عناصر الخطبة
1/مشروعة الأضحية بالكتاب والسنة والإجماع 2/تقرب الحجاج بذبح الهدايا وأهل البلدان بذبح الضحايا 3/الأضحية عن النفس والأهل وبعض الأخطاء المتعلقة بذلك 4/بعض آداب الوصية بالأضاحي 5/الشروط المعتبرة في الأضحية وغير المعتبرة 6/الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها 7/وقت ذبح الأضاحي 8/صفة ذبح الأضاحياهداف الخطبة
اقتباس
الأضحية مشروعة بكتاب الله وبسنة رسول الله، وبإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهل البلدان حجاج البيت في بعض شعائر الحج. فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدايا، وأهل البلدان يتقربون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، حيث...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي شرع لعباده التقرب إليه بذبح القربان، وقرن النحر له بالصلاة في محكم القرآن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والامتنان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى على كل إنسان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وتقربوا إليه بذبح الأضاحي، فإنها سنة أبيكم إبراهيم الذي أمرتم باتباع ملته، وسنة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يضحي منذ هجرته إلى المدينة عن محمد وآل محمد.
فكانت الأضحية مشروعة بكتاب الله وبسنة رسول الله، وبإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهل البلدان حجاج البيت في بعض شعائر الحج.
فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدايا، وأهل البلدان يتقربون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، حيث لم يحرم أهل البلدان الذين لم يقدر لهم الحج من بعض شعائره.
فضحوا -أيها المسلمون-: عن أنفسكم وعن أهليكم، تعبدًا لله -تعالى-، وتقربًا إليه، واتباعًا لسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والواحدة من الغنم تجزئ عن الرجل وأهل بيته الأحياء والأموات، والسُّبع من البعير، أو البقرة، يجزئ عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم، فيجزئ عن الرجل وأهل بيته الأحياء والأموات.
ومن الخطأ أن يضحي الإنسان عن أمواته من عند نفسه، ويترك نفسه وأهله الأحياء.
وأشد خطأً من ذلك من يضحي عن الميت أول سنة يموت، ويسميها أضحية: "الحفرة" ويعتقد أنها واجبة، وأنها لا يشرَّك فيها أحد، وهي في الحقيقة بدعة لا أصل لها في كتاب الله -تعالى-، ولا في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا في عمل الصحابة -رضي الله عنهم-، فيما نعلم، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من البدع، وقال: "كل بدعة ضلالة"[الترمذي (2676) أبو داود (4607) ابن ماجة (42) الدارمي (95)].
ومن كان عنده وصايا بأضاحي، فليعمل بها كما ذكر الموصي، فلا يدخل مع أصحابها أحدًا في ثوابها، ولا يخرج منهم أحدًا، وإن نسي أصحابها فلينوها عن وصية فلان، فيدخل فيها كل من ذكر الموصي، وإذا كان ريع الوصية لا يكفي للأضحية فتبرع الوصي بتكميلها للموصى، فهو على خير، وإن لم يتبرع فلا إثم عليه، ويؤخرها للسنة الثانية.
ولا تجزئ الأضحية إلا من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، ضأنها ومعزهـا؛ لقولـه تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)[الحج: 34].
فلا يضحي بغيرها، ولو كان أغلى منها كالظباء.
ولا تجزئ الأضحية إلا بما بلغ السن المعتبر شرعًا، وهي: ستة أشهر في الضأن، وسنة في المعز، وسنتان في البقر، وخمس سنوات في الإبل، فلا يضحي بما دون ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تذبحوا إلا مُسنَّة -وهي الثنية- إلا أن تعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن".
ولا تجزئ الأضحية إلا بما كان سليمًا من العيوب التي تمنع من الإجزاء، فلا يضحي بالعوراء البين عورها، وهي التي نتأت عينها العوراء أو انخسفت.
ولا بالعرجاء البين ضلعها، وهي التي لا تستطيع المشي مع السليمة.
ولا بالمريضة البين مرضها، وهي التي ظهرت آثار المرض عليها بحيث يعرف من رآها أنها مريضة من جرب أو حمى أو جروح أو غيرها.
ولا بالهزيلة التي لا مخ فيها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل: ماذا يجتنب من الأضاحي؟ فأشار بيده، وقال أربع: "العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى".
فقيل للبراء بن عازب -رضي الله عنه- راوي هذا الحديث: "إني أكره أن يكون في الأذن نقص أو في القرن نقص أو في السن نقص؟" فقال البراء: "ما كرهت فَدَعْه ولا تحرمه على أحد".
فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء، دل على ذلك الحديث، وقال به أهل العلم.
ويلحق بها ما كان مثلها، أو أشد، فلا يضحي بالعمياء، ولا بمقطوعة إحدى اليدين، أو الرجلين، ولا بالمبشومة، حتى يزول الخطر عنها، ولا بما أصابها أمر تموت به، كالمجروحة جرحًا خطيرًا، أو المنخنقة والمتردية من جبل، ونحوها مما أصابها سبب الموت؛ لأن هذه العيوب بمعنى العيوب الأربعة التي تمنع من الإجزاء، بنص الحديث.
فأما العيوب التي دون هذه، فإنها لا تمنع من الإجزاء، فتجزئ الأضحية بمقطوعة الأذن، أو مشقوقتها مع الكراهة؛ لحديث علي -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة، ولا شرقاء ولا خرقاء"[الترمذي (1498) النسائي (4373) أبو داود (2804) ابن ماجة (3142) أحمد (1/108) الدارمي (1951)].
وكل هذه الصفات شقوق في الأذن.
وتجزئ الأضحية بمكسورة القرن، مع الكراهة؛ لحديث عتبة بن عبد السلمي: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المستأصلة".
وهي التي ذهب قرنها من أصله.
وتجزئ الأضحية بمقطوعة الذنب من الإبل والبقر والمعز، مع الكراهة؛ قياسًا على مقطوعة الأذن، ولأن في بعض ألفاظ حديث علي -رضي الله عنه-: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا نضحي ببتراء".
فأما مقطوعة الألية من الضأن، فلا تجزئ في الأضحية، فإن كانت من نوع لا ألية له من أصل الخلقة، فلا بأس بها.
وتجزئ الأضحية بما نشف ضرعها من كبر أو غيره، إذا لم تكن مريضة مرضًا بينًا.
وتجزئ الأضحية بما سقطت ثناياها أو انكسرت.
وكلما كانت الأضحية أكمل في ذاتها وصفاتها، وأحسن منظرًا، فهي أفضل، فاستكملوها واستحسنوها، وطيبوا بها نفسًا.
واعلموا أن الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأنها شعيرة من شعائر الله، وليس المقصود منها مجرد اللحم الذي يؤكل، ويفرق، بل أهم مقصود فيها ما تتضمنه من تعظيم الله -عز وجل- بالذبح له، وذكر اسمه عليها.
ولقد أصاب الناس في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنة من السنين مجاعة، وقت الأضحى، ولم يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بترك الأضحية، وصرف ثمنها إلى المحتاجين، بل أقرهم على الأضاحي، وقال لهم: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء، فلما كان العام المقبل" قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلوا واطعموا، وادخروا، فإن ذلك العام كان في الناس جهد، فأردت أن تعينوا فيها"[البخاري (5249) مسلم (1974)].
ولا تذبحوا ضحاياكم إلا بعد انتهاء صلاة العيد وخطبتيها، فإن ذلك أفضل وأكمل اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان يذبح أضحيته بعد الصلاة والخطبة.
قال جندب بن سفيان البجلي -رضي الله عنه-: "صَلَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، ثم خطب ثم ذبح"[البخاري (942) مسلم (1960)
ولا يجزئ الذبح قبل تمام صلاة العيد؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل أن يصلي، فليعد مكانها أخرى"[البخاري (5242) مسلم (1960)
واذبحوا ضحاياكم بأنفسكم إن أحسنتم الذبح، وقولوا: بسم الله، والله أكبر، وسموا من هي له عند ذلك اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن لم تحسنوا الذبح فاحضروه، فإنه أفضل لكم، وأبلغ في تعظيم الله، والعناية بشعائره، قال الله -تعالى-: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[الحج: 34 - 35].
وفقني الله وإياكم لتعظيم شعائره، والعمل بشريعته، والوفاة عليها، إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات