عناصر الخطبة
1/ كمال الدين وتمامه 2/ الشهادتان أعظم أركان الإسلام 3/ تأملات في شهادة أن محمدًا رسول الله 4/ وجوب محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته واتباعه 5/ أهمية تصديق الأخبار النبوية واتباع آثاره 6/ كيف يعلم المسلم أنه يحب الله تعالى؟اهداف الخطبة
اقتباس
مِن نِعم الله على عباده، ومن كرمه وإكرامه: أن أرسل إليهم هذا الرسول الكريم؛ يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الحق، ومن البدعة إلى السنة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الخطأ إلى الصواب -صلوات الله وسلامه عليه-؛ تلكم نعمة كبرى ومنة عظمى. ومن تلكم المعالم في هذه الشهادة: بعثته -عليه الصلاة والسلام-، لقد بعث الله نبينا محمدا -عليه الصلاة والسلام- بشيرا ونذير يبشّر من أطاع الله وأطاع رسوله بجنة عرضها السماوات والأرض ومحذرًا ومنذرًا من عصاه بالعذاب الأليم ...
الخطبة الأولى:
أبدأ بالحمد مستعينًا *** راضيًا به مدبرًا معينًا
وأحمده سبحانه وأشكره*** ومن مساوي عملي أستغفره
وأستعينه على نيل الرضا *** وأستمد لطفه فيما قضى
وبعدُ فإني باليقين أشهد *** شهادة الإخلاص أن لا يُعبَد
بالحق مألوه سوى الرحمن *** من جلّ عن عيب وعن نقصان
وأن خيْرَ خَلْقِهِ محمَّــدا *** مَنْ جاءنَا بالْبَيِّنَات والْهُدَى
رسـوله إلى جَمِيعِ الْخَلْق *** بالنُّورِ والْهُدَى ودِينِ الْحَقِّ
صَلَّى عَلَيْهِ رَبُّنَـا وَمجَّـدا *** واْلآلُ وَالْصَّحْبُ دَوَاماً سَرْمَدَا
عباد الله: اتقوا الله -جل وعلا- حق تقواه، فمن اتقى الله وقاه، ومن اتقى الله كفاه، ومن اتقى الله منحه رضاه.
إخوة الإسلام والعقيدة: أول ركن في دين الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله..
رُكْنُ الشَّهَادَتَيْنِ فَاثْبُتْ وَاعْتَصِمْ *** بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لاَ تَنْفَصِمْ
شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ركن واحد لا يفترقان ولا يختلفان ولا يتباينان (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)، وفي الصحيحين: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله".
وفي هذه اللحظات وهذه الدقائق المعدودات سنتحدث عن الجزء الثاني من هذا الركن العظيم، أولها الصراط المستقيم ركن الشهادتين فاثبت واعتصم، وهي شهادة أن محمدًا رسول الله في هذه المعالم التالية وتلك عشرة كاملة.
أول ذلكم عباد الله: منة الله -عز وجل- على عباده بهذا الرسول الكريم الذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم كما قال الله -جل في علاه-: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ)، وقال سبحانه: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128].
فمن نعم الله على عباده ومن كرمه وإكرامه أن أرسل إليهم هذا الرسول الكريم؛ يخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الحق، ومن البدعة إلى السنة، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الخطأ إلى الصواب، صلوات الله وسلامه عليه؛ تلكم نعمة كبرى ومنة عظمى.
ومن تلكم المعالم في هذه الشهادة بعثته -عليه الصلاة والسلام-، لقد بعث الله نبينا محمدا -عليه الصلاة والسلام- بشيرا ونذير يبشّر من أطاع الله وأطاع رسوله بجنة عرضها السماوات والأرض ومحذرًا ومنذرًا من عصاه بالعذاب الأليم (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) [البقرة:119]، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) [الأحزاب:45].
فبعثة محمد -عليه الصلاة والسلام- بالتبشير والتنذير بالتيسير والتسهيل لهذه الأمة، ولهذا روى الإمام أحمد وعلقه البخاري "بعثت بالحنيفية السمحة، وأعظم ما بُعث به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو توحيد الله، هو إفراد الله بالعبادة، إخلاص العبادة لله وحده، والتحذير من الشرك أكبره وأصغره.
ولهذا أيها الأحبة قال الله -جل في علاه-: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ) [المدثر: 1- 2]، فقام وأنذر، وحذّر عن الشرك؛ قليله وكثيره، وبشّر ورغّب بالتوحيد، فيجب علينا أن نعرف بماذا بُعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
بُعث بالتوحيد وجلس ومكث في مكة عشر سنين يقول: "يا أيها الناس! قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، وأعاد في هذا الباب في أول حياته، وفي وسط حياته، وفي آخر حياته، بل عند سكرات الموت حذّر عن الشرك قليله وكثيره، وأمر بعبادة ربه -سبحانه وبحمده-.
والمعلم الثالث -أيها الأحبة في هذه الشهادة جعلني الله وإياكم من عباده الصالحين- هو أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين فلا نبي بعده، فمما تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ختمت به النبوة -صلوات الله وسلامه عليه- فهو آخر الأنبياء رسولاً وأفضلهم فضلاً وتشريفًا -صلوات الله وسلامه عليه-.
ولهذا تواتر في الحديث "لا نبي بعدي"، "أُعطيت خمسًا لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي"، وفي ذلك "وخُتم بي النبيون"، -فصلوات الله وسلامه عليه-.
والمعلم الرابع -أيها الأحبة- تمام شريعته وكمالها؛ إذ أنزل الله -عز وجل- عليه قبل أن يموت بثمانين يوم في حجة الوداع آية عظيمة، آية كبيرة، أرعوا لها الأسماع وانتبهوا بها بارك الله في هذا الاستماع (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
جاء يهودي إلى عمر كما في الصحيحين فقال: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ كَانَ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: " وَأَيَّةُ آيَةٍ؟ " قَالَ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) [سورة المائدة آية 3]. فَقَالَ عُمَرُ: "والله إني لأعلم متى نزلت، وعلى من نزلت، وفي أي مكان نزلت، نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في حجة الوداع عصر يوم الجمعة في يوم عرفة وهو واقف على راحلته".
في هذه الآية عباد الله ثلاث منن -جنبني الله وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن- أولها: إكمال هذا الدين، فلا زيادة ولا نقصان، ولا تعديل ولا تغيير، ولا تحويل فهو صالح مصلح لجميع البشرية لأول الزمان وفي آخره لجميع الأطياف وجميع الأجناس وفي جميع الأحوال وفي كل زمان ومكان (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).
والمنة الثانية: تمامه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي).
والثالثة: رضوان الله -عز وجل- لهذا الدين (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)، فاعملوا به وتمسكوا بشعائره، وتمسكوا بآدابه، وتعلقوا بأركانه وفروضه فالله رضيه لعباده "إن الله يرضى لكم ثلاثًا؛ أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا".
ولهذا فإن الله لا يرضى الكفر، ولا يرضى لعباده الكفر، إنما يرضى لهم الإسلام (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)، وعند الإمام مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا".
والمعلم الخامس: محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-، الله أكبر..
يا رب إن ذنوبي في الورى كثرت *** وليس لي عمل في الحشر ينجيني
وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه *** حبّ الرسول وهذا القدر يكفيني
اللهم ارزقنا محبته، اللهم ارزقنا محبته، اللهم ارزقنا محبته.
تجب محبته -عليه الصلاة والسلام- أحبّ من كل شيء، في الصحيحين: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وولده ووالده والناس أجمعين".
بل تكون محبته أحبّ مِن النفس التي بين جنبيك، ذات يوم كان -عليه الصلاة والسلام- آخذًا بيد عمر بن الخطاب، فقال يا عمر: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وولده والناس أجمعين"، فقال عمر: وما أدراك ما عمر -رضي الله عن عمر- فقال: "والله إنك لأحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي يا رسول الله"، فقال: "لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فماذا كان من عمر -رضي الله عن عمر، وحشرنا مع عمر- إلا أن قال: "والله إنك لأحب إليَّ من كل شيء حتى من نفسي"، دون تردد أو تلعثم أو مشاورة أو إمهال في الوقت والزمان بل في الحال، "والله إنك لأحب إليَّ من كل شيء حتى من نفسي"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر"، الآن حقت المودة، الآن صدقت المحبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
وإلى العنصر السادس: طاعته واتباعه وهي تابعة لمحبته، فقد قال سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31]، ذلكم عباد الله أن محبته، وطاعته، واتباعه، وامتثال أمره دليل عظيم ساطع ناصع على محبة الله -عز وجل-، ولهذا أنزل الله هذه الآية لما ادّعى أناس أنهم يحبون الله -عز وجل- فامتحنهم واختبرهم بهذه الآية (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ) إن كنتم صادقين في محبة الله فأعطوني الدليل والبرهان، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)، تنال باتباعه خصلتين عظيمتين وفرصتين كبيرتين؛ وهما محبة الله لكم، والثانية مغفرة ذنوبكم (يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).
فيا عباد الله يجب علينا طاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكل إنسان سائغ الطاعة وطاعته متبوعة إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطاعته واجبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63] (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [النساء: 13- 14]، (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 131].
في صحيح البخاري عن الرسول الهادي من حديث أبي هريرة: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
وفي مسلم -أيها الأخ المسلم-: "ومن يطع الله ورسوله فقد رشد".
ولهذا جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم: "إنما أنا لكم كمثل رجل استوقد نارًا فجعلت الفراش والدواب يقعن فيها، وأنا آخذ بحجزكم عن الناس وأنتم تقحمون فيها"، فصلوات ربي على هذا الرسول الكريم محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-.
فالله اللهَ عباد الله في محبته وطاعته، وامتثال أمره، تنالوا السعادة في الدنيا والآخرة، تفلحوا وتنجحوا، وتصلحوا، ويصلح الله لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، قدموا محبته وطاعته على جميع الأشياء على محبة المال والولد والمنصب على محبة الدنيا برمتها، على محبة الدنيا بأجمعها (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
اللهم ارزقنا محبته، اللهم ارزقنا محبته، نور قلوبنا بنور الإيمان واملأها بحبك وحب نبيك يا كريم يا منان، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على فضله وامتنانه..
ومن تلكم المعالم في هذه الشهادة: المعلم السابع تصديقه -عليه الصلاة والسلام- (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) [الزمر:33]، نبينا -عليه الصلاة والسلام- هو الصادق المصدوق لم يُعهَد عليه كذب، بلّغ البلاغ المبين، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، علّم الأمة كل شيء -عليه الصلاة والسلام-.
استمعوا إلى كلماته اللطيفة، يقول -عليه الصلاة والسلام- متلطفا بأمته "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد يعلمكم" (رواه أبو داود في سننه).
وربنا يقول: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة:128]، ولم يعهد عليه كذبة واحدة -صلوات الله وسلامه عليه- لا جادّا ولا هازلاً، عصمه الله -عز وجل- من الكذب فهو الصادق المصدوق يجب تصديق أخباره، وتصديق أوامره، وتصديق نواهيه، فأوامره بالامتثال ونواهيه بالانتهاء وتصديقه عباد الله يكون على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ما مضى وانقضى من قصص بني إسرائيل والأنبياء والمرسلين، والمرحلة الثانية في الحاضر من أشراط الساعة الصغرى وأحوال الأمة، والحالة الثالثة فيما يستقبل من أشراط الساعة الكبرى واليوم الآخر، والجنة بما فيها من النعيم والنار بما فيها من العذاب الأليم.
عمومًا يجب تصديقه -عليه الصلاة والسلام- في كل صغيرة وكبيرة وعلامة التصديق أن تقر بنفسك يقينًا لا شك عندك ولا ريب إذا صح الخبر أن هذا قد نطق به سيد البشر فبالتالي الاتباع والامتثال.
والعنصر الثامن: دينه باقٍ، دين النبي -عليه الصلاة والسلام- معلم للعصور؛ فإن دينه باقٍ -عليه الصلاة والسلام- لا يختلف ولا ينقص ولا يزيد بخلاف إخوانه من الأنبياء؛ حيث إذا مات الواحد منهم انقضت شريعته، أما نبينا -عليه الصلاة والسلام- فدينه باقٍ؛ أخبر الأمة بكل شيء، وعلّم الأمة بكل شيء.
تعالوا اسمعوا هذا الخبر العظيم، ذات يوم -عليه الصلاة والسلام- صعد المنبر بعد صلاة الفجر، فخطب الناس وتكلم حتى أذن الظهر، ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع إلى منبره حتى أذن العصر، ثم نزل فصلى العصر، ثم رجع إلى منبره حتى أذن المغرب يومًا كاملاً من طلوع الشمس إلى غروبها، يقول الراوي فذكر كل شيء، فذكر بدأ الخلق حتى دخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ.
ولهذا يقول أبو ذر: "وما طائر يطير في السماء إلا وذكر لنا منه علمًا"، فصلوات الله وسلامه عليه، لم يترك شيئًا إلا بيّنه لهذه الأمة، ولهذا يقول اليهودي لسلمان الفارسي "يا سلمان علمكم رسولكم كل شيء حتى الخراءة؟ –يعني: دخول الخلاء، ماذا يقول وماذا يفعل الإنسان- فقال سلمان -رضي عنه الرحمن-: "أجل علمنا كل شيء".
فدينه باقٍ -عليه الصلاة والسلام- وأعظم ما أمر به التوحيد، وأعظم ما نهى عنه الشرك.
والعنصر التاسع أيها الأحبة -جعلني الله وإياكم من أهل الجنة- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدُ الله ورسوله، نعم عبد الله ورسوله فهو عبدٌ لا يُعبَد، ورسول لا يُكذب بل يُطاع ويُتبع، فلا نكون ممن لا يستجيب له أمراً، ولا يلقي له بالا، ولا يرعى له معنى، ولا يهتم به -عليه الصلاة والسلام- من حيث الامتثال ومن حيث الاستجابة فلا نقول قال النبي، وقال فلان، كلاهما سيان، ولا نكون من الذين يدعونه ويسألونه ويستغيثون به وينادونه من دون الله ويصرفون له العبادة جعلوه في مرتبة الإلوهية ومنزلة الربوبية، بل هو عبد الله شرفه الله بالعبادة في حال الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) [الإسراء: 1]، شرفه الله بالعبادة في إنزال كتابه الذي هو أعظم نعمة وأجل منة (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) [الفرقان: 1]، وقد شرفه الله في وحيه (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) [النجم:10]، شرفه الله -عز وجل- بالعبادة والدعوة (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ).
أيها المسلمون: أعظم منّة على الإنسان أنه عبدٌ لله -عز وجل- خاضعٌ خاشع لله -عز وجل- يأتي بالعبادة على وجه الذل والخشوع.
وعبادة الرحمن غاية حبه *** مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر *** ما دار حتى قامت القطبان
فاحمد الله أنك عبد لله لا لفلان ولا علان..
ومـما زادني شـرفـاً وتـيــهـاً *** وكدت بأخمصي أطأ الـثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صـيَّرت أحمد لي نـبيا
والمعلم العاشر: أيها الأخ الحاضر وهو الأخير ألا يُعبَد الله إلا بما شرَع رسول الله، تلكم قاعدة متينة كبيرة في دين الله، فدين الله -عز وجل- لا يُقبل إلا بالإخلاص والمتابعة إخلاصًا لله لا رياء فيه ولا سمعة، ومتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلا نأتي بعبادة ولا نبتدع عبادة إلا إذا جاءت من مصدرها وأصلها وهي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقعّد ذلك -عليه الصلاة والسلام- ويؤصله فيقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ" كما في الصحيحين، يقعد ذلك ويؤصله وهو بين جموع غفيرة مقدارهم مائة ألف وأكثر: "خذوا عني مناسككم"، يقعّد ذلك ويؤصله بالصلوات الخمس في اليوم والليلة: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
فعلينا عباد الله: اتباع سنته والعمل بها، وألا نعبد الله إلا بما شرع رسول الله، فالدين مبني على أصلين عظيمين؛ الأصل الأول: ألا نعبد إلا الله، والأصل الثاني ألا نعبد الله إلا بما شرع رسول الله، تلكم عناصر عشرة، وتلكم عشرة كاملة مختصرة موجزة في هذه اللحظات المعدودة، أسأل الله -عز وجل- أن يجعلني وإياكم من عباده الصالحين وحزبه المفلحين.
يا من بحثت عن العطور جميلها *** ليكون عطرك في ا?نام نسيما
هل لي بأن أهديك عطرا فاخرا *** وهو الدواء إذا غـدوت سقيـما
هذا ك?م الله في قرآنـــه *** صلوا عليه وسلموا تسليما
صلى عليك الله يا خيرَ الورى *** ما أمطرت مُزنٌ وما سيلٌ جرى
صلوا عليه وسلموا لا تفتروا *** إن الصلاة عليه غُنمٌ يُشترى
هذا وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يجعلني وإياكم من أنصار دينه وشرعه، اللهم أغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية..
التعليقات