عناصر الخطبة
1/ فضائل خلق الأمانة 2/ تضييع الأمانة من علامات الساعة 3/ سعة مجالات الأمانة وتنوعها 4/ وجوب مراعاة الأمانة في الانتخابات البلدية 5/ الوعيد لمن لم يؤدّ الأمانةاهداف الخطبة
اقتباس
يخطئ بعض الناس عندما يظن أن الأمانة هي حفظ الودائع فقط، فالأمانة أهم من ذلك، الأمانة تكون في معاملة الخالق؛ بطاعته مخلصًا له متبعًا لرسوله صلى الله عليه وسلم مجتنبًا لنواهيه، وتكون في معاملة الخلق بأن ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله على عظيم بره وجزيل إحسانه، أحمده سبحانه حمدًا يليق بكماله وجلاله وسلطانه، وأشكره على فضله وجوده وامتنانه شكرًا لا يحصيه متحدثًا بلسانه ولا بليغ ببيانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغ الفردوس من جنانه.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى سبيل الله ورضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا عباد الله أيها المسلمون: حمل ثقيل نأت عن حمله السماوات السبع والأراضون السبع والجبال الشاهقة، وحمَله الإنسان المخلوق الضعيف الذي قال الله عنه: (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:28].
حملها هذا الحمل الثقيل على ضعفه (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72]
الأمانة لا يحملها إلا من رسخ الإيمان في قلبه، روى الإمام أحمد والبيهقي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له".
الأمانة من أضاعها تلبس بخصلة من خصال المنافقين. في الحديث المتفق على صحته عن أُبَي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"، أمر الله بأدائها في كتابه العظيم فقال عز من قائل (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) [النساء:58].
ونبينا -عليه الصلاة والسلام- كسب ثقة المجتمع الجاهلي بأمانته؛ فقد كان يلقب بالأمين.
ولعظمها وصف الله بها جبريل -عليه السلام- فقال -جل وعلا-: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) [الشعراء: 193-195].
الأمانة صعبة ثقيلة في الدنيا، لكنها الرفيق على الصراط يوم يمر الخلائق من على متن جهنم، في حديث الشفاعة الطويل "فيأتون محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فيقوم ويؤذن له، وترسل الأمانة والرحم، فيقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق" قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق؟ قال: "ألم تروا إلى البرق، كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط، يقول: رب، سلِّم سلم". (رواه مسلم).
عباد الله: لقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- أن تضييع الأمانة من علامات الساعة، وهذا التضييع يكون بتولية أهل الشر على مصالح العباد؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قال: "أين السائل عن الساعة؟" قال: ها أنا ذا يا رسول الله، قال: "إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة"، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
قال العلامة القرطبي -رحمه الله-: "وما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب وغيره قد شاع بين الناس معظمه، ووُسِّد الأمر إلى غير أهله، وصار رؤوس الناس أسافلهم، وفشت في الناس الخيانة وسوء الخُلق".
هذا في زمن القرطبي؛ فكيف لو رأى زماننا والذي ضعفت فيه الديانة، وأصبحت المصالح الشخصية هي الفاصل في أغلب الأمور حتى تحقق قوله -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ..."الحديث.
وسترون شيئًا من ضياع الأمانة الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- غدًا حين يتجه الناس لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البلدية، فقد استعد الناس من زمان باصطفافات وتحزبات قبلية، فلن يرشحوا مَن يستحق الترشيح، بل من اتفق أبناء القبيلة عليه في بُعد واضح عن المعيار الشرعي للترشيح؛ فالمرشَّح يفترض أن يتصف بوصفين القوة والأمانة.
بل إنه ربما كان الرجل أمينًا لكنه ليس بالقوي، فهذا لا يصلح فقد قال -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر -رضي الله عنه وهو الرجل الأمين حتى جاء في الحديث "أنه ما أقلَّت الغبراء من رجل ذي لهجة أصدق من أبي ذر"- قال له -عليه الصلاة والسلام لما سأله الإمارة-: "إنك امرؤ ضعيف، وإنها أمانة، وإنها خزي وندامة يوم القيامة".
وأما المرأة فهي ضعيفة بنصِّ كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم قال: "إني أحرِّج حق الضعيفين المرأة واليتيم"، وهي لا تستطيع المجادلة عن نفسها؛ فكيف تطالب للآخرين وقد قال الله -جل وعلا- في المرأة: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) [الزخرف: 18].
فلا بد من القوة، ولا بد من الأمانة؛ فربما كان الرجل قويًّا ذكيًّا لكن لا أمانة له، وقد جرب الناس هذا في انتخابات سابقة، ورشحوا مَن خان الأمانة، وسعى لمصالحه الشخصية فهذا لا يصلح فانظروا إلى القوي الأمين.. بهذا مدحت ابنة شعيب موسى -عليه السلام-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26].
وبهذا زكى عفريت من الجن نفسه لما قال سليمان -عليه السلام- أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يؤتوني مسلمين (قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) [النمل: 39].
عباد الله: إن الأمانة تقتضي أن نصطفي من هذه المجالس أحسن الناس قياما بها أولئك الذين يتخلون عن الأثرة، ويبتعدون عن الأطماع الذاتية والمصالح الشخصية.
ولنحذر أن نكون ممن قال فيهم -عليه الصلاة والسلام واسمع يا عبدالله-: "من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"، فلن ينفعك هذا المرشح يوم القيامة ولن يعطيك حسنة واحدة.
عباد الله: يخطئ بعض الناس عندما يظن أن الأمانة هي حفظ الودائع فقط، فالأمانة أهم من ذلك، الأمانة تكون في معاملة الخالق؛ بطاعته مخلصًا له متبعًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم- مجتنبًا لنواهيه، وتكون في معاملة الخلق بأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك.
ولنعلم أن الجميع مؤتمن، وسوف يُسأل عن أمانته يوم القيامة، الحاكم مؤتَمن على مصالح البلاد والعباد، وسوف يُسأل عن هذه الأمانة، والأب مؤتَمن على الزوجة والأولاد، والزوجة مؤتمنة على البيت والأولاد، والموظف مؤتَمن على المكان الذي هو فيه، والمعلم مؤتَمن على أبناء الناس، التاجر مؤتَمن في بيعه وشرائه، ورجال الشرطة ورجال الهيئة مؤتَمنون على أعراض الناس وأموالهم، الإعلاميون مؤتَمنون على ما يكتبون وما يقولون وما ينشرون وما يدعون الناس له، وسوف يُسألون عن أمانتهم -غدًا- بين يدي الله.
فالأمانة في الدين كله والأعمال كلها؛ فمن أداها على الوجه المطلوب أفلح، ومن ضيعها خاب وخسر، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "يؤتى بالرجل يوم القيامة -وإن كان قد قُتل في سبيل الله- فيُقال أدِّ أمانتك، فيقول: فإني أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الأمانة -وأين تمثل له الأمانة؟- فتمثل له الأمانة في قعر جهنم، فيهوي إليها فيحملها على عاتقه، قال فتنزل عن عاتقه فيهوي على أثرها أبد الآبدين".
قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يُرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان بن فلان" (رواه البخاري ومسلم).
عباد الله: أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم ولا تخونوا من خانكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
لم ترد.
التعليقات