عناصر الخطبة
1/التعريف بالأشهر الحرم 2/أهمية الأشهر الحرم ومكانتها 3/خصائص الأشهر الحرم وتحريم الظلم فيها 4/كيفية استثمار الأشهر الحرم.اقتباس
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عَظِّمُوا مَا عَظَّمَ رَبُّكُمْ، وَأَقْبِلُوا إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ خَاصَّةً بِطَاعَتِهِ وَشُكْرِهِ؛ تَحْظَوْا بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَجَنَّتِهِ، وَاحْذَرُوا مَعْصِيَتَهُ وَمُخَالَفَةَ أَمْرِهِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ، وَهَذَا عَلَامَةُ تَعْظِيمِ الْعَبْدِ لِخَالِقِهِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِ الْعَظِيمِ -جَلَّ فِي عَلْيَائِهِ-؛ تَعْظِيمَ مَا عَظَّمَ الْبَارِي -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَ الشَّعَائِرِ التَّعَبُّدِيَّةِ وَالْأَمَاكِنِ الْمُقَدَّسَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ؛ أَلَا وَإِنَّ مِمَّا عَظَّمَ الْعَظِيمُ -سُبْحَانَهُ- مِنَ الْأَزْمِنَةِ تَعْظِيمَهُ لِلْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)[التَّوْبَةِ:36]؛ وَالْأَشْهُرُ الْحُرُمُ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ الْأَكْرَمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجُبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجُبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
وَالْحِكْمَةُ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- مِنْ تَعْظِيمِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَتَرْتِيبِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَشَارَ إِلَيْهَا ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فَقَالَ: "وَإِنَّمَا كَانَتِ الْأَشْهُرُ الْمُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةً، ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ؛ لِأَجْلِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَحَرَّمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَهْرًا؛ وَهُوَ ذُو الْقَعْدَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْعُدُونَ فِيهِ عَنِ الْقِتَالِ، وَحَرَّمَ شَهْرَ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُوقِعُونَ فِيهِ الْحَجَّ وَيَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَحَرَّمَ بَعْدَهُ شَهْرًا آخَرَ؛ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ لِيَرْجِعُوا فِيهِ إِلَى أَقْصَى بِلَادِهِمْ آمِنِينَ، وَحَرَّمَ رَجَبَ فِي وَسَطِ الْحَوْلِ لِأَجْلِ زِيَارَةِ الْبَيْتِ وَالِاعْتِمَارِ بِهِ لِمَنْ يَقْدَمُ إِلَيْهِ مِنْ أَقْصَى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَيَزُورُهُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى وَطَنِهِ فِيهِ آمِنًا".
وَالْمُتَأَمِّلُ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ يَجِدُ أَنَّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَنَّهَا أَحَبُّ الْأَيَّامِ إِلَيْهِ؛ يَقُولُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: "اخْتَارَ اللَّهُ الزَّمَانَ، وَأَحَبُّ الزَّمَانِ إِلَى اللَّهِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَأَحَبُّ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِلَى اللَّهِ ذُو الْحِجَّةِ، وَأَحَبُّ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى اللَّهِ الْعَشْرُ الْأُوَلُ".
وَتَعْظِيمُ الْعَبْدِ لِلْأَشْهُرِ الْحُرُمِ دَلَالَةٌ عَلَى تَعْظِيمِهِ لِمَوْلَاهُ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ وَتَقْوَاهُ؛ أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الْحَجِّ:32].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي مَيَّزَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ عَنْ غَيْرِهَا مَا حَظِيَتْ بِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ وَالْمَزَايَا الَّتِي لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهَا مِنْ أَشْهُرِ الْعَامِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:
أَنَّ تَحْرِيمَ الظُّلْمِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ آكَدُ، وَأَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ ضَرَرًا عَلَى صَاحِبِهِ؛ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ:36]؛ يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "لَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بِارْتِكَابِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ لَيْسَ ثَوَابُهُ ثَوَابَ مَنْ أَطَاعَهُ فِي الشَّهْرِ الْحَلَالِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَمَنْ أَطَاعَهُ فِي الشَّهْرِ الْحَلَالِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ لَيْسَ ثَوَابُهُ ثَوَابَ مَنْ أَطَاعَهُ فِي شَهْرٍ حَلَالٍ فِي بَلَدٍ حَلَالٍ".
وَمِنْ خَصَائِصِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: تَحْرِيمُ الْبَدْءِ بِالْقِتَالِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ إِلَّا مَنِ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[الْبَقَرَةِ:194].
وَمِنْ خَصَائِصِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِمَوَاسِمِ الْعِبَادَاتِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ يَجِدْ أَنَّ شَهْرَ رَجَبَ مِنْ أَشْهُرِ الِاسْتِعْدَادِ لِرَمَضَانَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْإِمَامُ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "شَهْرُ رَجَبَ مِفْتَاحُ أَشْهُرِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ"؛ أَمَّا بَقِيَّةُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَشَهْرِ ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ؛ فَهِيَ أَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ فِيهَا لِأَدَاءِ شَعِيرَةِ الْحَجِّ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)[الْبَقَرَةِ:197].
وَمِنْ خَصَائِصِهَا: أَنَّهَا فُرْصَةٌ لِلْمُسْلِمِ لِمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ وَالْأُجُورِ وَالتَّوْبَةِ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَالْأَوْزَارِ؛ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا مُضَاعَفٌ أَجْرُهُ، كَمَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "اخْتَصَّ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ جَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْأَجْرَ أَعْظَمَ".
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ:281].
عِبَادَ اللَّهِ: وَلِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ: مَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَثْمِرَهَا بِالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَاتِ الْقَوْلِيَّةِ؛ كَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنْ يَحْذَرَ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالزُّورِ وَالسِّبَابِ وَاللِّعَانِ.
كَمَا يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ: أَنْ يَغْتَنِمَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ بِالْعِبَادَاتِ الْعَمَلِيَّةِ؛ كَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ، وَنُصْرَةِ الْمَظْلُومِ وَإِعَانَةِ الضَّعِيفِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ.
وَيَسْتَثْمِرُهَا بِالْعِبَادَاتِ الْقَلْبِيَّةِ؛ كَالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَتَوْحِيدِهِ، وَالْإِيمَانِ بِرَبِّهِ وَتَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ، كَمَا يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُنَقِّيَ قَلْبَهُ مِنْ كُلِّ مَا يَبْغَضُهُ -سُبْحَانَهُ- بَدْءًا مِنَ الشِّرْكِ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِسِوَاهُ، وَأَنْ يَتَطَهَّرَ مِنْ جَمِيعِ مَا يَبْغَضُهُ اللَّهُ وَيَأْبَاهُ.
خِتَامًا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- عَظِّمُوا مَا عَظَّمَ رَبُّكُمْ، وَأَقْبِلُوا إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ خَاصَّةً بِطَاعَتِهِ وَشُكْرِهِ؛ تَحْظَوْا بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَجَنَّتِهِ، وَاحْذَرُوا مَعْصِيَتَهُ وَمُخَالَفَةَ أَمْرِهِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ، وَهَذَا عَلَامَةُ تَعْظِيمِ الْعَبْدِ لِخَالِقِهِ؛ كَمَا قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الْحَجِّ:30].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات