عناصر الخطبة
1/أهمية الإيمان باليوم الآخر 2/بعض حكم أشراط الساعة وأماراتها 3/أقسام أشراط الساعة وأماراتها 4/أشراط الساعة الكبرى وأماراتها 5/بعض أشراط الساعة التي ظهرتاهداف الخطبة
اقتباس
اعلم أن أشراط الساعة وأماراتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ظهر وانقضى، وهي الأمارات البعيدة. وقسم ظهر ولم ينقضِ، بل لا يزال في زيادة. والقسم الثالث: الأمارات الكبيرة، والتي تعقبها الساعة، وهي تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها. فالأولى: أعني التي ظهرت ومضت وانقضت، منها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلاّ وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- واعلموا أن الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة التي لا يصحّ الإيمان إلا بها.
ولما كان ذلك اليوم مسبوقاً بعلامات تدل على قرب وقوعه، تسمى: "أشراط الساعة" ناسب أن نعرفها؛ لأن الإيمان بها واجب وهو من صلب العقيدة، قال تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1].
وقال تعالى: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا) [محمد: 18].
أي: علاماتها وأمارتها، واحدها: شرط.
قال الإمام البغوي -رحمه الله-: "وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشراط الساعة.
وقال تعالى: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) [الشورى: 17].
وقال تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [الزخرف: 66].
ولقرب وقوع هذا اليوم وتحقّقه جعله سبحانه كغد، قال تعالى: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر: 18].
والغد: هو ما بعد يومك.
وقال تعالى: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا)[المعارج: 6 - 7].
وروى الترمذي وصححه من حديث أنس مرفوعاً: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وأشار بالسبابة والوسطى.
وفي الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً: "إنما أجلكم فيمن مضى قبلكم من الأمم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس".
وفي لفظ: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس".
ولما كان أمر الساعة شديداً كان الاهتمام بشأنها أكثر من غيرها.
ولهذا أكثر النبي -صلى الله عليه وسلم- من بيان أشراطها وأماراتها، وأخبر عمّا يأتي بين يديها من الفتن، ونبّه أمته وحذّرهم، ليتأهبوا لذلك، أما وقت مجيئها، فهو مما انفرد الله -تعالى- بعلمه، وأخفاه عن العباد لأجل مصلحتهم، ليكونوا على استعداد دائماً، كما أخفى سبحانه عن كل نفس وقت حلول أجَلِها لتكون دائماً على أُهبة الاستعداد والانتظار، ولا تتكاسل عن العمل.
قال العلاّمة السفاريني: "ثم اعلم أن أشراط الساعة وأماراتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم ظهر وانقضى، وهي الأمارات البعيدة.
وقسم ظهر ولم ينقضِ، بل لا يزال في زيادة.
والقسم الثالث: الأمارات الكبيرة، والتي تعقبها الساعة، وهي تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها.
فالأولى: أعني التي ظهرت ومضت وانقضت، منها: بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وموته، وفتح بيت المقدس.
ومنها: قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، قال حذيفة: "أول الفتن قتل عثمان".
وذكر الحروب التي وقعت بين المسلمين بعد ذلك وظهور الفرق الضالّة كالخوارج والرافضة.
ثم قال: ومنها: خروج كذّابين دجالين كلٌّ منهم يدّعي أنه نبي.
ومنها: زوال ملك العرب [رواه الترمذي].
ومنها: كثرة المال؛ رواه الشيخان وغيرهما.
ومنها: كثرة الزلازل والخسف والمسخ والقذف، وغير ذلك مما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من أمارات الساعة، فظهر ومضى وانقضى.
الثانية: الأمارات المتوسطة، وهي التي ظهرت ولم تنقضِ، بل تتزايد وتكثر، وهي كثيرة جداً.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعدُ الناس بالدنيا لُكَعَ ابن لُكَع"[رواه الإمام أحمد والترمذي والضياء المقدسي من حديث حذيفة -رضي الله عنه-].
و"اللكع" العبد والأحمق واللئيم.
والمعنى: لا تقوم الساعة حتى يكون اللئام والحمقى، ونحوهم رؤساء الناس.
ومن الأمارات: قوله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الجمر"[رواه الترمذي عن أنس].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"[رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبّان وابن ماجة عن أنس -رضي الله عنه-].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان عُبّاد جهّال وقرّاء فسَقَة".
وفي لفظ: "فساق" [رواه أبو نعيم والحاكم عن أنس].
ومنها: أن يرى الهلال ساعة يطلع، فيُقال لليلتين، لانتفاخه وكبره، روى معناه الطبراني عن ابن مسعود.
وفي لفظ: "من أشراط الساعة انتفاخ الأهلّة".
بالخاء المعجمة، أي: عظمها، وروى بالجيم.
ومنها: اتخاذ المساجد طرقاً ... إلى أن قال: ومنها: ما في صحيح البخاري وغيره من حديث أنس -رضي الله عنه- أنه قال: "ألا أُحدثكم بحديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يحدّثكم به أحد غيري؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن من أشراط الساعة: أن يُرفع العلمُ، ويكثر الجهلُ، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقلّ الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيّم الواحد".
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابي، قال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدّث.
وقال بعض القوم: "سمع ما قال فكره ما قال".
وقال بعضهم: "بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: "أين السائل عن الساعة؟" فقال: ها أنا يا رسول الله، قال: "فإذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: كيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة".
النوع الثالث: من أمارات الساعة: العلامات العِظام، والأشراط الجِسام التي تعقبها الساعة، ومنها: خروج المهديّ، والمسيح الدجّال، ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام-، وخروج يأجوج ومأجوج، وهدم الكعبة، والدخان، ورفع القرآن، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج النار من قعر عدن، ثم النفخ في الصُور: نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق، وهلاك الخلق، ثم نفخة البعث والنشور.
وعلى كلٍّ، فالأمر عظيم، ونحن في غفلة، وقد يظهر من هذه العلامات الشيء الكثير، ولم يبقَ إلا العلامات الكِبار.
فنسأل الله -عزّ وجلّ- أن يثبتنا على دينه، ويتوفانا على الإسلام، ويقينا شرّ الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وهذا من علامات النبوّة ومعجزات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حيث أخبر عن أمور مستقبلة مما أطلعه الله -عز وجل- على علمه فوقع كما أخبر، وهذا مما يقوي إيمان العبد.
وفي إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك رحمة بالعباد، ليحذروا ويستعدوا، ويكونوا على بصيرة من أمرهم.
فصلوات الله وسلامه على هذا النبي الكريم الذي بلغ البلاغ المبين، وبيّن غاية التبيين، ونحن على ذلك من الشاهدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) [محمد: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، جعل الدنيا دار ممر، وجعل الآخرة هي المستقرّ، وأمر الإنسان أن يتزود من دار ممرّه لدار مقرّه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حذّر أمته من الركون إلى هذه الدار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البرّرة الأطهار، الذين هم في الليل عباد وفي النهار أُسود على الكفّار، وسلّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى- واستعدوا من أيامكم لما أمامكم، واعلموا أن من علامات الساعة التي ظهرت: هذه المخترعات العجيبة التي قرّبت البعيد، وطوت المسافات، وهذه المعادن المخزونة التي اكتشفت في الأرض، وفشوّ التجارة والزراعة.
فهذه من الآيات العظيمة في الآفاق، وهناك آيات في الأنفس، وهي: كثرة الأمراض الخطيرة التي لم تكن معروفة من قبل، وكثرة موت الفجأة، وكثرة الحوادث والحروب والفتن.
كل هذا من علامات الساعة، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الدنيا ليست بدار إقامة، فلا تطمئنوا إليها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل".
إذ من المعلوم: أن الغريبَ، وعابرَ السبيل، لا يطمئن في مكان الغربة، أو في أثناء الطريق في السفر.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات