عناصر الخطبة
1/ سرعة انقضاء الأيام 2/ ضرورة استقبال رمضان بعزيمة صادقة 3/ أهمية التقرب بالفرائض والمحافظة عليها 4/ المحافظة على التروايح والتهجد 5/ الإكثار من قراءة القرآن 6/ مزية وخصوصية الصدقة في رمضان 7/ رمضان فرصة للتغيير 8/ رمضان فرصة لدعوة الناس إلى الخيراهداف الخطبة
اقتباس
ما أشبه الليلة بالبارحة هذه الأيام تمر بسرعة وكأنها لحظات، لقد استقبلنا رمضان ثم ودعناه، وما هي إلا فترة من الزمن وإذا نحن نستقبل رمضان مرة أخرى، فمرحبًا شهرَ رمضان المبارك، طال الشّوق إلى لقياك، وعظم الحنين لرؤية محيَّاك، إنّ النفوس لتعشق هذا المحيّا البهيج، وتطرب سرورًا برَوحك الأريج ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره...
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين: ما أشبه الليلة بالبارحة هذه الأيام تمر بسرعة وكأنها لحظات، لقد استقبلنا رمضان ثم ودعناه، وما هي إلا فترة من الزمن وإذا نحن نستقبل رمضان مرة أخرى، فمرحبًا شهرَ رمضان المبارك، طال الشّوق إلى لقياك، وعظم الحنين لرؤية محيَّاك، إنّ النفوس لتعشق هذا المحيّا البهيج، وتطرب سرورًا برَوحك الأريج.
أيها الضيف الكريم، لقد تهلّلت الوجوه لإهلالك، وغمر الفرحُ قلوب المؤمنين لإقبالك، وعمهم الارتياح لقدومك في بهائك وجمالك وجلالك.
أيها المؤمنون، إن رمضان هبة الله لهذه الأمة، وعطيته لأهل الملة، فمن فاته الخير فيه فقد فاته من الخير أوفره ومن الهدايا أغلاها وأثمنها.
معاشر المسلمين: إن الصائمين القائمين هم الذين تصلح بهم الأوضاع، وتُكسبُ بهم المعارك، وتَسعدُ بهم المجتمعات، ونحن على مقربة من هذا الشهر الكريم، نقف بعض الوقفات:
الوقفة الأولى: لا بد أن نستقبل رمضان بعزيمة صادقة على فعل الخيرات، وتوبة صادقة يكفر الله بها السيئات، وفي رمضان عون بإذن الله على هذا وذاك لمن صدق الجهاد: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، فيا أيها الأحبة، أيام رمضان أيام محو ذنوبكم فاستغيثوا إلى مولاكم من عيوبكم، هي أيام الإنابة، فيها تفتح أبواب الإجابة، فأين اللائذ بالجناب، أين المتعّرض بالباب، أين الباكي على ما جنى، أين المستغفر لأمر قد دنا، كم من منقول في هذه الليلة من ديوان الأحياء، عن قريب يفاجأ بالممات، وهو مقيم على السيئات، ألا رُبّ غافل عن تدبير أمره قد انفصمت عُرَى عمره، ألا رُبّ معرض عن سبيل رشده، قد آن أوان شق لحده، ألا رُبّ رافل في ثوب شبابه قد أزف فراقه لأحبابه، ألا رُبّ مقيم على جهله، قد قرب رحيله عن أهله، ألا رُبّ مشغول بجمع ماله، قد حانت خيبة آماله، ألا رُبّ ساع في جمع حطامه، قد دنا تشتت عظامه، أين المعتذر مما جناه فقد اطلع عليه مولاه، أين الباكي على تقصيره قبل تحسره في مصيره، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل فقال يا محمد: من أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت آمين " أخرجه ابن خزيمة وابن حبان، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " أخرجه مسلم.
يا من كان يجول في المعاصي قبل رمضان، ها قد أعطاك الله الفرصة، لا تكن كمن كلما زاد عمره زاد إثمه، فيا أيها الغافل، اعرف نفسك، وانتبه لوقتك، يا متلوثاً بالزلل، إغسل بالتوبة أدرانك، يا مكتوباً عليه كل قبيح، تصفح ديوانك، لو قيل لأهل القبور تمنّوا، لتمنوا يوماً من رمضان. وأنت كلما خرجت من ذنب دخلت في آخر، أنت، نعم أنت الآن مقبل على رمضان فتب إلى ربك وارجع لرشدك.
الوقفة الثانية:لم يتقرب العباد إلى الله بشيء أحب إليه مما فرض عليهم وإن فريضة شهر رمضان هي الصيام وهو من أفضل العبادات وأعظم القربات. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " يقول الله تعالى مخاطباً المؤمنين من هذه الأمة وآمراً لهم بالصيام وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل؛ لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة، وذََكَرَ أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على الذين من قبلهم فلهم فيهم أسوة، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك " أ.هـ رحمه الله.
وقد ورد في فضل الصيام ومضاعفة أجره أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم " كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف يقول الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباَ غفرله ما تقدم من ذنبه " متفق عليه.
الوقفة الثالثة: رمضان شهر التراويح، شهر التهجد والمصابيح:عجباً لأوقاته ما أشرفها، ولساعاته التي كالجواهر ما أظرفها، طوبى لعبد صام نهاره، وقام أسحاره، وعرف أجره ومقداره.
وقيام رمضان من الإيمان وهو مغفرة لسالف الذنوب والعصيان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه.
والمصلي للتراويح يستحق اسم الصديقين والشهداء، وهذا من فيض الكريم سبحانه وتعالى. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته فمِمّن أنا؟ قال: " من الصديقين والشهداء "رواه البزار وابن خزيمة بإسناد صحيح، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دخل أول ليلة من رمضان يصلي المغرب ثم يقول: " أما بعد، فإن هذا الشهر كتب عليكم صيامه ولم يكتب عليكم قيامه فمن استطاع منكم أن يقوم فليقم، فإنها نوافل الخير التي قال الله".
ومن فوائد وبركات صلاة التراويح أن من قام مع إمامه كتب له قيام ليلة. عن أبي ذر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة " أخرجه الخمسة بإسناد صحيح.
فتصلي مع الإمام حتى ينصرف وتتصبر هذه الدقائق يكتب لك قيام ليلة كاملة، فاتق الله يا عبدالله في عمرك الذي مضى أكثره، وأقبل على صلاة التراويح يُقبل الله عليك، وانظر إلى سلفك من الصحابة كيف كان اجتهادهم عن السائب بن يزيد أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة، قال وقد كان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصى من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر خشية أن يفوتنا الفلاح -أي السحور-، وما صلاح الأجساد إلا بإنتصابها لربها، في القيام والتراويح، وهو شفاء من أمراض الأجساد والقلوب ورفعة للدرجات عند علام الغيوب وهذا طريق الصالحين من قبلنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم، وتكفير السيئات، ومطردة للداء عن الجسد " أخرجه الترمذي بإسناد صحيح، وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها من طول القيام في التراويح.
فرحم الله رجلاً قدم لآخرته، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، وقدم مهره، فإنما مهر الحور الحسان طول التهجد بالقرآن، ولا تكن يا أخي ممن يعظِّم الخِطبة ويسهى عن المهر، وبادر يا أخي فإنه مبادر بك، كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: " صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير ".
الوقفة الرابعة: شهر رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءة القرآن فيه، وقد كان من حال السلف في هذا الشهرِ العنايةُ بكتاب الله تعالى فكان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع ليال، وبعضهم في كل عشر ليال.
قال ابن رجب رحمه الله: " إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاثٍ على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم ".
الوقفة الخامسة: للصدقة في رمضان مزية وخصوصية وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، فلقد كان أجود بالخير من الريح المرسلة؛ فينبغي للمسلم أن يقتدي بنبيه صلى الله عليه وسلم فيجاهد الكافرين والمنافقين بماله ويطعمُ الطعام ويُفَطِّرُ الصائمين وينفقُ في وجوه الخير المختلفة.
ولقد كان السلف رحمهم الله يحرصون على إطعام الطعام سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر قال صلى الله عليه وسلم: " أيما مؤمن أطعم مؤمناَ على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة وأيما مؤمن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم " رواه الترمذي بسند حسن.
وقد ورد في فضل تفطير الصائمين أجر عظيم من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء " أخرجه أحمد والنسائي.
معاشر المسلمين: ومناقب رمضان وأعماله الصالحة كثيرة ليس هذا مجال حصرها وإنما أردت التنبيه على شيء منها وتسمعون الكثير في ذلك إن شاء الله،وبكل حال فإن كل عمل صالح مقرب إلى الله تعالى فله في رمضان مزية وفضل وفائدة، يرجع منها المسلم بعائدة.
بارك الله لي ولك في القرآن العظيم ونفعني
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وصلاة الله وسلامه على أشرف رسله....
أما بعد: فيا عباد الله....
الوقفة السادسة: رمضان فرصة للتغيير، ولقد جبل الإنسان على التقصير وعلى النقص، ومن سعة رحمة الله أن يسر للمؤمن مواسم خير يسد فيها الخلل ويكمل فيه النقص ومن هذه المواسم شهر رمضان الذي هو أعظم فرصة لنغير فيها أشياء كثيرة في حياتنا:
فرمضان فرصة للتائبين الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي فالشياطين قد صفدت وأبواب الجنان قد فتحت ودواعي الخير أقبلت ووجدت على الخير معينا فكل من حولك ما بين صائم وخاشع وباك، فإلى متى الغفلة.
رمضان فرصة لتربية أنفسنا على معالي الأمور، وعالي الهمم، فرصة لننزع الكسل والتقصير عن كواهلنا، فرصة لصقل نفوسنا من الأخلاق الرديئة والعادات المشينة، فرصة للعلو بالنفوس إلى مقامات الصالحين ودرجات العابدين.
إن رمضان فرصة لنزيل الشح والبخل من نفوسنا ونكون كما كان نبينا أجود بالخير من الريح المرسلة وكان أجود ما يكون في رمضان، فرصة لنغير من سوء خلقنا وفحش قولنا " فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم "، " ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".
أيها المسلمون: رمضان فرصة لدعوة الناس وتوجيهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فالشياطين قد صفدت ودواعي الشر في نفوس الناس ضعفت فالوضع مهيأ لك يا من تريد الأجر فاحرص على دعوة أهلك وأقاربك وجيرانك وزملاء عملك بالكلمة الطيبة وبالكتاب النافع والشريط، وغيرها من وسائل الدعوة والإصلاح.
أيها المسلمون: رمضان فرصة لتربية أبناءنا فنفوسهم مقبلة والمجتمع من حولهم يعينهم على الطاعة والبعد عن المعصية فرصة لتربيتهم على الصوم وترك الشهوات فرصة لتعليمهم الصلوات والبعد عن المحرمات.
نسال الله أن يصلح أبناءنا ونساءنا والمسلمين أجمعين.
اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا فيه للصيام والقيام.
اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً واحتساباً.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة....
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى...
التعليقات