عناصر الخطبة
1/أقسام الأوامر الربانية 2/أمر رباني يحمل معاني التهديد والتخويف 3/دلالات الأمر الرباني اعملوا ما شئتم 4/تذكير ونداءات للغافلين والمعرضين.اقتباس
إذا لم تنفع الحجج والبراهين، فما لهم من موعظة إلا أن يقال لهم: اعملوا ما شئتم.. اعملوا ما شئتم.. اعملوا ما شئتم.. امضوا في غروركم، واغرقوا في أمانيكم وغيكم.. سيروا كما تشاءون وتفرحون، فيومًا ما سينكشف عنكم الوهم، وتزول...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله العلي الأعلى، خلق فسوَّى، وأضل وهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم ما تكسبون ويعلم السر وأخفى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ رسول الرحمة ونبي الهدى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الإيمان والتقوى وسلم تسليمًا.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله ربكم؛ فمن يتق الله يكفّر عنه سيئاته ويُعظم له أجرًا.
إذا كانت أوامر الله تقتضي الوجوب (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البقرة:43]، وأخرى تقتضي الاستحباب (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا)[النور: 33]، وأوامر تُفيد الإباحة (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا)[الأعراف: 31]، وأوامر تحمل معنى السخرية والتهكم؛ (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)[الدخان:49]؛ فثمة أوامر من الله تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم، وتهز قلوب الذين يخشون ربهم بالغيب، وهم من الساعة مشفقون.
حينما يقول سلطان لجنوده المخطئين بعد العتاب والعقاب: "اذهبوا واعملوا ما شئتم؛ فإني سأراقبكم"؛ فأي رعب وهلع وقلق ينتاب ذلك الإنسان، هذا والتهديد من بشر يغفلون وينسون ويضعفون ويجهلون، فكيف إذا جاء التهديد من عزيز ذي انتقام شديد العقاب لا يخفى عليه شيء من أفعال البشر ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، بطشه شديد وأخذه أليم.
تحدث الله عن الملحدين في آياته بالتلاعب بها والاستهانة بمضمونها والسخرية بأحكامها وتحريف معناها فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا)[فصلت:40]، ثم ذكر -سبحانه- أن هناك مصيرًا لا يستوي فيه المؤمنون الآمنون يوم القيامة، والفاسدون المفسدون الملقون في نار جهنم؛ (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ثم جاء التهديد للمستهترين الغارقين في أوحال الشهوات، التائهين في أودية الشبهات؛ فقال: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[فصلت:40].
إنها ليست دعوة للحرية الدينية، وليس أمرًا للتخيير والإباحة بأن يفعل الإنسان ما شاء بلا خوف من الله ولا مراعاة لأوامره ونواهيه، إنها ليست دعوة للتفلُّت والغرق في بحر الشهوات، لكنها أوامر تحمل معنى التهديد والتخويف، إنها تقول للناس: قد هديناكم النجدين، وجاءكم النذير، وجاءتكم بينة من ربكم وهدى ورحمة، (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)[الإسراء:15]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس:57]، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة:128]، (قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة: 15-16].
قد قامت الحجة، ووضحت المحجة، واستبان الحق، وظهرت البينة؛ فاعملوا بعد قيام الحجة ما شئتم، لكن اعلموا أن لكم موعدًا مع الله، وكُلّ ساقٍ سيُسْقَى بما سقَى ولا يظلم ربك أحدًا.
قد قامت الحجة فاعملوا ما شئتم، وإن غبتم عن الأنظار، وانتهكتم محارم الله؛ فاعلموا أن الله بما تعملون بصير.. اعملوا ما شئتم لكن اعلموا أنه لا سواء مَن يَرِد الآخرة آمنًا، ومَن يأتي يوم القيامة نادمًا.
من شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر، تهديدًا لا تخييرًا، فقد علمتم أن الله أعدَّ للظالمين نارًا (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)[الكهف:29].
أوامر التهديد الربانية تقول: اعبدوا ما شئتم من دونه من الهوى والمال والشهرة والشهوة والأسياد والمناصب، لكن اعلموا أنكم ستخسرون المصير، وإن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؛ (إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الزمر:15].
أوامر التهديد والتخويف تقول للغارقين في المتعة الحرام (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ)[المرسلات:46]، (لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[العنكبوت:66]، (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)[الزمر:8]، (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)[الزمر:39]، (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[الأنعام:135]، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ)[هود:39].
لما تبيّن الحق من الباطل، والطريق المنجّي من عذابه من الطريق المهلك، قال: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)[فصلت:40]؛ إن شئتم، فاسلكوا طريق الرشد الموصِّلة إلى رضا ربكم وجنته، وإن شئتم، فاسلكوا طريق الغي المسخطة لربكم، الموصلة إلى دار الشقاء.
هذا كله وعيد، ليس مصانعة، ولا مراشاة، ولا تفويضًا.. تهديد وزجر وليس بتخيير؛ ولذلك كانت النتيجة: ستعلمون الجاني على نفسه، والمخطئ في حقها، والمصيب في فعله المحسن إلى نفسه.
جاء في الحديث: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "أتاني جبريل، فقال لي: يا محمد! عِشْ ما شئتَ؛ فإنك ميت، وأحبِبْ من شئتَ؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئتَ؛ فإنك مَجْزِيٌّ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه استغناؤه عن الناس".
فليعمل من شاء ما شاء من الأعمال القبيحة، أو غيرها؛ فإنها لا تخفى على خالقنا وخالقهم -عز وجل-، كيف وهو البصير بنا وبهم، والمطّلع على أفعالنا وأفعالهم، وسيجازي عليها الجزاء العادل؟! وعندها إذا كان العمل حسنًا سيسرُّنا ويسرُّهم جزاؤه، أو سيئًا فسيسوءنا ويسوءهم لقاؤه.
وليتذكر الجميع قول الله -عز وجل-: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)[الحجر:92]، وقول الحق: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصافات:24]؛ فليسلُكْ من شاء ما شاء؛ فهو مخير بين سلوك طريق الرشد الموصلة إلى رضا الله وجنته، وبين سلوك طريق الغي المسخطة لله -عز وجل- والموصلة بالتالي إلى دار الشقاء.
اعملوا ما شئتم؛ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة:7-8]، ولا تظنوا -أيها العاملون- أنكم بأعمالكم ستنفعون الله، وأنكم أيها المفرطون بتفريطكم ستضرُّون الله؛ فـ(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت: 46].
وتذكروا قول الله: "يا عِبادِي! إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يا عِبادِي! لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أَتْقى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا. يا عِبادِي! لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا. يا عِبادِي! لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قامُوا في صَعِيدٍ واحِدٍ فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ مِمَّا عِندِي إلّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البَحْرَ. يا عِبادِي! إنَّما هي أَعْمالُكُمْ أُحْصِيها لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيّاها، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلّا نَفْسَهُ".
نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم ممن يعملون الصالحات ويسارعون في الخيرات وهم لها سابقون...
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فحينما ترى العصاة المذنبين والفاسدين والمفسدين فذكِّرهم بالله وقل لهم (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الزمر: 54-55]، و(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)[الشورى:47]، (وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)[النساء: 63].
إذا لم تنفع المواعظ كلها من: ترغيب في ثواب جزيل، العقل يعجز عن تصوره، والأذن تعجز عن سماعه، والعين عن نظره، والقلب عن تدبره.. وإذا لم ينفع الترهيب من عقاب أليم، لا يحتمله بدن، ولا تطيقه نفس، ولا يصبر عليه الصبور، ولا يصمد له الجبار... وإذا لم تنفع الحكمة والتعليل، وخطاب العقل والضمير.. وإذا لم تنفع هذه الحجج والبراهين، فما لهم من موعظة إلا أن يقال لهم: اعملوا ما شئتم.. اعملوا ما شئتم.. اعملوا ما شئتم.. امضوا في غروركم، واغرقوا في أمانيكم وغيكم.. سيروا كما تشاءون وتفرحون، فيومًا ما سينكشف عنكم الوهم، وتزول الغشاوة، وتستفيقوا في فزع، لتعلموا أن الأمر جدّ: الوعيد شديد، والثواب جزيل، والحسرة كبيرة.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)[مريم: 3.9]، (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)[ق:22]، وأسروا الندامة لما رأوا العذاب، (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[يونس:54].
قل للمتبعين للشهوات المضيعين للصلوات، القابعين في بيوتهم والناس يصلون والمستترين بسياراتهم وراء الأسوار، اعملوا ما شئتم، واغرقوا في غفلتكم؛ فالله بما تعملون بصير، وسوف تعلمون حينما يأتي السؤال: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)[المدثر:42- 43].
إذا رأيتم الفاسدين والمفسدين المجاهرين بما حرَّم الله فذكِّروهم بيوم عظيم (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران: 30]، فإن تمادوا في غيهم فلا يحزنك فعلهم فإنهم لن يضروا الله شيئًا، وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون، وقل لهم (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[فصلت:40].
قل للكاشفات المتبرجات المنخدعات بزيف الحرية وضلال السفور: اتقين الله ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، واضربن بخمركن على جيوبكن؛ فإن استجبن فذلك من تقوى القلوب، وإن رأيت استكبارًا وعنادًا وسخرية فقل: اعملن ما شئتن فالله بما تعملون بصير، وإن لكُنَّ موعدًا مع الله، وهناك لا يجدي يا ليتنا لم نتخذ فلانًا خليلاً، ويا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول؛ (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)[الأحزاب:36].
حينما يقابلك المجرمون بالسخرية والأذى والاتهام بالتخلُّف والسفه فقل لهم: اعملوا ما شئتم؛ فسوف تعلمون حين ترون العذاب من أضل سبيلاً.
يا أيها الناس: اعملوا ما شئتم فالعامل للدنيا، للنفس.. العامل لغير الله.. الحائز لذات الدنيا.. الموفَّى نعيمه كاملاً غير ناقص؛ غمسة واحدة في النار تُنسيه كل ما ذاقه، وأسرّه، وأعجبه.. والعامل للآخرة.. العامل لله -تعالى-.. الفاقد جميع لذات الدنيا.. اليائس من سرورها: غمسة واحدة في الجنة تُنْسيه كل ما مر به.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا، من أهل النار، يوم القيامة، فيُصبَغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم!، هل رأيت خيرًا قط؟، هل مرّ بك نعيم قط؟، فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا، من أهل الجنة، فيُصبَغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرّ بك شدة قط؟، فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط"، فأين اللذات.. وأين الآلام؟!، ذهبت مع الجحيم، والنعيم.
اعملوا ما شئتم فهل من يلقى في النار خير أم من يأتي آمنًا يوم القيامة..
اعملوا ما شئتم فغدًا تُوفَّى النفوس ما كسبت، ويحصد الزارعون ما زرعوا، إن أحسنوا فلأنفسهم، وإن أساءوا فبئس ما صنعوا..
اللهم اهدنا ووفقنا لما يرضيك وجَنِّبنا أسباب سخطك ومعاصيك..
اللهم صَلِّ وسلم...
التعليقات