عناصر الخطبة
1/نعمة الألفة والمحبة بين المؤمنين 2/الأخوة الدينية أوثق رابطة بين أفراد المجتمع 3/موجبات الأخوة الإيمانية ومقتضياتهااقتباس
عباد الله: لقد حبانا الله -جل وعلا- بنعمةٍ عظيمة، ومنّةٍ جسيمة، ألا وهي بهذا الدين؛ فألّف به بين القلوب المتنافرة، والنفوس المتعادية، فأصبح أهل الدين بالدين إخوةً في الله، متحابين في الله، متعاونين على طاعة الله، يجمعهم دين الله -تعالى-. الأخوة الدينية هي رابطةٌ عظمية، وصِلةٌ وثيقة؛ ليس في الروابط والصِلات أوثق منها، ولا أمكن؛ إنها...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: معاشر المؤمنين: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه في السر والعلانية، والغيب والشهادة؛ مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
عباد الله: لقد حبانا الله -جل وعلا- بنعمةٍ عظيمة، ومنّةٍ جسيمة، ألا وهي بهذا الدين؛ فألّف به بين القلوب المتنافرة، والنفوس المتعادية، فأصبح أهل الدين بالدين إخوةً في الله، متحابين في الله، متعاونين على طاعة الله، يجمعهم دين الله -تعالى-.
وهذه -عباد الله- نعمة عظمى، ومنّة كبرى؛ يجب على كل مسلم أن يكون على ذِكرٍ لها، وأن لا يغفل عنها: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)[آل عمران: 103].
عباد الله: الأخوة الدينية هي رابطةٌ عظمية، وصِلةٌ وثيقة؛ ليس في الروابط والصِلات أوثق منها ولا أمكن؛ إنها -عباد الله- صلةٌ تجمع بين أهلها بأعظم جمعٍ، وأوثق رابط.
الإخْوة في الله -عباد الله- غايتهم واحدة، وهمومهم مشتركة، وآمالهم واحدة؛ يجمعهم عبادة ربٍّ واحد بالاستسلام له، والإخلاص في العبودية له، والانقياد لأمره، واتباع شرعه، والاقتداء برسوله صلوات الله وسلامه عليه.
الإخوة في الله -عباد الله- شأنهم كالجسد الواحد؛ آمالهم واحدة، وآلامهم واحدة "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا"، "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
الأخُوّة في الله -عباد الله- أخوّةٌ شأنها ومكانها أعظم من أخّوة النسب.
الأخّوة في النسب -عباد الله- الجامعُ فيها نسبٌ واحد، والأخّوة في الله الجامعُ فيها دين الله، والرّابطة فيها عبادة الله، والغاية منها نيل رضا الله -جل وعلا-، "وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ"، يقول الله -تعالى-: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي من ثقلت موازينه بالإيمان بالله والعمل بطاعته، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)[المؤمنون: 101-103].
الأخوّة في الله -عباد الله- تجمعُ أهلها على همٍّ مشترك يجمعُ الجميع، وتأملوا ذلك في الدعوة العظيمة المتكررة على لسان كل مسلم في كل ركعةٍ من كل صلاة (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)[الفاتحة: 5-7] فهذه غاية الجميع ومطلَب الجميع أن يسيروا إلى الله -تبارك وتعالى- على صراطٍ مستقيم، وهديٍ قويم، ينالون به رضا الله -جل وعلا-، ويفوزون به بجنته، وينجون من سخطه وعقابه.
ولهذا -عباد الله- كان واجباً على كل مسلم أن يرعى لهذه الأخوة حقها، وأن يعرف مكانتها، وأن يحفظ حرمتها، وأن يتحاشى من كل أمرٍ ينقُضها أو ينقصها.
عباد الله: الأخوّة في الله تحتاج من أهل الإيمان ومن المتآخين في الدين إلى رعاية وعناية لئلا تنخرم، ولئلا تنثلم؛ لابد من رعايةٍ لها في ضوء ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وبمطالعة الكتاب والسنة في هذا الباب العظيم نجد -عباد الله- آيات وأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنوِّه بهذه الأخوِّة، وتُعلي من شأنها، وتبين موجباتها ومقتضياتها، وحقوقها وآدابها، ومن أجمع ما ورد في السنة في هذا الباب المبارك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"، وهذا الحديث من جوامع كلِم نبينا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب المبارك؛ باب الأخوّة الإيمانية وما تقتضيه وتستوجبه بين أهل الإيمان من حقوقٍ ومقتضياتٍ وواجبات.
عباد الله: وعندما يُخلُّ العبد بشيء مما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أو في غيره من أحاديثه الشريفة مما يتعلق بالأخوة، ومقتضياتها ينقُص من إيمانه، ويضعف من دينه بحسب ما أخلَّ به من حقوقٍ للأخوة.
عباد الله: ومن جوامع ما جاء في هذا الباب وهو نظير ما جاء في السنة آيات مباركات في سورة الحجرات فيها التنويه بالأخوة الإيمانية ومكانتها، وفيه ذكرٌ لشيء من حقوقها وواجباتها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)[الحجرات: 10-12].
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
وأقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: وإن من جميل شأن الأخوّة الإيمانية ما يكون بين أهل الإيمان في دعوات عظيمة بظهر الغيب تجمعهم جميعا؛ فيها سؤال الله غفران الذنوب والعتق من النار والفوز برضا الله -جل وعلا-، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)[الحشر: 10]، وقال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)[محمد: 19]، ودعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب مستجابة؛ ولهذا ينبغي على المسلم أن يجعل لإخوانه المسلمين حظاً ونصيبا من دعواته بأن يغفر ذنوبهم، وأن يهدي ضالهم، وأن يجبر كسيرهم، وأن يكون لمستضعفهم عوناً ونصيرا وحافظاً ومؤيدا، وأن يخذل عدوّهم، وأن يجعل عليه دائرة السوء.
فهذا -عباد الله- مطلب عظيم ومقصد جليل هو من مقتضيات الأخوة وموجباتها، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
اللهم إنا نتوجه إليك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا، وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت القوي العزيز المتين العظيم أن تُعزَّ الإسلام والمسلمين، وتذل الشرك والمشركين، وأن تدمر أعداء الدين.
إلهنا وسيدنا ومولانا كن لإخواننا المستضعفين مؤيداً ونصيرا وحافظاً ومعينا، إلهنا عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم قاتل الكفرة الذي يصدون عن سبيلك، ويكذّبون رسلك، ويقاتلون أوليائك، اللهم أنزل عليهم عذابك ورجزك إله الحق.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك وأعنه على طاعتك، اللهم وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع شرعك، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين.
اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا، اللهم واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.
اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم احفظنا بحفظك يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلا إليك لا إله إلا أنت، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات