أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال:
الملخص:
أمٌّ تشكو تشكُّكَ ابنها في الدين، واقترابه من الإلحاد، بسبب البيئة التي يعيشها، فهو في مدرسة أجنبية، وتسأل عن حلٍّ.
التفاصيل:
السلام عليكم، ابني يبلغ الثامنة عشرة من عمره، يدرس في مدرسة أجنبية بحكم عمل والده، وهو متأثِّر جدًّا بطريقة التدريس التي يحاولون فيها تشريب الإلحاد للأجيال من حيث لا يشعرون.
عندما كان صغيرًا كان يُصلي، ويأمر أخته الصغرى بأن تبتعد عن اللبس الضيق، أما الآن فقد تغير كليًّا؛ فلم يَعُدْ يصلي ويتشكَّك في كل شيء في الدين، أحاول محاورته كثيرًا، لكنه يغلق الحوار دائمًا، وفي النقاش الأخير بيننا انتهينا إلى سؤال: إذا كان الله عز وجل عادلًا، فلمَ الأطفال يعانون والمآسي تملأ الدنيا من حولنا؟ حاولت إجابته بأن سبب مآسي البشر هم البشر أنفسهم، لكنه لم يقتنع، وهو يريد جوابًا لهذا السؤال؛ حتى يطمئن قلبه للدين، فهلا تكرَّمتم وأسديتم لنا النُّصح بارك الله فيكم.
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
فأولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لكِ ولابنكِ وجميع شباب المسلمين الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: لستِ وحدكِ مَن تعانين من هذه المصيبة التي ابتُلي بها كثير من بيوت المسلمين، بسبب وضع أبنائهم في المكان الخطأ، فالله استرعى الآباء على أبنائهم، وجعلهم أمناءَ عليهم، ومن أهم أسباب الحفاظ عليهم توفيرُ البيئة الإيمانية الجيدة، وهذا واضح جليٌّ في تغيُّر ابنكِ أيتها الأخت الفاضلة؛ لذا لما دعا نوح عليه السلام على قومه قال: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 26، 27]، كيف لا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا، والمولود يولد على الفطرة؛ أي: على الإسلام؟
هذا بسبب البيئة التي ينشأ فيها هذا الطفل؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في تتمة الحديث: «فأبواه يهوِّدانِهِ، أو ينصِّرانِهِ، أو يمجِّسانِهِ»، فالبيئة مؤثرة في تكوين وعي وقلب الأبناء.
ثالثًا: النقاش ينبغي أن يبدأ من هذه النقطة، وهي إثبات وجود الله تعالى وحكمته وعلمه، ثم بيان الحكمة من خلق الخلق وإيجادهم، وأن ذلك لعبادته وطاعته؛ كما قال: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]، وأن الله تعالى أقام هذه الحياة على سنة الابتلاء والامتحان؛ كما قال: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 1، 2]، وهذا الابتلاء والامتحان يتم بوجود التفاوت بين الناس في الخير والشر، والإيمان والكفر، والفقر والغِنى، والقوة والضَّعف، فأهل الإيمان المفلحون ينقادون لأمر الله، ويستجيبون لرسله، ويحسنون إلى خلقه، وأهل الكفر والمعصية يعاندون ويتمردون، ويسيئون ويظلمون.
وقد وعد الله أهل الإيمان والطاعة بالنعيم المقيم، والفوز الكبير في جنات النعيم، وتوعَّد أهل الكفر والعصيان بالنار والعذاب في الآخرة.
والمقصود أن وجود التدافع والاختلاف، والظلم والبغي، والقتل والفساد - داخلٌ في الابتلاء والامتحان، وهو أيضًا من أدلة وجود الله تعالى وقوته وقدرته؛ فإنك ترى الأمة الباغية قد يُمهلها الله تعالى، ثم يأخذها أخذَ عزيزٍ مقتدر، فيُهلكها بما ليس في قدرة البشر؛ كإرسال الريح، والمطر، والطوفان وغيره، كما فعل بعادٍ وثمود وفرعون؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾[الفجر: 6 - 14]، وترى الفئة المؤمنة الضعيفة قليلة العدد والعدة ينصُرها الله حين يشاء، فتغلب عدوَّها، وترِث أرضه وماله، فيعلم الجميع أن النصر من عند الله، وأن القوة بيد الله؛ قال الله: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5، 6]، وقال سبحانه: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].
ثم إن هذا التدافع والتظالم داخلٌ فيما أعطاه الله للناس من الإرادة والاختيار، فبذلك يتظالمون أو يتراحمون، ولو جعلهم أمة واحدة، لسلَبهم الاختيار.
وكون الإنسان مريدًا مختارًا هو مقتضى العدل؛ حتى يُحاسَب على أفعاله، ولو سُئل أكثر الناس: هل يحبون أن يكونوا في هذه الحياة مجبورين مقهورين، لا يملكون إرادة ولا اختيارًا، أو مختارين لهم القدرة والإرادة والاختيار؟ لاختاروا الثاني.
فإذا كان الأمر كذلك، فالعجب ممن يريد أن يكون الناس أمة واحدة، ويعترض باختلافهم وتقاتلهم - الذي هو ثمرة إرادتهم واختيارهم - على وجود الله.
ويُنظَر للأهمية: ملف الرد على شبهات الملحدين على شبكتنا المباركة:
الإلحاد (تعريف، شبهات، ردود)
وينصح بمصاحبة عالم تقي ورع يساعده في فهم حقيقة الإسلام، ويزين له طريق التوبة، ويزيل عن قلبه هذه الشبهات والأمراض التي عرضت له.
وأخيرًا: ينبغي أن لا نغفل سلاح الدعاء عقب الطاعات وفي الأوقات الفاضلة، والله أعلم.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التعليقات