عناصر الخطبة
1/من خطوات صلاح الأسرة 2/الضوابط الأسرية وليس الحرية المطلقة

اقتباس

وَتَزَيُّنُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، والزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ يَزِيْدُ المَحَبَّة؛ فَإِنَّ العَيْنَ إِذَا اسْتَحْسَنَتْ مَنْظَرًا أَوْصَلَتْهُ إلى القَلْبِ؛ فَحَصَلَت المَحَبَّة...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ في السرِّ والنَّجْوَى؛ فَالتَّقْوَى: هِيَ سَبَبُ الفَلَاحِ، وَطَرِيْقُ النَّجَاح! (فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا اللَّبِنَةُ الأَسَاسِيَّةُ في بِنَاءِ المُجْتَمَعِ؛ فَإِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ المُجْتَمَعُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ المُجْتَمَعُ كُلُّهُ إِنَّهَا الأُسْرَة.

 

وَأَوَّلُ خُطْوَةٍ في صَلاحِ الأُسْرَةِ التَّوَجُّهُ إلى اللهِ؛ فَإِنَّ مِنْ صِفَاتِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُمْ (يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ).

 

وَالدِّيْنُ والأَخْلاقُ حَجَرُ الأَسَاسِ في إِنْشَاءِ الأُسْرَةِ، فَإِنَّ حُسْنَ الاخْتِيَارِ سَبَبٌ لِلْدَّوَامِ وَالاِسْتِمْرَارِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ؛ فَزَوِّجُوهُ”(رواه الترمذي وحسَّنه الألباني). وَفِي الحَدِيْثِ الآخَرِ: “فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ؛ تَرِبَتْ يَدَاكَ”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَمَعْرِفَةُ الزَّوْجِينِ بِحُقُوقِ الأُسْرَةِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ لِتَحَمُّلِ المَسْؤُوْلِيَّةِ؛ وَعَدَمِ التَّخَلِّي عَنْهَا! قال -صلى الله عليه وسلم-: “الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَبِالتَّأَمُّلِ في المَحَاسِنِ، وَالتَّغَافُلِ عَنْ المَسَاوِئِ؛ تدَوَمُ الصُّحْبَةُ، وَتَسْتَمِرُّ الأُسْرَة! قال تعالى: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). قال -صلى الله عليه وسلم-: “لَا يَفْرَكْ -أي: لا يَبْغَض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا؛ رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ”(رواه مسلم).

 

وَتَزَيُّنُ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا، والزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ يَزِيْدُ المَحَبَّة؛ فَإِنَّ العَيْنَ إِذَا اسْتَحْسَنَتْ مَنْظَرًا أَوْصَلَتْهُ إلى القَلْبِ؛ فَحَصَلَت المَحَبَّة. سُئِلَ -صلى الله عليه وسلم-: “أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟” فقَالَ: “الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَه”(رواه النسائي وصححه الألباني). قال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: “إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)”(رواه ابن أبي شيبة).

 

وتَخْصِيصُ وَقْتٍ لاجْتِمَاعِ الأُسْرَة -وَلَوْ عَلَى مَائِدَةِ الطَّعَامِ- أَمْرٌ مُهِمٌّ لِإِشْبَاعِ العَوَاطِفِ، وَتَعْزِيْزِ الرَّوَابِطِ، وَزَرْعِ القِيَمِ! قَالَ ابْنُ القَيِّم: “أَكْثرُ الأَوْلَادِ جَاءَ فَسَادُهُمْ مِنْ قِبَلِ الآبَاء، وَترْكُ تَعْلِيْمِهِمْ الدِّينِ! وَالصَّبِيُّ -وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا- فَوَلِيُّهُ مُكَلَّف، لَا يَحِلُّ لَهُ تَمْكِيْنُهُ مِنَ المُحَرَّمِ فَإِنَّهُ يَعْتَادُهُ، وَيَعْسُرُ فِطَامُهُ عَنْه!”.

 

وَطَاعَةُ الرَّحْمَن، وَالتَّوْبَةُ مِن العِصْيَانِ يَحْفَظُ المَوَدَّةَ، وَيَحْمِي مِن الفُرْقَةِ! فَفِي الحَدِيثِ: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ، فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا!”(رواه أحمد وصححه الألباني).

 

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: “إِنِّي لَأَعْصِي اللهَ؛ فَأَرَى ذَلِكَ فِي خُلُقِ دَابَّتِي وَامْرَأَتِي!”.

 

وَذِكْرُ اللهِ في البُيُوْتِ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الأُسْرَةِ! وأَمَّا الغَفْلَةُ عَنْ الذِّكْرِ؛ فَيَظْهَرُ أَثَرُهُ في ضِيْقِ النَّفْسِ، وَقِلَّةِ البَرَكَةِ، وَاضْطِرَابِ العِلَاقَةِ الأُسَرِيَّةِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ”(رواه مسلم). وَفِي الحَدِيْثِ: “اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا!”(رواه مسلم). قالَ بَعْضُ العُلَمَاء: “المُرَادُ: لا تَجْعَلُوا بُيُوْتَكُمْ وَطَنًا لِلْنَّوْمِ فَقَط، لا تُصَلُّوْنَ فِيْهَا!”.

 

وَالضَّوَابِطُ الأُسَرِيَّةُ: هِيَ الحُبُّ الحَازِمُ، الَّذِي يَصْنَعُ أُسَرَةً مُطْمَئِنَّةً، تَشْعُرُ بِالأَمَانِ والاِنْتِمَاءِ. وأَمَّا الحُرّيَّةُ المُطْلَقَةُ فَهِيَ تَصْنَعُ أُسْرَةً مُتَحَيّرَةً مُتَرَهِّلَةً، تَفْقِدُ الثِّقَةَ والاحترام؛ والقُدْوَةَ والاِهْتِمَام، وَمِنْ ذَلِكَ: وَضْعُ الضَّوَابِطِ في التَّعَامُلِ مَعَ وَسَائِلِ التَّرْفِيْهِ والتَّقْنِيَة؛ حَتَّى لا تَكُوْنَ سَبَبًا لِلْاِنْفِرَادِ وَالعُزْلَةِ، وَالحَيْرَةِ والغَفْلَةِ! (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

 

وَتَرْبِيَةُ الأُسْرَةِ طَرِيقٌ طَوِيل، يَحْتَاجُ إلى الصَّبْرِ الجَمِيلِ، قال جل جلاله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا). قال بَعْضُ السَّلَف: “مِن الذُّنُوْبِ ذُنُوْبٌ لا يُكَفِّرُهَا إِلَّا الغَمُّ بِالعِيَالِ”.

 

وَعِلاقَةُ الوَالِدَيْنِ بالأَوْلادِ مَبْنِيَّةٌ على التَّفَاهُمِ والحِوَارِ، لا على العُنْفِ وَالإِجْبَارِ؛ فَإِنَّ التَّرْبِيَةَ بِالاِحْتِرَامِ، أَقْوَى مِن الاِنْتِقَام! قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ”(رواه مسلم).

 

وَالعَدْلُ بَينَ الأَوْلاد يَقْطَعُ دَابِرَ الشَّحْنَاءِ وَالبَغْضَاءِ بَيْنَهُم، فَفِي الحَدِيثِ: “اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ”(رواه البخاري ومسلم).

 

وَإِفْشَاءُ الأَسْرَارِ يَهْتِكُ الأَسْتَارِ، وَيُعَرِّضُ الأُسْرَةَ لِلْأَخْطَار! قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا”(رواه مسلم).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ ضَبْطَ الاِنْفِعَالِ والغَضَبِ يَحْفَظُ كِيَانَ الأُسْرَةِ مِن التَّصَدُّعِ وَالعَطَبِ! و”أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ!”(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

 

وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ صَبَرَ على أَهْلِهِ وَأُسْرَتِهِ، وَاقْتَدَىَ بِنَبِيِّهِ وَقُدْوَتِهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”(رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

وَقَدْ أَثْبَتَت الدِّرَاسَاتُ أَنَّ التَّفَكُّكَ الأُسَرِيَّ سَبَبٌ لِجُنُوحِ الأَبْنَاءِ لِلْجَرِيْمَةِ وَالاِنْحِرَافِ، وَأَنَّ أكْثَرَ الَّذِينَ وَقَعُوا في ذَلِكَ يَنْتَمُونَ إِلَى أُسَرٍ مُفَكَّكَةٍ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفَظَ أَمْ ضَيَّعَ؛ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ!”(رواه ابن حبان وصححه الألباني).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life