استشعار النعمة وتحقيق الشكر لله

الشيخ عبدالكريم الخنيفر

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/تذكر نعم الله من خلال الإجازة الصيفية 2/شكر الله على نعمه 3/مثالان في القرآن لمن أنعم عليه فشكر وآخر كفر 4/من آثار شكر الله على العبد

اقتباس

سبحانه وبحمده عظيم في ذاته، عظيم في أسمائه وصفاته، عظيم في رحمته، عظيم في قدرته، عظيم في علمه، عظيم في حكمته، عظيم في جبروته وكبريائه، عظيم في هباته وعطائه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديا له.

 

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها الواجبُ الذي يقتضيه ما أعطاكم اللهُ من نِعَم لا تعدُّ ولا تحصى، قال تعالى: (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)[الشعراء:132-134].

 

أيها المسلمون: ها نحنُ نسيرُ في جِسرِ الإجازةِ الطلابية، التي قطعنا أكثرَها وبقيَ الرُّبعُ منها، وقد مرّتْ على كثيرٍ منا وهي ملأى بالمرح والتسلية، بيَن مسافرٍ قَصَدَ البرادَ والمناظرَ البهيجة، ومقيمٍ يُنجزُ أعمالَه مخفِّفًا حرارةَ الصيفِ وثِقَلَ العملِ بالمناسباتِ والاستراحاتِ وأنواعِ الترفيهِ المباح.

 

وإنَّ الإنسانَ صاحبَ العقلِ السليم إذا وَجَد أنَّ ما يهتمُّ لأجلِه ويقلقُ عليه هو كيفَ يُرفِّهُ عن نفسِه ويمتِّعُهَا، إذا تأمّلَ العاقلُ الموفَّقُ ذلك حَمِدَ اللهَ وأثنى عليه قولا وفعلا، مستشعرًا عظيمَ المنةِ وكمالَ المِنْحَةِ من الكريمِ المنانِ، الذي جعلَ بينَ يديكَ من العطاءِ ما لا يمرُّ على ملاييَن من البشرِ اليوم في أحلامِهم، فضلا عن تفكيرِهم.

 

يسيرُ الراكبُ من الرياضِ إلى أبها محمَّلا بالمؤونة والمتاعِ، لا يخشى إلا اللَه ومحطةَ الوقودِ أن تفوتَه، ويطيرُ في السماءِ التي سهّلَ اللهُ له التحليقَ فيها، يَعبُرُ أجواءَ دولٍ فقيرةٍ وأخرى مدمَّرةٍ وثالثةٍ منكوبةٍ، وبالُه مشغولٌ: من يُقِلُّه من المطار؟ وهل ستكون الأجواء باردةً أم حارة؟ ولعلَّ رحلتي هذه تكونُ سعيدةً غيرَ مرتبكة.

 

وهذه نعمةٌ عظيمةٌ جدًّا أن تكونَ أساسياتُ الحياةِ مِن أمنٍ وغذاءٍ وصحةٍ قد استقرَّتْ عندك، حين يتمنَّاها الكثيرُ والكثيرُ من الأحياءِ اليوم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا".

 

كان بعضُنا في مثلِ هذا التوقيتِ من العامِ الماضي يسيرُ بيَن مدنٍ وشواطئَ، ويرى أهلَ تلكَ البلادِ آمنينَ مطمئنينَ بل غائرينَ في كفرِهم وفسقِهم، واليومَ نسمعُ تقاريرَ تلكَ المدنِ والسواحلِ في الأخبار وقد تدمَّرت ونزلَ بساحةِ أهلِها الأهوالُ العِظَام.

 

أليس هذا مثالا جديرًا بالاعتبارِ وشُكرِ النعمة؟!

 

ولقد أعطانا اللهُ في القرآنِ عدةَ أمثلةٍ لمن أنعمَ عليهم فشكروا، ومن أنعمَ عليهم فكفروا، فَمِنَ المثالِ الأولِ نبيُّ اللهِ سليمانَ، الذي أعطاهُ اللهُ مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِهِ حتى في زمننِا هذا، فماذا كان ردُّه؟ (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النمل:19].

 

ومن المثالِ الآخرِ قارونُ الذي آتاه اللهُ من الكنوزِ ما إنَّ مفاتحَه لتنوءُ بالعُصبةِ أولي القوة، فماذا كان ردُّه؟ (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)[القصص:78]، لكنَّ جزاءَ هذا الكافرِ بنعمةِ اللهِ مُعجَّلٌ في الدنيا قبلَ الآخرة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ)[القصص:81].

 

بل قد ضرب الله مثلا بقرية كاملةٍ كانت آمنةً مطمئنةً يأتيها رزقُها رغدًا من كلِّ مكان، لكنها بدلا من شُكْرِ النعمة كَفَرتْ بأنْعُمِ الله (فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)[النحل:112].

 

اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه أما بعد،

 

عبادَ الله: إنَّ شكرَ اللهِ والثناءَ عليه لفظٌ يلهجُ به العبدُ الشاكرُ في صلاتِهِ ودعائِهِ وفي سائِرِ يومِه، وهو كذلكَ طاعاتٌ يتقرَّبُ بها إلى اللهِ مستشعرًا عظيمَ ما امتنَّ اللهُ به عليه.

 

وشُكرُ الله أيضًا تقوى يحذر به عقابَ الله حين يكفرُ بنعمتِه فيبذلَ صِحَّتَه ويستهلِكَ قوَّتَهُ ويَصرِفَ مالَهُ فيما يُغضبُ اللهَ ويُسخِطُهُ من المعاصي والآثام.

 

إن شُكرَ اللهِ شعورٌ وجدانيٌّ يستشعرُهُ المؤمنُ اللبيبُ ويُكثرُ من تأمُّلِهِ فيما أسبغَ اللهُ عليه من النِّعم، ثمَّ ينظرُ لمن هو دونَه من هؤلاءِ البشرِ الذين أَلِفُوا صوتَ المنبهاتِ المتكررِ في المستشفى، أو أولئك الذين شَبِعُوا من الجوعِ الذي يَعصِرُ أمعاءَهم عصرًا، وتكيَّفوا مع الخوفِ حيَن لا يأمنُ الإنسانُ على نفسِه وهو داخلَ بيتِه.

 

أولئك الذين غاية أمانيهم: طمأنينةٌ مريحةٌ، أو نومةٌ ساكنةٌ، أو خُبزةٌ لينة.

 

إذا امتلأَ فِكْرُكَ بشعورِ الشكرِ لله نَعِمْتَ برضا الله، وعطائِهِ المعجَّلِ لكَ في الدنيا قبلَ الآخرة.

 

كما أنه يطمئنُّ فؤادُك بالرضا عن نفسِكَ، وتشفى من حُمَّى المقارنات بالمترفيَن والمشاهير، فإنها داءٌ عُضَالٌ تفتك في نفسِكَ وحالِك.

 

وصدقَ النبيُّ الكريمُ -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ".

 

ربنا ولك الحمد مِلْءَ السَّمواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعدُ، أهلَ الثَّناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عبدٌ، اللهمَّ لا مانعَ لِما أعطَيتَ، ولا مُعطيَ لِما منَعتَ، ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ.

 

اللهم اجلنا لك شَكُورينَ بأقوالنا وأعمالنا، واملأ قلوبَنا بالرضا والقناعةِ والسعادةِ يا ربَّ العالمين.

 

اللهم ارفع عنا الوبا والبلا والغلا، واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه ونائبه لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات
kcWtmYOKvRFIlvVGWW1x78hJ22jQeJnLY4jfkFRr.pdf
wnm3zPR67SD5VlHzn0XaBtwuajW99vM5JqqqsIb6.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life