عناصر الخطبة
1/تباين واختلاف وجهات النظر تجاه الإجازة الصيفية 2/النهي عن السفر إلى بلاد الكفار 3/بعض مفاسد وأخطار السفر للخارج 4/مشاهد مخلة يقع فيها بعض المسافرين للخارج 5/بعض وسائل استغلال الإجازة الصيفيةاهداف الخطبة
اقتباس
ها هم أولئك الأحباب في كل عام، كلما دقت الأجراس معلنة ختام آخر أيام الامتحانات، يلملمون حوائجهم، ويحزمون حقائبهم، في رحلات طويلة تشغل معظم الصيف، إن لم يكن كله، إلى بلاد الكفار في شرق أو غرب، أو شبيهاتها من بلاد المسلمين والعرب. ويبدأ سيل الآلام من تلك اللحظة التي عزم فيها على السفر، فكم سينفق من الأموال لشراء تذاكر السفر له ولأفراد عائلته، وليس سراً أن...
الخطبة الأولى:
كان الوالدان في ترقب وحذر، بين تخوف وأمل، وهما ينتظران على أحر من جمر الغضى، ما تؤول إليه نتيجة الأبناء في امتحانات نهاية العام الدراسي، وقد أُبرمت الوعود، وزفت البشائر، بقضاء إجازة ممتعة هنا أو هناك، إذا كانت النتائج مرضية مشرفة.
وجاءت الإجازة فكان لابد من التذكير بحديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"[رواه البخاري].
وجاءت الإجازة، فاختلفت أفهام الناس وتقديراتهم لها، وتباينت آرائهم ونواياهم فيما يشغلونها به.
فالناس في هذا بين مُشَرِق ومُغَرِب، وثالث وسط فَهِم حقيقة الحياة، وثمن الأعمار والأوقات.
ها هم أولئك الأحباب في كل عام، كلما دقت الأجراس معلنة ختام آخر أيام الامتحانات، يلملمون حوائجهم، ويحزمون حقائبهم، في رحلات طويلة تشغل معظم الصيف، إن لم يكن كله، إلى بلاد الكفار في شرق أو غرب، أو شبيهاتها من بلاد المسلمين والعرب.
ويبدأ سيل الآلام من تلك اللحظة التي عزم فيها على السفر، فكم سينفق من الأموال لشراء تذاكر السفر له ولأفراد عائلته، وليس سراً أن ثمن تلكم التذاكر لعائلة متوسطة العدد، يكفي بعض العوائل -لا أقوال خارج البلاد- بل داخلها لشهور أو حول كامل أو يزيد".
وقبل هذا: معلوم أن العاقل المتزن هو الذي لا يخطو خطوة إلا ويعلم ما بعدها، ولا يقدم عليها إلا وقد نظر هل تنفعه أم تضره؟ فكيف إذا كان هذا العاقل هو أنت أيها المسلم الموحد فهل نظرت وقدرت؟ هل رحيلك وسفرك هو نفع لك ورفعة في درجاتك، أم أنه وبال عليك في الدنيا، وغصص وحسرات يوم تلقى ربك ومولاك؟ وأنت من عرفناك، وقافاً عند حدود الله، تخشى الله وتخافه؟.
روى أبو داود والترمذي وصححه الألباني من حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله لِمَ؟ قال: "لا تراءى ناراهما"[رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني].
قال الإمام الخطّابي: "فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم، حتى إذا أوقدوا ناراً كان منهم بحيث يراها" ا. هـ.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا)[النساء: 97].
قال الإمام السعدي -رحمه الله تعالى-: "هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة، مع قدرته عليها حتى مات، فتقول لهم الملائكة: فيم كنتم؟ أي: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين ومعاونتهم على أعدائهم".
(قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ) أي ضعفاء مقهورين مظلومين، ليس لنا قدرة على الهجرة، وهم غير صادقين في ذلك، ولهذا قالت الملائكة: (قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا)[النساء: 97].
وهذا استفهام تقرير، أي: قد تقرر عند كل أحد، أن أرض الله واسعة، فحيثما كان العبد في محل، لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعاً وفسحة من الأرض، يتمكن فيها من عبادة الله، قال الله عن هؤلاء الذين لا عذر لهم: (فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا)[النساء: 97] انتهى كلام الإمام السعدي -رحمه الله-.
هذا حكم الله فيمن كان في أرضه وداره، وهي دار كفر، ثم أمر بالهجرة إلى بلد الإسلام، فكيف يكون الحكم فيمن يعيش في بلد الإسلام، بين أهل الإسلام، يقيم شعائر الإسلام، ويبصر ويسمع شرائع الإسلام تطبق ويحكم بها، ثم يهرب من هذا الجو الإيماني، ويتنكر لتلك النعمة العظيمة، ليعيش وذويه حقبة من الزمن بين المشركين الأنجاس، يبصر الكنائس -في كل مكان- عالية شامخة، يرى الخمور تباع علناً، والمخالفات والمنكرات في دينه هي العرف السائد هناك، وإن الناظر لحال الناس اليوم يرى الخلط الواضح، والحكم الجائر في تحقيق مفهوم الولاء والبراء فهماً وعلماً وعملاً، لماذا اختل ذلكم المفهوم، وتزعزت تلكم العقيدة في قلوب فئام من بني جلدتنا فأصبحت هشة ضعيفة، مع الكفار يؤاكلهم ويشاربهم، يجالسهم، يأنس بالحديث معهم، يتمتع في رؤية دورهم وبلادهم، ويُعجب بأخلاقهم وروعة تعاملهم، وهو في المقابل هش ضعيف في ولائه للمؤمنين، يتتبع السقطات والزلات، كلما جلس في مجلس سمعت منه عبارات السخرية، وألفاظ التهكم والازدراء لحال المسلمين في تعاملهم وسير مجتمعهم، ومثل هذا في الغالب لا يقدم لدينه ووطنه وزن شعيرة من خدمة ونصرة، بل هو وبال على أمته، تحمل همه، لا يحمل همها، هذا حاله هو، ذلكم العاقل الذي تقدم به سنه.
أما عن أبنائه وبناته وذويه ممن يصطحبهم معه في كل صيف، فحدث ولا حرج عن صور التهتك والسفور، وتضييع شعائر الدين، وأقلعت الطائرة مودعة أرض التوحيد والإيمان، ولم تغادر بعدُ سماء الحرمين الشريفين، تخلع غطاءها، وتكشف وجهها وتزين شعرها، ووالدها يسارقها النظرات معطرة بابتسامة الرضى والقبول، بل والراحة والاطمئنان، وتغدو الطائرة للناظر لوحة ممزقة الأشلاء، مبعثرة الألوان، تحمل من معاني التبرج والسفور والتفسخ والعري الشيء الكثير.
فسبحان ربي! هل أوجب الله الحجاب في بلاد دون بلاد؟! ناهيك عن تلك الملابس المخزية التي ترتديها بنات المسلمين هناك، حتى غدت في بعض الأحايين بناتُ الكفار أكثر حشمة وحياءً من بناتنا.
ولقد نقل الكثيرون عبارات التعجب والاستغراب من الكفار أنفسهم لما يرون من حال بعض المسلمين في بلادهم.
هذا مع إهمال كثير من أولئك الآباء أبناءهم، يُتركون فيسمعون ويقرأون ويشاهدون ما شاءوا، فيرجع الأبناء يحملون لأولئك الكفرة وبلادهم من الإعجاب والتبعية ما الله به عليم، فيضحى قدوته وقدوتها مغنٍ أو ممثل فاسق كافر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة: 22].
روى أحمد والنسائي وصححه الحافظ أحمد شاكر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ينظر الله -عز وجل- إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديّوث".
والديوث، هو: الذي يقر الخُبْث في أهله، وقيل هو: الذي لا غَيْرَة له على أهله.
وقديماً قيل: كل أمة ضعفت الغَيْرَةُ في رجالها ضعفت الصيانة في نسائها، وإن أقواماً من هؤلاء هم أولى بالحجر ممن لا يحسن التصرف في ماله، فهذا مضيع لماله، وذاك مضيع لعرضه، فأيها أشد وأنكى -أيها الأكارم-؟.
أي غيرة يحملها من يرى بنته تلبس ذلكم البنطال الضيق أو القصير، وتعبث بشعرها، وتزين وجهها يراها الغادي والرائح؟
حدثوني بربكم: أين الغيرة عند من يتنقل بأبنائه وبناته بين المسارح والمراقص ودور السينما، ليروا العري والمجون سلعة تباع وسجية تُحمد؟
هذه هي حضارة الغرب عند الكثير من بني قومنا، فتراهم في حديثهم وأعمدتهم وزواياهم في الصحف والمجلات، علقوا الحضارة الغربية بخروج المرأة وبسفورها، وهاهم الغرب أنفسهم يضحكون عليهم يوم أخذوا رجيع أفكارهم، وما رأوا إلا جحر الضب الخرب فدخلوه معهم، فلم يزيدوا الأمة علماً، ولم يسعوا لرفعة وطنهم وبلدهم.
هذا إلى جانب صور التبذير والبذخ، والتفنن في إهدار الأموال وتضييع الثروات، في مساهمة مزرية لرفع اقتصاد دول الكفر والفسق.
فلا تسل أين يسكنون؟ وماذا يأكلون ويشربون؟ ماذا يلبسون؟ وبكم يشترون ويتسوقون؟
هذا فضلاً عما يصرف للّهو والعبث، والتسلية -زعموا-.
(لاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)[الأسراء: 27 - 26].
الخطبة الثانية:
أيها الأخ المبارك: كم مضى من عمرك وانقضى؟ وكم مرّ عليك من الأيام والسنين؟ وفي المقابل ما مقدار استفادتك من وقتك بالنسبة لحياتك وعمرك؟
لماذا لا تجرب في هذا الصيف أن تضع لنفسك وعائلتك جدولة تجمع فيها بين الفائدة والنفع، والترفيه البريء؟.
فالبنات والزوجة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم، والأبناء في المراكز الصيفية، وأنت تطالع وتقرأ لتتفقه في دينك.
واسمح لي -أيها الأخ الحبيب- بحديث صريح: القرآن، لماذا هجر؟ ونحن لم نزل نسمعك تتمتم في بعض الأحيان، لا تحسن تقرأه أو تقيم حروفه، ونحن من عرفناك، ذاك الرجل المتعلم، أين شهاداتك وعلمك؟ هل يصح أن تكون عالماً في فنون الدنيا، جاهلاً في علوم دينك؟ بل لا تحسن تقرأ كتاب ربك، ناهيك عما تحفظ وتجيد منه.
ما هذا الخلط العجيب في فهم العبودية لله -عز وجل-؟ لماذا أصبحنا ننظر إلى بعض الواجبات على أنها مسؤولية شريحة من المجتمع لا تتعداها لغيرها؟ لماذا أصبح تعلم القرآن وحفظه والتفقه في الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجباً وحكراً على طلبة العلم والعلماء والصالحين من عباد الله؟
لذلك نسمع بين الفينة والأخرى تلك الكلمات اللا مسؤولة، بعيدة عن الواقعية: "هذا فعل المطاوعة، وأنتم، ونحن!" حتى قسم المجتمع المسلم الموحد إلى شرائح، وأصبحت بعض الواجبات العينية واجبات على أفراد دون غيرهم، أنت مسلم وواجب عليك أن تلتزم بشرائع الدين قدر استطاعتك.
لماذا تحسن كل شيء، وتجهل كتاب ربك، بل لا تقيم حروفه كما ينبغي؟
وهذا –والله- أمر مخزٍ، أن ترى المسلم قد حاز أعلى الشهادات، وترقى في أهم المناصب، ثم هو لا يحسن يصلي أو يقرأ القرآن، ويسأل عن مسائل بدهية بسيطة في أمور الطهارة والصوم والزكاة.
فليعلم أن هناك أموراً من الدين لا يعذر أحد بتركها أو الجهل بها.
فالإجازة فرصة لا تعوض لاستغلال الأوقات، وتعلم المجهول من دينك.
ثم لا تنسَ بعد ذلك ترفيهاً بريئاً هنا أو هناك في بلاد الإسلام، تستجم به أنت وأبناؤك.
وفقك الله لكل خير، وسدد على طريق الخير خطاك، وألهمنا وإياك الرشد، وأقر عينيك بصلاح ذريتك وأبنائك.
التعليقات