عناصر الخطبة
1/ حكم دخول الوقت بالنسبة للصلاة 2/ أوقات الصلوات الخمس 3/ عظم هذه الأوقات 4/ التحذير من تأخير الصلاة عن وقتها 5/ صيام يوم عاشوراءاهداف الخطبة
اقتباس
ودخول الوقت -عباد الله- شرطٌ لوجوب الصلاة، وشرطٌ لصحتها؛ فلا تجب الصلاة إلا بدخوله، ولا تصح إلا بدخوله، وهي -أيها المؤمنون- أوقاتٌ عظيمة مباركة جاءت الإشارة إليها في مواضع من كتاب الله، وجاءت مبيَّنةً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية بيانًا وافيًا، وتناقلها المسلون عنه وتلقَّوها منه ..
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه -سبحانه- مراقبة من يعلم أنَّ ربه يسمعه ويراه.
أيها المؤمنون.. عباد الله: الصلاة ميزان الإيمان، وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتتِمُّ وتكمُل؛ ومن ذلكم -عباد الله- أداؤها في أوقاتها المحدَّدة وساعاتها المعيَّنة، قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]. وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا".
ودخول الوقت -عباد الله- شرطٌ لوجوب الصلاة، وشرطٌ لصحتها؛ فلا تجب الصلاة إلا بدخوله، ولا تصح إلا بدخوله، وهي -أيها المؤمنون- أوقاتٌ عظيمة مباركة جاءت الإشارة إليها في مواضع من كتاب الله، وجاءت مبيَّنةً في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- القولية والفعلية بيانًا وافيًا، وتناقلها المسلون عنه وتلقَّوها منه -صلوات الله وسلامه عليه-.
قال الله -تعالى- في سورة الإسراء: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78]، وقال الله -تعالى- في سورة الروم: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) [الروم:17-18].
وروى أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَّنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ؛ فَصَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ".
وهي -أيها المؤمنون- أوقاتٌ بيِّنة واضحة ظاهرة معلومة، وحين دخول هذه الأوقات يُرفع بالنداء إليها في مساجد المسلمين ويُنادى: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح.
وتأمل قول جبريل -عليه السلام- في هذا الحديث: "هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ"؛ وبه يُعلم أن هذه الأوقات الخمسة للصلوات أوقات للصلوات عند النبيين من قبل نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ ما يدل على عظم مكانة هذه الأوقات ورفيع شأنها، وأنها أوقاتٌ يستيقظ فيها النائم، ويتوقف العامل، ويتِّجه الجميع إلى بيوت الله -تبارك وتعالى- لأداء هذه الصلوات في أوقاتها المحددة المعيَّنة.
أيها المؤمنون.. عباد الله: ومن إضاعة الصلاة تفويت أوقاتها وعدم أدائها في أوقاتها، قال الله -تبارك وتعالى-: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59]؛ قرأ عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- هذه الآية ثم قال: "لم تكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا الوقت".
وقال الله -تبارك وتعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5]؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها".
عباد الله: إن تأخير الصلاة عن وقتها أمرٌ جدُّ خطير، وهو من دلائل رقة الدين، وقد جاءت عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة إنذارًا للعباد وتحذيرًا لهم من إضاعة أوقات الصلوات، والمقام يطول بذكر هذه الأحاديث؛ ومن ذلكم -عباد الله- ما رواه مسلم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ"، أي: كأنما انتُزع منه أهله وماله فبقي بلا أهل ولا مال، أي: فليحذر من تفويتها وإضاعتها حذره على ماله وأهله من الضياع والذهاب.
وروى مسلم من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تِلْكَ صَلاةُ الْمُنَافِقِ: يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً"، والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ -عباد الله-.
أيها المؤمنون: كيف شأننا مع هذه الصلاة؟! وما مدى محافظتنا على أوقاتها؟! لنحاسبْ أنفسنا قبل أن يحاسبنا الله، ولنزِن أعمالنا قبل أن توزن يوم لقاه، ولنعلم أنَّ أول أمرٍ نسأل عنه يوم القيامة هذه الصلاة؛ فمن حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة.
اللهم اجعلنا أجمعين من المقيمين الصلاة، ووفقنا وذرياتنا لذلك يا رب العالمين، اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده -جل في علاه- حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون.. عباد الله: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: إننا نعيش هذه الأيام شهرًا فاضلاً؛ ألا وهو شهر الله المحرم، وهو شهرٌ يستحب من الإكثار من الصيام فيه، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ".
ويوم العاشر منه جاء في فضله ثواب عظيم، وأجر جزيل، ففي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ".
وينبغي للمسلم أن يصوم يومًا قبل هذا اليوم مع يوم عاشوراء مخالفةً لليهود؛ لما في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذُكر له أن اليهود يعظِّمونه ويصومونه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ". أي مع العاشر.
ويومنا هذا هو اليوم التاسع من شهر الله المحرم؛ فمن صام هذا اليوم فليصُم معه العاشر اغتنامًا لهذا الأجر العظيم والثواب الجزيل، ومن لم يصم اليوم فليصم العاشر وهو يوم الغد تحريًا لهذا الثواب العظيم؛ وليصُم يومًا بعده مخالفةً لليهود.
اللهم يا ربنا وفقنا لاغتنام الأوقات الفاضلة والمواسم الثمينة بما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد؛ وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكرٍ الصدِّيق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينًا وحافظًا ومؤيِّدًا، اللهم احقن دماءهم، اللهم آمن روعاتهم، اللهم استر عوراتهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، اللهم احفظهم بما تحفظ به عبادك الصالحين.
اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها. اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله لا إله إلا أنت؛ اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقَّه وجلَّه، أوَّله وآخره، سرَّه وعلنه. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا. اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعْتَ كل شيءٍ رحمةً وعِلما، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وبرحمتك التي وسعت كل شيء أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم إنا نسألك غيثًا مُغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم هذه أيدينا إليك مُدَّت، ودعواتنا إليك رُفعت، اللهم فلا تردنا خائبين، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
التعليقات