عناصر الخطبة
1/ سرعة رحيل رمضان 2/ وصايا مهمة في ختام رمضان 3/ أحكام زكاة الفطر 4/ وصية عمر بن عبد العزيز في ختام رمضان 5/ آداب العيد وسننه.اهداف الخطبة
اقتباس
شهرنا اقترب رحيله وهذه الجمعة ربما كانت جمعة الوداع لشهرنا الذي شرّفه الله وعظّمه ورفع قدره وكرمه واقترب الرحيل وأذن الفراق، ولا ندري هل ندرك ختامه أو لا ندركه، وإن أدركنا ختامه لا ندري أن ندرك أيامه عامًا قادمًا، أم قد انطبقت علينا اللحود ومزقنا البلى والدود؟!.. وأنتم تودعون الشهر المعظم، اعلموا أن الله شرع لكم في ختامه عبادات جليلة يزداد بها الإيمان وتُرضي الرحمن، وتكمل بها العبادة وتتم بها النعمة، ومن ذلك أولاً زكاة الفطر والتي شرعها الله طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وشكرا لنعمة الله بإتمام الصيام والقيام...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
عباد الله أيها المسلمون: شهرنا اقترب رحيله وهذه الجمعة ربما كانت جمعة الوداع لشهرنا الذي شرّفه الله وعظّمه ورفع قدره وكرمه واقترب الرحيل وأذن الفراق، ولا ندري هل ندرك ختامه أو لا ندركه، وإن أدركنا ختامه لا ندري أن ندرك أيامه عامًا قادمًا، أم قد انطبقت علينا اللحود ومزقنا البلى والدود؟!
والذي لا شك فيه أن أناسًا صاموا معنا أول الشهر وهم الآن بين ثنايا التراب قد ارتهنوا بأعمالهم، والذي لا شك فيه أن أناسًا هم اليوم فوق الأرض ولن ينقضي رمضان إلا وهم تحت التراب، اشتروا ملابس العيد ولم يلبسوها، وانتظروا العيد ولم يعيشوا فرحته، والسعيد من تزود بزاد من التقى لرقدة في القبر لا يعلم مدتها إلا الله.
وأنتم تودعون الشهر المعظم، اعلموا أن الله شرع لكم في ختامه عبادات جليلة يزداد بها الإيمان وتُرضي الرحمن، وتكمل بها العبادة وتتم بها النعمة، ومن ذلك أولاً زكاة الفطر والتي شرعها الله طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وشكرا لنعمة الله بإتمام الصيام والقيام.
فأدوها عن أنفسكم ومن تعولون من الأهل والقربات عن الصغير والكبير والذكر والأنثى، أما الحمل فلا تجب عنه، وإنما تستحب لفعل عثمان -رضي الله عنه-، وأما الخادمة والعمال الذين على كفالتكم فلا يجب عليكم أن تخرجوا عنهم لأنهم ليسوا عبيدا ولا في حكمهم لكن لو أخرج الإنسان عنهم مع الاستئذان منهم جاز ذلك.
أدوها بنفس طيبة وانتم ترجون الأجر من الله من خير ما تجدون (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267].
وإني أتعجب ممن يدفع المئات بل ربما الآلاف لشراء ملابس العيد بل لشراء مفرقعات لأولادهم ربما جلبت مصيبة لهم، وإذا جاء الإنفاق فيما أمر الله به، وإذا جاء الإنفاق فيما أمر الله به من صدقة فطر أو أضحية أو غيرها بحثوا عن الأقل والأسوأ، وصارت العشرة والمائة مؤثرة على ميزانياتهم ومعيشتهم، مع أن الملابس تبلى والصدقة تبقى، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ".
وصدق الله (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268].
احرصوا على إيصالها للفقراء المحتاجين، ولا تجاملوا أحدًا في هذه الشعيرة العظيمة، ودفعها للقريب المحتاج الذي لا تلزمكم نفقة أفضل؛ لأن الصدقة عليهم صدقة وصلة، والسنة أن تؤدى قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين لفعل الصحابة -رضي الله عنهم-.
من أخرجها في اليوم الثامن والعشرين على خطر؛ لأن الشهر قد يكمل فيكون أخرجها قبل العيد بثلاثة أيام، ومن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، وتخرج صاع من طعام أهل البلد، وبالغرامات ما يقرب من ثلاثة كليوات؛ وذلك لاختلاف الوزن بين صاع التمر وصاع الأرز.
ولا تخرج قيمتها لأن ذلك خلاف ما أمر به الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولأن إخراج القيمة يخرجها من كونها شعيرة ظاهرة إلى كونها صدقة خفية.
ويجوز للفقير أن يوكل شخصًا يقبل الزكاة عنه، وإذا استلمها الوكيل كان استلامها بمنزلة استلام الفقير لها.
ومن العبادات المشروعة في ختام هذا الشهر: التكبير في ليلة العيد عند إكمال العدة لقول الله -جل وعلا-: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [البقرة: 185]، يكبر الناس من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد وبأي صيغة من صيغ التكبير كبر الإنسان جاز.
الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ومن العبادات المشروعة: الصلاة؛ فقد شرع الله لكم صلاة العيد، وأمركم بها نبيكم -عليه الصلاة والسلام-، فاخرجوا لها رجالاً ونساء، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بخروج النساء حتى الحيض، ولذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أن صلاة العيد واجبة، فاحرصوا على أدائها، واعلموا هذا العام ربما كان العيد في يوم الجمعة، فإن وقع هذا فمن صلى العيد لم تجب عليه الجمعة؛ لكن يصلي ظهرا في بيته.
عباد الله: في يوم عيدكم اخرجوا للصلاة بعد أن تغتسلوا وتلبسوا أجمل الثياب؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت له بردة يلبسها في العيدين، ولتخرج النساء متسترات غير متبرجات بزينة.
ومن تيسر له الخروج ماشيًا فهو أفضل، والسنة أن يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر، ومن السنة أن يأكل قبل الصلاة تمرات وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترًا".
عباد الله: شهركم سيكون شاهدا لكم أو عليكم، فاغتنموا ما بقي من أيام بفعل الطاعات، فمن أحسن فيما بقي من أيامه ربما كانت سببا لعتق رقبته من النار.
أسأل الله أن يخلف علينا ما مضى من أيامه، وأن يبارك لنا فيما بقي منه، وأن يختم شهرنا بالعفو والغفران والعتق من النيران.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله خالق الخلق (لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: 94- 95]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أذكى البشر نفسا وأوفاهم عهدا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: معاشر المسلمين: الاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، فاختموا صيام رمضان بكثرة الاستغفار، كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام.
وقال في كتابه -رحمه الله-: "قولوا كما قال أبوكم أدم (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وقولوا كما قال نوح عليه السلام (وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)، وقولوا كما قال موسى عليه السلام (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: (سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
ومع استغفاركم اسألوا الله القبول؛ فإنه المعول عليه فقد بنى إبراهيم وإسماعيل البيت العتيق وهما يسألان الله القبول (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127].
هذا واعلموا -رحمني الله وإياكم- أن صلاة العيد ستُقام في المصليات المكشوفة ومجموعة من الجوامع حددها فرع الوزارة.
نسأل الله بلوغ ختامه وقبول صيامه وقيامه.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله امتثالا لأمر الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..
التعليقات