الاحتفال بالمولد

سامي بن عبد العزيز الماجد

2012-02-19 - 1433/03/27
عناصر الخطبة
1/ شتان بين الاتباع والابتداع 2/ كثرة الأعياد والاحتفالات البدعية 3/المحبة الحقيقية للنبي صلى الله عليه وسلم 4/مضار الابتداع في الدين 5/ دولة العبيديين واختلاق الموالد والمزارات 6/ المحبة الحقيقية هي الاتباع
اهداف الخطبة

اقتباس

بعد أيام قلائل سيُحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيُحيي ليلةَ المولد أناسٌ طالما زهدوا في اتباع سنته، ولم يشق عليهم أن خالفوا أمره، يذكرونه صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ ثم يعودون إلى نسيانه بقيةَ العام، وليتهم حين ذكروه، ذكروه بما يوافق سنته، وسنةَ أصحابه، بل ذكروه بطريقة بدعية لا تخلو من شركياتٍ وأحاديث مكذوبة وأساطير ملفقة، جمعوا بين غلوٍ وجفاء، يغالون في ذكره ومحبته إلى درجة الشرك أو قريبٍ منها، ثم يعود حالُهم معه إلى جفاءٍ سائرَ العام إلا قليلاً ..

 

 

 

 

 

أما بعد: فبعد أيام قلائل سيُحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيُحيي ليلةَ المولد أناسٌ طالما زهدوا في اتباع سنته، ولم يشق عليهم أن خالفوا أمره، يذكرونه صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ ثم يعودون إلى نسيانه بقيةَ العام، وليتهم حين ذكروه، ذكروه بما يوافق سنته، وسنةَ أصحابه، بل ذكروه بطريقة بدعية لا تخلو من شركياتٍ وأحاديث مكذوبة وأساطير ملفقة، جمعوا بين غلوٍ وجفاء، يغالون في ذكره ومحبته إلى درجة الشرك أو قريبٍ منها، ثم يعود حالُهم معه إلى جفاءٍ سائرَ العام إلا قليلاً.

قد يسوغ عقلاً أن ترى أمة من الأمم تحتفل ليلةً من العام إحياءً لذكر زعيمٍ من زعمائها، أو عالم من علمائها، كان له فضلٌ عليها، فتحاول بالاحتفال إحياءَ ذكره بعد وفاته، اعترافاً بفضله، وإحياءً لمآثره وأفكاره...

فمثل هذا يسوغ عقلاً على ملتهم وطريقتهم؛ لأن الاحتفال بذكرى وفاته أو مولده من أجدى ما يجدونه من الوسائل لإحياء فكره، وتجديد مآثره، فحياتهم مقطوعة الصلة به، ووجودهم غيرُ معنيٍ باتباعه، ومستقبلهم غيرُ مرهون بماضيه، وليس في طقوسهم الدينية ما يُحيي ذكره بينهم كل يوم.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ليس زعيماً من الزعماء، ولا عالماً من العلماء، ولكنه رسول معظّم الذات والذِكر، ذاته مباركة كان الصحابة يتبركون بها، وفي ذكره بركة على الأمة من بعده، وأعظم البركة في اتباعه والاهتداءِ بهديه، ومن التزم هديه واتباعَه لزمه أن يسلم عليه كل يوم وليلة عشرَ مرات في التشهد الأول والأخير من كل صلاة مفروضة، ومن نقص شيئاً من ذلك فقد ضيّع شيئاً من صلاته.

فذِكرُه بالصلاة والسلام عليه عبادة فاضلة، والاهتداء بسنته فريضة لازمة، فلا يستكثر أن يكون فلاح الأمة مرهوناً باتباعه، فما خلقت هذه الأمة إلا من أجل طاعته تحقيقاً لعبادة الله، من يطع الرسول فقد أطاع الله.

وبعد: فإن من انتقاص قدرِه وامتهانِ منزلته أن نجعل له ليلة في العام نحيي فيها ذكره وسيرته احتفالاً بذكرى مولده، هذا للانتقاص أقرب منه للتعظيم، فإن من الاستقلال لمقام النبي صلى الله عليه وسلم أن تجعل له في العام ليلة واحدة تُحيي فيه سيرته وتجدد فيها مآثره. والمسلم الصادق في محبته لنبيه صلى الله عليه وسلم لا تمر به ليلة إلا وقد سلم على نبيه وصلى عليه عشر مرات، ولا يمر به يوم إلا وله مع هدي نبيه اقتداء، ومع أمره اتباع وطاعة.

إن المسلم لم يكن مقطوع الصلة بنبيه حتى يُذكر بها في ليلةٍ من العام، ومقطوعُ الصلة بنبيه صلى الله عليه وسلم البعيد عن هديه والمفرطُ في اتباعه لا تغنيه ليلة واحدة أن يُذكَّرَ فيها بنبيه، ولن تغنيه ليلة واحدة أن تعيده إلى جادة الاتباع والاقتداء.

وكثير من الناس جعلوا الدين مقصوراً على مواسم معينة؛ كرمضان وأيام الحج وليلة المولد، فإذا مضت اتخذوا الدين وراءهم ظهرياً، فماذا أغناهم إحياؤهم لليلة المولد وهم على هذه الطريقة ماضون؟

وهؤلاء المقصرون المضيعون لفرائض الله وحدوده هم أحرصُ الناس على إحياء هذه الموالد؛ لأنهم يحاولون ستر تقصيرهم بمثل هذه الطقوس التي لا تكلفهم عناء كبيراً.

فليبرأ محبو رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبعون لهديه المؤتمرون بأمره أن يتنـزلوا من أعلى درجات المحبة من حسن الاتباع ولزوم الطاعة واقتفاء الهدي إلى هذه الدرجة الحطيطة للتعبير عن المحبة باحتفالات بدعية.

إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من أن تُجعل هذه الموالد هي معيارُها. إن محبته دين، والدين مستغرق للحياة كلها.

لقد مضت القرون الثلاثة الأولى ولم تكن تعرف فيها بدعةُ المولد، وهي القرون التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، وأخبر أن الخلاف والبدع تكون بعدها. وهذا من علاماتِ نبوته؛ إذ وقع ذلك كما أخبر به - عليه الصلاة والسلام - ففي القرن الرابع الهجري ظهر بنو عبيد، المتسمَّوْن زورًا بالفاطميين؛ انتسابًا إلى فاطمة بنت محمد - عليه الصلاة والسـلام - ورضي الله عنها وأرضاها.

ومن ثم خرجوا على الخلافة العباسية، وأقاموا الدولة الفاطمية في مصر والشام. ولم يرتضِ المسلمون في مصر والشام سيرتهم في الحكم، وطريقتهم في إدارة شؤون الناس؛ فخاف بنو عبيد من ثورة الناس عليهم، فحاولوا استمالة قلوبهم، وكسب عواطفهم بإحداث الاحتفالات البدعية، فاخترع حاكمهم آنذاك المعز لدين الله العبيدي: مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وموالد لفاطمة وعلي والحسن والحسين ولجماعة من سلالة آل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم.

وتتابعت في دولتهم احتفالات أخرى اخترعوها، لم تكن من قبلُ في الإسلام؛ كالاحتفال بالهجرة، ورأس السنة الهجرية، وليلة الإسراء والمعراج، وغيرها كثير.

وظلت هذه الموالد عند بني عبيد في مصر وبعض الشام، إلى أن انتهت دولتهم، وورثها مَن كانوا بعدهم، ولا يعرفها بقية المسلمين في شتى البقاع؛ بل أنكروها ولم تفشُ هذه البدعة في بلاد المسلمين خارج دولة العبيديين إلا في أوائل القرن السابع.

إذًا كان الهدف الرئيس من إحداث الموالد هدفًا سياسيًّا لتثبيت حكم بني عبيد، ولم يكن لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولا لمحبة آل بيته فيه نصيب.

يقول ابن تيمية في شأن العبيديين: "وهؤلاء القوم تشهد عليهم الأمة وأئمتها أنهم كانوا ملحدين زنادقة، يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وجمهور الأمة تطعن في نسبهم، ويذكرون أنهم من أولاد اليهود أو المجوس، وهم يدّعون علم الباطن، الذي مضمونه الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعندهم: لا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشـور... ويستهينون باسم الله ورسوله، حتى يكتب أحدهم (الله) في أسفلِ نعله - سبحانه وتعالى - عمّا يقول الظالمون علوًا كبيرًا".

وأما الحاكم العبيدي الذي أحدث هذه الموالد فكانت له سيرة سيئة؛ إذ قرّب اليهود والنصارى، وأقصى المسلمين، وحرّف الأذان الشرعي فهو أول من دعا بالأذان بحي على خير العمل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [فاطر: 8]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

 

 

 

المرفقات
الاحتفال بالمولد.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life