عناصر الخطبة
1/ افتراءات الكافرين على دين الإسلام 2/ محاسن الإسلام في حوار المهاجرين للحبشة 3/ الإسلام خاتم رسالات الله للبشرية 4/ من خصائص دين الإسلام 5/ من الأدلة على أن الإسلام هو الحق.اقتباس
ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: شرائعه الواقعية؛ فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، لكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس ولكنه يحرم الربا، ويبيح جمع المال من حله ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، ويبيح الطعام ويحرم الميتة ولحم الخنزير ونحوهما, ويبيح جميع المشروبات ويحرم الخمور والمسكرات والمخدرات, وجميع مايغيب العقل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوة الإسلام: يتعرض دين الإسلام إلى هجمة شرسة من قبل أعداء الإسلام والمسلمين, وأقنعوا العالم بأنّ الإسلام هو دين التطرف والاقتتال والتناحر وسفك الدماء, وأنه دين التشدد والتنطع, وأنّه دين التخلف والرجعية! وكذبوا في دعواهم, (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا) [الكهف: 5].
وللأسف صدَّق هذا الكلام كل من العلمانيين والحداثيين والليبراليين والمستغربين, ومن رضعوا ألبان الغرب الحاقد, فقد جاء في كتب السيرة النبوية أنّ النجاشي ملك الحبشة سأل المسلمين عندما فرّوا بدينهم ولجؤوا إليه فقال: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ, وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَمِ؟ قَالَ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: "أَيُّهَا الْمَلِكُ! كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ؛ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ, وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ, وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ, وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ, وَنُسِيءُ الْجِوَارَ, وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ, وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ -تَعَالَى- إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا, نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ.
فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ, وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ, وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ, وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ, وَصِلَةِ الرَّحِمِ, وَحُسْنِ الْجِوَارِ, وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ, وَنَهَانَا عَنِ الْفُحْشِ, وَقَوْلِ الزُّورِ, وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ, وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ, وَأَمَرَنَا أَنَّ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا, وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ, قَالَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الإِسْلامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا, وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا.
فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا؛ لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ, فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا؛ خَرَجْنَا إِلَى بِلادِكَ فَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ, وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ, وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ".
ودين الإسلام وهو الدين الذي ختم الله به جميع الشرائع السماوية, (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19], ولن يقبل الله دينا سواه؛ فمن تعبّد الله بدين النصرانية أو تعبّد الله بدين اليهوديه أو غيرها من الأديان الأخرى فهو على ديانه باطلة, وهو في الآخرة من الخاسرين ومن أهل النّار, (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85], عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني, ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
إن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال, دين ارتضاه الله -عزّ وجل- لإسعاد البشرية جمعاء, دين جاء لينظم شؤون حياة الناس الدينية والدنيوية, (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
وبالإسلام أرسل الله جميع رسله؛ فأمروا أقوامهم بأن يوحدوا الله ولا يشركوابه شيئا, وأن يكفروا بما عداه من المعبودات الباطلة, (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36].
وقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء بتصديق النبي محمدٍ -عليه الصلاة والسلام- واتباعه، ولما بعثه -عليه الصلاة والسلام- جعل شريعته ناسخة لما قبلها من الشرائع, وأوجب على العالمين اتباعه، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبيه وآله وصحبه, وبعد:
عباد الله: ولقد حفظ الله دين الإسلام قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9], فبحفظ الله له لم يتغير منه ولا حكم على مرور القرون والدهور والأعوام، مع شدة الحملة من الكفار على المسلمين، وغزو الصليبيين والتتار، ومحاولات الاستعمار الحديث والمستشرقين، إلا أن جميع مخططاتهم ذهبت أدراج الرياح، وهذا من المعجزات.
ومن الأدلة على أن الإسلام هو الدين الحق: العقيدة الصافية؛ فالله وحده هو المتصرف في الكون، لا شريك له في الخلق والرزق، ولا يدبر معه الأمر أحد، ولا يستحق أحد من دونه أن يعبد، كما أنه موصوف بكل كمال ومنزه عن كل نقص.
ومن الأدلة على أن الإسلام هو دين الحق: شرائعه الواقعية؛ فهو يبيح الزواج بالنساء، ويرغب فيه، ولا يأمر بالرهبنة والتبتل، لكنه يحرم الزنا، والإسلام يبيح المعاملات بين الناس ولكنه يحرم الربا، ويبيح جمع المال من حله ولكنه يوجب الزكاة للفقراء، ويبيح الطعام ويحرم الميتة ولحم الخنزير ونحوهما, ويبيح جميع المشروبات ويحرم الخمور والمسكرات والمخدرات, وجميع مايغيب العقل, وغير ذلك من الشرائع الواقعية التي تناسب حاجات البشر ولا تضيق عليهم؟.
ومن الأدلة كذلك على أن الإسلام هو دين الحق: موازنته بين متطلبات الروح وحاجات البدن.
ومن الأدلة على أن دين الإسلام هو دين الحق: عدم مصادمة عقائده وتشريعاته للفطرة والعقل؛ فما من خير يدل عليه العقل إلا والإسلام يحث عليه ويأمر به، وما من شر تأنفه الطباع وينفيه العقل إلا والإسلام ينهانا عنه.
ومما ذكرناه يتضح أن الطريق إلى الله واحد وهو دين الإسلام، وهو الذي بعث الله به نبيه محمداً -عليه الصلاة والسلام- كما بعث جميع الرسل، وإن جميع ما خالفه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو وثنية أو غير ذلك من نحل الكفر كله باطل، وليس طريقاً إلى الله، ولا يوصل إلى جنته، وإنما يوصل إلى غضبه وعذابه.
والله المسؤول أن يمنحنا وجميع المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يهدينا جميعاً الصراط المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.
التعليقات