عناصر الخطبة
1/ مشروعية صلاة الجنازة وفضلها 2/ أداؤها غير مرتبط بزمان ولا مكان 3/ من مسائل الجنازةاهداف الخطبة
اقتباس
الصلاة على الجنازة مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقي، وهي من حقوق المسلمين بعضهم لبعض كما في سنة سيد المرسلين، وقال الفاكهي: "والصلاة على الميت من خصائص هذه الأمة". قال شيخ الإسلام: "لما نهى نبينا -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة على المنافقين: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا)، كان دليل الخطاب أن المؤمن يصلى عليه قبل الدفن ويقام على قبره بعده".
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي شاء الصلاة على الجنازة، ومنح الخير لمن شاء وأحازه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير من صلى على الجنازة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل البر والتقى والسعادة.
أما بعد:
عباد الله: تريدون الفوز والسعادة، تريدون الحسنى وزيادة، عليكم بتقوى الله في السر والعلانية.
أمة الخير والصلاح: استعدوا لما أمامكم، وادخروا أعمالاً تقربكم إلى مولاكم، اعملوا أعمالاً صالحة تؤنسكم في قبوركم، تذكروا مفارقة أولادكم وأزواجكم، تذكروا مفارقة دنياكم وأموالكم، تذكروا رحيلكم وانتقالكم.
أيها المؤمنون: من نعم الله على عباده أن شرع لهم بعد مفارقة دنياهم وانتهاء آجالهم تغسيل موتاهم وتكفينهم والصلاة عليهم، ومنح الأجر والثواب للمصلَّى عليه والمصلِّي، ومن هذا الباب يجب ذكر هذا الجانب لاسيما ونحن نكرر ذلك مرات وكرات في الصلاة على الأموات، ففي هذا المقام نأخذ حكمًا واحدًا وهو الصلاة على الجنازة وما يتعلق بها باختصار ورؤوس أقلام.
الصلاة على الجنازة مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقي، وهي من حقوق المسلمين بعضهم لبعض كما في سنة سيد المرسلين، وقال الفاكهي: "والصلاة على الميت من خصائص هذه الأمة".
قال شيخ الإسلام: "لما نهى نبينا -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة على المنافقين: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا)، كان دليل الخطاب أن المؤمن يصلى عليه قبل الدفن ويقام على قبره بعده".
ودلّت الآية على أن الصلاة على المسلمين من أكبر القربات وأفضل الطاعات، ورتب عليها الجزاء الجزيل والثواب الجميل، ففي الصحيحين عن أبي هريرة: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان"، قيل: وما القيراطان؟! قال: "مثل الجبلين العظيمين".
ومن صلّى ثم انصرف كتب له قيراط، وثبت له أجر الصلاة، قال زيد بن ثابت: "إذا صليت فقد قضيت الذي عليك". علقه البخاري.
وقال حميد بن هلال: "مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنًا، وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى عليها ثُمَّ رَجَعَ قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط". وعليه فلا يشترط المتابعة.
ويصلى على الجنائز في المسجد وغيره، وكان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للجنائز مصلى خاص خارج المسجد، ولهذا ترجم البخاري في صحيحه: "باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد"، ولا يحدد لها مكان إلا لغرض المصلحة، فالمسجد ليس شرطًا للصلاة، وربما كان التنويع في الأماكن أنفع وأنجع.
ويصلَّى على الجنائز في أي وقت كان، ولا يشترط عقب صلاة مفروضة، بل يصلى عليها إذا كانت جاهزة من ليل أو نهار عقب الصلاة أو غيرها، وأبو بكر صلى عليه ليلاً، وفي أوقات النهي وغيرها إلا عند طلوع الشمس وغروبها وزوالها، فيتوقى ذلك كما جاء ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن مسائل الجنازة -وفقكم الله للسعادة- أن الإمام يقف عند الصلاة عند رأس الرجل ووسط المرأة، كما دل على ذلك السنة وعلل، بعض العلماء بالقيام وسط المرأة أنه أستر لها من الأنظار، هذا وهي ميتة، فكيف بمن هي تتكشف وتتبرج وهي حية!! فعفوك يا ذا الكرم والمنة.
كما أن الإمام يتقدم على المأمومين كالصلاة المفروضة، ومن الخطأ المشاهَد: الصلاة عن يمين الإمام بدون حاجة أو ضيق مكان، سواء كان في المسجد أم المقبرة.
ومن المسائل وجميل الدلائل: أنه يقدم إلى الإمام في الصلاة على الجنازة الأفضل والأقرأ والأعلم والأصلح من الرجال أو النساء، فيقدم الرجال الأفضل فالأفضل، وكذا النساء.
ويصلَّى على الجنائز المتعددة صلاة واحدة، والأجر على حسب العدد، والصلاة على كل جنازة صلاة مفردة فجائز لا بأس به، ومن ذلك أن الأفضل إذا جيء بالجنازة للمقبرة أن يباشر بها القبر ومن لم يصلِّ عليها يصلي عليها بعد الدفن، وإن صُلِّي عليها قبل الدفن فلا بأس، والأفضل بعد دفنها كما هو السنة.
فالإسراع بالجنازة مطلوب، والصلاة على القبر غير محدودة بشهر ولا غيره، وكلما كثر عدد المصلين فهو أفضل للأجر المبين، ففي مسلم عن ابن عباس: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه". وفيه: "ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه".
وشرط هؤلاء -يا مسلمون- أن يسلموا من الشرك الأصغر، وأن يكونوا مخلصين، وفي الوقت نفسه فيها بشارة لمن يصلي عليه هذا العدد بالمغفرة والشفاعة، والحمد لله الذي شرع لنا صلاة الجنازة. فنسأل الله الإخلاص والمتابعة.
ومن مسائل الجنازة: تسوية الصفوف، خصوصًا في المقبرة حينما تعوجّ الصفوف، خصوصًا عند الازدحام، فتسوى كتسويتها في الصلاة المفروضة، بوب البخاري في صحيحه: "باب الصفوف في الجنازة، وباب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام"، وتعداد الصفوف أفضل لاسيما إذا قلّ العدد.
ومن مسائلها -وهو تاسع عشرها- أنّ من وصّى من يصلي عليه يجب تنفيذ وصيته، فأبو بكر أوصى أن يصلي عليه عمر، وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأبو بكرة أوصى أن يصلي عليه أبو برزة... وهكذا -رضي الله عنهم-، فيقدم الوصي في الصلاة على الجنازة والإمام الراتب أولى من غيره بدون وصية.
والعشرون يا مؤمنون: أن يؤم القوم على الصلاة عليها غير الإمام الراتب، خصوصًا في المقبرة، الأقرأ والأعلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، وهذه صلاة كغيرها من الصلوات، فيتقدم الأفضل، فليس قصارها تكبيرة فقط.
هذا ما سمعتم، نفعني الله وإياكم بما سمعتم، وبارك الله لي ولكم، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، وأسأله أن يجعلنا له من الذاكرين، وعلى رسوله ونبيه من المصلين.
وبعد:
يا مسلمون: ومن أجلّ مسائل الجنازة كيفية الصلاة على الجنازة، فهي لب المقام وكيفية المقام، وصفتها: أن يكبر المصلي على الجنازة قائلاً: "الله أكبر"، ويرفع يديه إن شاء، ومن لم يرفع يديه فلا حرج، وينوي الصلاة على الميت.
ولا يضره جهله كون الجنازة ذكرًا أو أنثى أو طفلاً، وإن عرف كان أكمل، ثم يتعوذ ويبسمل، وأما الاستفتاح فإن استفتح فلا بأس، والأصل أنها صلاة يشرع لها ما يشرع للصلاة، ثم يقرأ الفاتحة، يقول طلحة بن عبد الله: "صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: لتعلموا أنها سنة".
ولا يقرأ معها شيئًا إلا اللهم لو أطال الإمام فالمأموم لا يبقى ساكتًا، فله أن يقرأ ما يشاء، ثم يكبر الثانية فيصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما يصلي عليه بالتشهد فيقول: "اللهم صلّ على محمد وعلى آله محمد...". إلى آخره. ولو قال: "اللهم صلّ على محمد". فقط أجزى؛ لأنه لم يرد لها صفة مخصوصة.
ثم يكبر الثالثة فيدعو للميت ويقول ما ورد إن أمكن، مثل: "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا كبيرنا وذكرنا وأنثانا...". إلى آخر ما ورد، ومن ابتغاه وجده.
ويجزئ: "اللهم اغفر له"، ويخلص الدعاء للميت فيخصه بالدعاء لما عند أبي داود وابن ماجه: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء". وإخلاص الدعاء ألا يدعو لغيره على وجه الخصوص، ولو دعا لرجل فبانت امرأة أو امرأة فبانت رجلاً فلا بأس.
ولا يشترط معرفة المصلَّى عليه ذكرًا أو أنثى، وإن عرف أفضل، ولو عمم الدعاء على من يصلي صحّ، وأي دعاء دعا به للميت جاز، يقول ابن الزبير: سألت جابرًا: ما يدعى للميت؟! فقال: "ما أتاح"، أي ما قدر لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أبو بكر ولا عمر، فدل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص.
ويخلص للمسيء الدعاء لأنه أحوج إلى دعاء إخوانه، وإذا كانت الجنازة فرطًا فالصلاة عليه كغيره إلا في الدعاء، فإن شاء قال: "اللهم اجعله لنا فرطًا وسلفًا وأجراً"، أو "اللهم اجعله ذخرًا لوالديه وفرطًا وثقّل به موازينهما، وأعظم به أجورهما"، وليس هناك تحديد خاص لذلك.
ثم يكبّر التكبيرة الرابعة، ويسلم تسليمة عن يمينه واحدة، وإن دعا بعد الرابعة فلا بأس، وإذا دخل والناس يصلون فإنه يدخل معهم في الحال، ويكون ما أدرك أول صلاته، فيكبر ويقرأ الفاتحة وهكذا، ثم يقضي ما فاته بعد سلام الإمام لعموم "ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".
ومن المسائل -أيها الأفاضل-: من جاء وقد انتهي من الصلاة المفروضة وهو لم يصلّ الفريضة فإنه يصلي على الجنازة ثم يصلي بعدها الفريضة.
ويشترط للصلاة على الجنازة النية، ولا يشترط معرفة عين الميت، والثاني إسلام الميت؛ لأن الصلاة دعاء وشفاعة، والكافر ليس أهلاً لذلك: (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا)، والأصل في المسلم الصلاة عليه.
والشرط الثالث: الطهارة؛ فهي صلاة ذات تكبير وتسليم، فيجب لها الوضوء، فلا يتيمم لها إلا إذا عدم الماء أو تعذر استعماله، ومنها حضور الجنازة بين يديه إلا صلاة الغائب.
والخامسة والعشرون -أيها المؤمنون الموحدون-: لا يتنفل فيها ولا يكرر المصلي عليها كما يفعله بعض الناس إلا لسبب شرعي إن لم يأتِ دليل على التنفل بها تطوعًا.
ولا يصلَّى على جزء ميت كرجل ويد وهو حي، فلا يصلَّى على الأعضاء، وإن وجد بعض أعضاء ميت لم يصلَّى عليه صلى عليها.
ومن الأخطاء: تأخير الجنازة بدون مبرر شرعي أو انتظار وقت صلاة مفروضة، وأبو بكر أفضل الأمة صُلِّي عليه ليلاً، وكذا التي كانت تنظف المسجد وسأل عنها رسول الله، والسنة المبادرة، ومن فاتته صلى على قبره.
والرضيع يصلَّى عليه فيغسل ويكفن، وهو ما تم له أربعة أشهر، مائة وعشرون يومًا.
والثلاثون -وهي خاتمة مسكها يا مسلمون-: الصلاة على كل جنازة لم يشهدها، وهذا ليس عليه دليل، وإنما يصلى على القبر لمن فاتته جنازة قريب أو صديق ونحوهما، فبعض الناس يغيب عن المقبرة أسبوعًا ثم يصلي على ما فاته في ذلك الأسبوع، وهذا لا دليل عليه.
فالخلاصة من هذه الإفادة ثلاثون مسألة في صلاة الجنازة مما تخص المصلين ويحتاجها كل مصلٍّ من المسلمين، فتفقهوا واعلموا تعبدوا ربكم على بصيرة وترتقوا.
هذا؛ وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته.
التعليقات