو ليس الاختلاط واقعًا في المستشفيات والمستوصفات وفي وسائل الإعلام وفي الحدائق والمتنزهات وفي بعض الشركات؟ بل وفي الأجواء على الطائرات؟ فكيف حدث هذا؟ أليس بخطوات خطوات؟ أفليس إذا تواصلت الخطوات بلا إنكار ولا استنكار سنصل إلى ما يشتهون؟
أو لم تقرءوا كتاب (( تحرير المرأة)) والذي يصور المرأة في بلاد مسلمة كانت أكثر تحشمًا وتسترًا منا، فمازالت يد التغريب تعمل حتى سقطت النساء في درك الاختلاط والانحطاط الخُلقِي الذي تسمعون به وربما تُبصرون.. ألا فلتعلموا أن فصول تلك المسرحية تطبق اليوم حذو القذة بالقذة فخذوا حذركم فوالله إن رضينا وسكتنا فسنجد أنفسنا يومًا ما في الدرك الذي سقط فيه غيرنا غارقين في الوحل الذي غرق فيه من حولنا.
إن السعي إلى فرض الاختلاط في مجتمعنا أو الدعوة إليه، أو الرضا أو السكوت عليه هو سعي لجر الأمة إلى السقوط والانهيار حينما تخسر أعظم مقوماتها وهي الدين والأخلاق والمثل..
وإن من يسعى لهذه النتيجة فهو ظالم لنفسه وأمته، إننا نناشد المسئولين المخلصين في بلادنا والغيورين على دينهم وقرآنهم والحريصين على أمن بلادهم أن يقفوا في وجه هذه التيارات ويصدوها فبلادنا أمانة في أعناقهم فليتقوا الله في هذه الأمانة.
وننادي دُعاة الاختلاط والانحطاط: رُويدكم يا أدعياء التقدم والتحضر.. رُويدكم فقد طفح الصاع وطفح الكيل وجاوزتم حدكم وخرجتم عن طوركم.. من أنتم حتى تطاولوا السماء بأعناقكم.. ومن أنتم حتى تنازعوا الله في حكمه؟ أنتم تقولون قولاً والله يقول قولاً وقولكم مصادمة لقول الله... أفتريدون أن نصدق كلامكم ونتبع أهواءكم ونُخالف قول ربنا؟ تالله لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم.
إننا ننادي دُعاة الاختلاط من كان جاهلاً بآثار دعوته ونتائجها أن يستغفر ربه ويتقي الله في مقولاته وممارساته قبل أن يأتي يوم يرى فيه نتائج دعوته في أقرب الناس إليه... يراه في أخواته أو زوجته أو بناته.. ونقول لهم: إنَّ المسلم الحقيقي لن يسكتَ ولن يصمت لأنَّه يُدرك تمام الإدراك أن حضارته في إسلامه واستقراره في التزامه وعظمته بإيمانه.. فهو يرفض كل دعوة تصادم إسلامه ويُناهِض كل فِكرة تُعارض التزامه.
إنَّ الشخصية المسلمة ستقف لكم بالمرصاد؛ لأنَّها تُدرك أهداف الدعوات الهابطة وألوان المشاعر المتردية.
وإننا لنناشد كل مسلم ومسلمة في بلادنا بأن يقف أمام تيار اختلاط..ندعوه إلى أن يكون أصيلاً وقويًا فلا يتقاعس عن المواجهة بالتي هي أحسن، وإنَّ الساكت أمام هذا الخطر شيطان أخرس، وسيحمل إثمه وإثم الأجيال القادمة إن فسدت (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) [الأنفال: 51]، وإنَّ على علماء الأمة ودُعاتها ووُجهائها الكفل الأعظم في مواجهة تيار التغريب بإحياء شعار «الدين النصيحة، لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم».
وأمام هذه الموجة القاتلة من ريح التغيير وأعاصير التدمير، فإنَّ على الدُعاة وعلى الأولياء والآباء مسئولية ودورًا سأسطره في جمعة أخرى بإذن الله.
وختامًا: يا فتاة هذه البلاد وربِّ السماء والأرض إني لكِ من الناصحين.. اقرئي حتى لا تنخدعي، واحذري قبل أن تقعي، ولا تكرري المأساة التي تورطت بها أختك في بلاد مسلمة، وهي الآن تعود إلى رشدها وتؤدب إلى عقلها بعد أن ذاقت مرارة التحرر من عُبودية الله، وتجرَّعت ذل العبودية لعباد الله، وانكشف لها زيف المفسدين فخذي العبرة من الساقطين السابقين ولا تكوني عبرة للاحقين..
ويقيننا: أن قرون الوعول النفاقية ستتحطم على صخرة الإيمان والثبات والوعي والإدراك، وإن الله لا يصلح عمل المفسدين.
اللهم صل وسلم على النبي المختار صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا..
التعليقات