عناصر الخطبة
1/أساس صلاح المعاش والعباد 2/أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 3/شدة حاجة المجتمع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4/ من أعظم العبادات وآكد الأصول الإسلامية.اقتباس
أما نخشى من عقوبة الله أن تحل بنا، أليست العقوباتُ الآن ظاهرةً ومحسوسةً يميناً وشمالاً؟ قد عمَّت الصالح والطالح، أما لنا فيهم عبرة! أتظنون أننا في سلامة ممن يظهر المعاصي ولا ننكر عليه إنكاراً يردعه، بقدر استطاعتنا!...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كلِّه، وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مُوفِّقُ مَن يشاء مِن عباده لطاعته والدعوة إليها والصبر على الأذى فيها.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير مَن صبَر في ذات الله وجاهد في سبيله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين كانوا أشداء على الكفار، رحماء بينهم، وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله، ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمةُ خير أمة أُخرجت للناس؛ قال -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: ١١٠]، وقد أمر به -تعالى-، وأثنى على من يقوم به، فقال -تعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: ١٠٤].
ومع ما فيه من الثواب فهو من صفات المؤمنين الظاهرة، التي تُميّزهم عن غيرهم من المنافقين والكفار، قال -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: ٧١]؛ فما أعظمها من صفات للمؤمنين! وما أشرفه من وعد! (أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)، اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين.
عباد الله: لقد اعتنينا بالدنيا، وقمنا بها حين دعا الداعي إليها وزخرفها، أما الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فأين آثار القيام به، أما نخشى من اللعنة والمذمة الواقعة على بني إسرائيل حين عصوا الله وتعدوا حدوده، ولم يتناهوا عن المنكر الذي فعلوه، أما نخشى من عقوبة الله أن تحل بنا، أليست العقوباتُ الآن ظاهرةً ومحسوسةً يميناً وشمالاً؟ قد عمَّت الصالح والطالح، أما لنا فيهم عبرة! أتظنون أننا في سلامة ممن يظهر المعاصي ولا ننكر عليه إنكاراً يردعه، بقدر استطاعتنا!
لقد ثبت عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه خطب الناس على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[المائدة: ١٠٥]، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده".
فيا عباد الله: إننا بأشد الحاجة إلى القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أجل سلامتنا من العقوبة العاجلة أو الآجلة، بل هو مطمع لنيل الفلاح والرحمة من أرحم الراحمين، فاتقوا الله عباد الله، وكونوا في نفع أنفسكم ونفع البشرية، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ كل منا مبتلًى بنفسه الأمَّارة بالسوء، وبالهوى والميل إلى الباطل، وبشيطانه الذي لا يألُو جهداً في إهلاكه، فكل منا بحاجة إلى إعانةٍ على طاعة الله، ومن رحمته -تعالى- أن جعل علينا هذه المسؤولية، لتقويم بعضنا البعض وإعانته للوصول إلى رضوانه -تعالى- وجنته، والسلامة من عذابه وغضبه.
عباد الله: إن الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف مظهرٌ من مظاهرِ أعداء الله المنافقين، وصفةٌ من صفاتهم الذميمة، فهم على خلاف المؤمنين قال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[التوبة: ٦٧]، فهم أيضاً في الجزاء على خلاف المؤمنين، فالمؤمنون لهم الرحمة والجنة والرضوان، والمنافقون لهم النارُ واللعنةُ والعذابُ المقيم، قال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[التوبة: ٦٨]، أعاذنا الله من النفاق وأهله.
معشر المسلمين: ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي سعيد الأمرُ بإنكار المنكر وأنه من الإيمان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(رواه مسلم).
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من نبي بعثه الله في أُمَّة قبلي، إلا كان له من أُمّته حواريون، وأصحابٌ يأخذون بسُنّته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تَخْلُفُ من بعدهم خُلوفٌ: يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حَبةُ خردلٍ"(رواه مسلم).
فمروا -رحمكم الله- بالمعروف وانهو عن المنكر، واصبروا على الأذى فيه؛ إذ مخالفة الناس في أهوائهم تسبب الإيذاء منهم، وهذا ما أوصى به لقمان لابنه وهو يعظه كما أخبر ربنا -جل وعلا-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[لقمان: ١٧]؛ أي: بحسب طاقتك وجهدك (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ)[لقمان: ١٧]، علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر؛ (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لقمان: ١٧].
عباد الله: ليكن لهذا العرض أثر في نفوسنا بالندم على تقصيرنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليظهر منا إصلاح يغطي هذا التقصير، ما دام في الأمر فسحة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: ٧٠ – ٧١].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فميزنا به عن سائر الأمم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العظمة والجلال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير داعٍ إلى الحق والعزة والكرامة والسعادة والأمان، اللهم صلِّ وسَلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم العبادات وآكد الأصول الإسلامية، وقد ألحقه بعض العلماء بالأركان التي لا يقوم الإسلام إلا عليها، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يظهر الحق وينتشر الإسلام، وتحيا الفضيلة وتموت الرذيلة، ويقوم الصلاح ويعمّ الرخاء والخير، ويزداد الشرف وتعلو الهمة، وما فُقِدَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أمة أو دولةٍ، أو أصحاب قريةٍ إلا ساءت أحوالهم واختلت أوضاعهم، وزاغت عقائدهم وفسدت أعمالهم وأخلاقهم.
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- واهتموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعرفوا قدره ومكانته في الإسلام، بصِّروا الجاهل بخطئه وأْطُروه على الحق أطراً، فمثلنا في إقامة حدود الله والوقوع فيها، هو ما أخبرنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، روى البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً)، فما أعظمه من مثال! وما أبينه!
فيا من يريد سلامة نفسه ومجتمعه، عليك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقدر وسعك وطاقتك، ويا مَن لا يبالي بذلك: إن الخطر عظيم، إن الخطر عظيم.
اللهم أيقظ قلوبنا من غفلتها، وأعنا على القيام بما يرضيك، ووفِّق أئمتنا وولاة أمورنا لما تحب وترضى، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات