عناصر الخطبة
1/العطلة امتحان في التربية 2/مسؤولية الآباء تجاه أولادهم 3/نماذج لبعض من يستغل الفراغ لإفساد الأولاداقتباس
مواقع ألعاب تتخذ مرتعًا وبؤرة لأنواع من الفساد؛ فساد المخدرات، فساد الأخلاق السيئة والعادات الرديئة، وأكبر من ذلك أن يرتادها ذئاب بشرية وكلاب مسعورة، همها اقتناص الغافلين من الأطفال وجرهم إلى الفاحشة...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله مالك الصيف والشتاء، ومقلِّب الصباح والمساء، ومدبِّر أمر عباده كما يشاء، لا يخرج العبد عن عبادته طرفةَ عين، ولا يغيب عن مراقبته بكيف؟ وأين؟.
يتقلب المؤمن في عبادته فارغًا ومشغولًا، ويتقرب المحسن إليه بنومه وراحته، كما يتقرب إليه بمجاهدته وبذل طاقته، والصلاة والسلام على مَن أمر باغتنام الأوقات واستثمار الطاقات، فقال: "اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك"(رواه الحاكم، وصححه الألباني)، فصلى الله عليه من ناصح أمين، ورؤوف رحيم بالمؤمنين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، الذين حفظوا الله فحفِظهم، ونصروه فنصرهم، وعلى من في هذا الطريق تبِعهم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، معبود في كل مكان وزمان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي لا تمر عليه لحظة بلا ذكر، ولا تمر عليه نعمة بلا حمد وشكر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فأوصيكم بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: هذه العطلة الصيفية على الأبواب: فهل تدرون ما العطلة؟ إنها امتحان بعد امتحان، ومفترق طرق بين الربح والخسران، والطاعة والعصيان.
نعم -أيها الأخوة- إن العطلة الصيفية فراغ في حياة ما يقرب من نصف الأمة، بل يزيد على النصف من طلاب وطالبات ومدرسين ومدرسات، والفراغ سُم قاتل، وعدو شرس مقاتل؛ إما أن نتغلب عليه فنسخره لديننا ودنيانا، وإما أن يتغلب علينا ويسوقنا صاغرين وراء أهوائنا وشهواتنا، وأعدائنا الذين مرَدوا على ذبح الفضيلة ونشر الرذيلة، وتخدير الأمة والتمكين لأعدائها.
عباد الله: إنني عندما أتحدث عن العطلة إنما أتحدَّث عن مرض الفراغ القاتل الذي لا تحصى مفاسده، والذي هو أحد أركان الفساد كما قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجِدة *** مفسدة للمرء أيُّ مفسده
ولذا فإني أدعو إلى مَلْئه وتغطيته، ولا نظل فيه ضائعين تائهين، معرَّضين لنتائجه الوخيمة، والله -تعالى- قد أمرنا أن نسد هذا الفراغ ولا ندعه يقضي علينا؛ (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)[الشرح: 7]، وعندما أقول: لا بد أن نملأ الفراغ، فليس معناه أن نخرج من جو الدارسة والجد لندخل في نصبٍ آخر ومشقة، لا؛ فلأجسادنا وعقولنا ولأنفسنا علينا حقٌّ، ولا بد أن نعطي كل ذي حق حقَّه.
إنني لا أمانع أبدًا أن تستغل العطلة في نزهة مفيدة، أو رحلة جميلة، أو راحة معتدلة، ولكن يجب أن يكون ذلك كله مدروسًا ومضبوطًا، ومضمونًا من أن يتحول إلى عادات سيئة وأمراض اجتماعية ومخالفات شرعية.
إن الطلاب لا يهمهم إلا الانطلاق من القيود والاستمتاع بكل ما يروق لهم، دون أن يفكروا فيما ينفع أو يضر، ولا حرج فالصغير هذا شأنه، ولكن الله جعل المسؤولية عليكم أيها الآباء، فأنت -أيها الرجل- مسؤول عن أهل بيتك، وأنتِ -أيتها الأم- مسؤولة عن بيت زوجك وأولادك، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمر قد يتوجه إليكم أيها الآباء والأمهات؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6]، وإن النار لتلهب في كل مكان من حول أولادكم، فهل ترضون أن يقع أولادكم فيها؟!.
عباد الله: إن من مواقد هذه النار وهي كثيرة:
أولاً: مواقع أتوقع أن تفتح لتبث من خلالها سموم القنوات الفضائية المشفرة، وفيها ألوان من الفساد بمختلف أنواعه، يفتحها من يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، الذين يذبحون الأمة بدراهم محرمة يجمعونها.
ثانياً: مواقع ألعاب تتخذ مرتعًا وبؤرة لأنواع من الفساد؛ فساد المخدرات، فساد الأخلاق السيئة والعادات الرديئة، وأكبر من ذلك أن يرتادها ذئاب بشرية وكلاب مسعورة، همها اقتناص الغافلين من الأطفال وجرهم إلى الفاحشة.
ثالثاً: عصابات مخربة هي أخطر من عصابات الاختطاف وقطع الطريق، تلك هي عصابات المخدرات والخمور وأنواع الفساد، وهؤلاء من أفتك أسلحة الأعداء لضرب الأمة وإضاعة شبابها وقتل روح الرجولة فيهم.
رابعاً: هناك هيئات ومسميات مختلفة لا يُدرى من ورائها، ولا نسمع إلا بإعلاناتها تقيم الدورات وبالأخص النسائية، ثم في أثناء ذلك تبث السموم وتقدمها في الدسم، والنصيحة أن لا نقدم على التسجيل إلا على من نعرف، ونتأكد من دينه وأمانته وحسن مقصده واستقامة منهجه؛ لأن الأعداء منتشرون في كل مكان، ودعاة جنهم كثير، ومن أجابهم إليها قذفوه فيها، قال -تعالى-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)[المائدة: 77]، ونحن أولى بهذا الخطاب من أهل الكتاب.
وبالمناسبة -أيها الآباء وأيتها الأمهات- يا من يغار على الأعراض، يا من يحرص على سمعته ويحافظ على مكانته ويراعي مسؤوليته: إنه يلاحظ كثرة خروج النساء والشابات وغير المتزوجات والمراهقات، كثرة خروجهن في أوقات مختلفة من ليل أو نهار، وظهر وعصر، وأوقات مريبة وحركات غريبة، ومواقع يرتدنَها مريبة، إن هذه الظاهر هي ظاهرة السوء، ونذير الشؤم، ودليل على غفلة مميتة، وغَيرة مفقودة، ورجولة مطعونة، ومخططات ملعونة كلها موجهة لهذه الأمة في أعز عنصر فيها، في الأم الطاهرة، والزوجة العفيفة، والبنت الشريفة في المجتمع الطاهر، الذي لا يراد له الطهارة.
فلنتقِ الله فإن الله -تعالى- يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النساء: 34]، ويخاطب زوجات النبي الطاهرات أمهات المؤمنين، فيقول -سبحانه-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب: 33].
وقد جعل الله من علة أمر الحجاب أنه يوجد فئات من الرجال مولعون بالتربص بالنساء والسعي وراءهن، فقال -سبحانه- بعد الأمر بالحجاب في سورة الأحزاب: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)[الأحزاب: 60]، وهؤلاء إذا كانوا موجودين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهل يمكن أن نكون سالمين منهم اليوم؟!.
التعليقات