عناصر الخطبة
1/الإحسان ومنزلته في الإسلام 2/من صور وأنواع الإحسان 3/جزاء الإحسان في الدنيا والآخرةاقتباس
دائرة الإحسان واسعة جدًّا، لم تَدَعْ مجالًا إلا دخلته؛ فالإحسان مع الله أن تعبده كأنك تراه، والإحسان مع القرآن بإحسان التلاوة والتدبر، والعمل والتحاكم إليه، والدعوة إلى تطبيقه، والإحسان مع خَلْقِ الله، ولن نستطيع الإحاطة بها...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْـحَمْدُ لِلَّـهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم بتقوى الله؛ (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128].
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195]، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، ولْيُحِدَّ أحدكم شفرتَه، ولْيُرِحْ ذبيحته"(رواه مسلم).
في الآية: الأمر العام والشامل بالإحسان لكل أحد في كل شيء، والحديث يوضح إلى أي مدى يصل الإحسان، ومعلوم أن كل أحد يعلم أنه مطلوب منه إحسان عمله، لكن أن يصل الأمر إلى حدِّ أن يحسن القاتل قتلته، والذابح ذبيحته، إن هذا لأمر عظيم!.
عباد الله: دائرة الإحسان واسعة جدًّا، لم تَدَعْ مجالًا إلا دخلته؛ فالإحسان مع الله أن تعبده كأنك تراه، والإحسان مع القرآن بإحسان التلاوة والتدبر، والعمل والتحاكم إليه، والدعوة إلى تطبيقه.
والإحسان مع خَلْقِ الله، ولن نستطيع الإحاطة بها، ولكن نقتصر على من أكَّد الله علينا الإحسان إليهم، قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)[النساء: 36]، بدأ بأشرف إحسان وأعظمه، وهو توحيد الله، وثنَّى بأعظم محسَن من الخلق إليهم وهما والداك، وثلَّث بذوي القربى من الأولاد والإخوان، وسائر ذوي الأرحام؛ لعظيم حقهم عليك، ثم أتْبَعَهم باليتامى، أولئك المحرومون البؤساء الذين فقدوا سندهم من الناس، وحُرموا العطف والحنان، فكلَّف الله المجتمع بتعويضهم عن ذلك، ووعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- من يحسن إليهم، ويقوم بمصالحهم بالدرجة العالية في الجنة، فقال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى"(متفق عليه).
وحذَّر من قهره وامتهانه، فقال -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)[الضحى: 9]، والتعدي على ماله، فقال -عز ذكره-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10].
ثم أمر بالإحسان إلى المساكين، ويدخل فيهم الفقراء، فيجب الإحسان إليهم بإعطائهم ما جعله الله لهم من مال الأغنياء من الزكاة، ثم ببذل المعروف، ويلتحق بهؤلاء ضعفة المسلمين الذين تُنتهك حقوقهم، وتُستباح محارمهم، ويتعدى عليهم الأقوياء.
ثم وصل بالإحسان إلى الجار، فقال -سبحانه-: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى)[النساء: 36] من النسب، (وَالْجَارِ الْجُنُبِ)[النساء: 36] الذي ليس بينك وبينه نسب، وأردف بـ (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)[النساء: 36]؛ قيل: الزوجة، وقيل: كل من صحبته، وجمعت بينك وبينه ملازمة ورفقة من عمل، أو سفر، أو من دارسة، أو أي مجال، (وَابْنِ السَّبِيلِ)[النساء: 36]، سواء أتاك في محل إقامتك، أو لقيته في سفرك، وختم: (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)[النساء: 36].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده لا شريك له، ، وصلاة وسلاما على عباده الذين أصطفى.
أما بعد: وجزاء الإحسان: الحمد والثناء، يقول -تعالى-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60]، فالجزاء متحقق حتى للكافرين، فإنهم إذا أحسنوا كافأهم الله بذلك في دنياهم.
وأما المؤمن، فمكافأته في الدنيا والآخرة، وأول جزاء يترتب عليه خير الدنيا والآخرة:
أولاً: معية الله: قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128]، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].
ثانياً: حبه -سبحانه-: قال -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195]، وقال -تعالى-: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة: 13].
وفي الدنيا:
أولاً: صلاح النفس، والحصول على المواهب العظيمة من الله، قال -تعالى-: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[يوسف: 22].
ثانياً: مكافآت عظيمة، منها: الذرية الصالحة، قال -تعالى- عن إبراهيم: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[الأنعام: 84].
وفي الآخرة:
أولاً: حفظ الإحسان والحصول عليه أحوج ما يكون الإنسان إليه؛ (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[هود: 115].
ثانياً: الجنة: قال -سبحانه-: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة: 85]، وقال: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[يونس: 26].
التعليقات